أيلول/سبتمبر 12
   
 
صدر حديثا للكاتب قحطان محمد صالح الهيتي كتاب (هيت مدينة ورجال) في 713 صفحة من القطع المتوسط عن مطبعة الرافدين، توزعت معلوماته الموسوعية على جزأين؛ الاول عن (المدينة) فصل تمهيدي وخمسة فصول عن موقع هيت وموضعها ونشأتها واسمائها. اما الجزء الثاني (الرجال) فقد خصصه لتراجم عدد من أشهر اعلام هيت الذين كان لهم دور متميز في الحياة الاجتماعية والفكرية والعلمية والسياسية على المستويات المحلي والعربي والعالمي. في التقديم يكتب الدكتور شاكر محمود عبد المنعم الهيتي، اختار المؤلف ان يتبع اسلوب الحوليات غير المكتمل وسار الكتاب على منهج علمي من حيث الاشارة الى المراجع والمصادر وتعزيز معظم الفصول والمباحث بالجداول والوثائق ذات الدلالات العلمية وعرف بالاعلام الحضارية واعلام الاشخاص والبلدان وترجم في الهوامش للكثير من الاعلام والمصطلحات بحيث لم يفرد مدينة هيت بتلك التعاريف وبذلك اظهر مدى التاريخ المشترك لمدن العراق.
في المقدمة يؤكد الكاتب ان الكتاب يعد دراسة متوازنة عن هيت وعن اعلامها وقد تم تدوين الاحداث التي وقعت بتواريخها وتسمية من تولى الحكم والادارة والقضاء فيها. حيث تم تدوين تاريخ هيت منذ عهد السومريين حتى الفتح الاسلامي لها وتاريخها عبر العصور الاسلامية وعهود الحكم الوطني حتى اليوم.. وتناول المعالم الاثرية في هيت وموضوع جديد لم يتناوله أحد من قبل وهو لهجة اهل هيت وايضا تاريخ الحياة السياسية والحزبية في هيت وتم توثيق ما قام به اعلامها وابناؤها من اعمال طيلة عمر مدينتهم، وعلى ما سجلوه من مفاخر في سفرها الخالد فقد ترجمت لرجالها الذين كان لهم دور متميز في الحياة الاجتماعية والفكرية والعلمية والسياسية محليا وعربيا وعالميا وايضا التعريف بما عرف عن هيت من عادات وتقاليد وحكايات.
في الفصل التمهيدي يقدم عرضا لموضع مدينة هيت القديمة الذي يمثل حدودها الادارية وتحتل مساحتها المعمورة منذ الاف السنين والذي يكاد يكون قائما وثابتا لم يتغير على مر العصور، الا ما احدثته الفيضانات او معاول الغزاة او الظروف المناخية في بعض اجزائها. ومن الروايات التاريخية يستنتج ان موضع هيت منذ القدم كان المصدر الرئيس ولعله الوحيد للقير لدى سكان القسم الجنوبي من العراق وظلت مشهورة بآبار القير الى يومنا هذا. وقد مثل موقع المدينة حدا للامبراطورية الاشورية والفارسية ولبلاد العرب ولأرض السواد ويمكن عد موقعها من مواقع المداخل او البوابات لكونها كانت بوابة العراق وقد ادى العامل العسكري دورا مهما في تحديد موقع مدينة هيت منذ القدم فقد تنازعت الامبراطوريات القديمة للسيطرة عليها لكونها نقطة وصل بين العراق والشام وبين الغرب والشرق، كما كانت مسرحا للعمليات العسكرية التي تمثلت بحملة كورش والاسكندر المقدوني والساسانيين والرومان وهجرة العرب قبل الاسلام وحملات العرب والمسلمين. وقد كان للعامل الديني أثر مهم في موقع مدينة هيت من خلال عبادة الناس للإله (ادد) والاله (داكان) اذ اقيمت لهما المعابد في المدينة بما اكسبها اهمية في المجال الديني وتطور بناء المعبد والزقورة الى كنيسة ثم الى الجامع عبر القرون وفيها كانت تصنع الآلهة والتماثيل. وما ادى الى ازدهار هيت انها تقع على نهر الفرات بشكل ادام اتصالها مع المدن السومرية وتحولت من قرية الى مدينة وعلى الرغم من الاهمية والمكانة التي احتلتها مدينة هيت عبر تاريخها الطويل الذي يمتد لما يزيد على 5000 سنة الا انها لم تحظ باهتمام الجهات المختصة بالتنقيبات الاثارية التي يمكن عن طريقها معرفة بداية الاستقرار فيها.
 
 
يلخص الكاتب واقع مدينة هيت عبر مراحل العصور الاسلامية منذ عهد الخلافة الراشدة والعصر الاموي والعصور العباسية وهجمة القرامطة وصولا الى العصر السلجوقي وعهد المغول الايلخانيين والعهد العثماني الاول والثاني والثالث وفي العهد العثماني الاخير الذي امتد من 1872 ـ 1917 م حين مرت الليدي (آن بلنت) عاشقة الخيول العربية بهيت بعد مغادرتها مدينة حديثة وهي رحالة بريطانية ألفت كتاب (بدو الفرات، رحلة بين البدو في الجزيرة الفراتية بسوريا 1878) ويرصد الكتاب وقائع الرحلة الاولى الى الجزيرة الفراتية ولم تذكر هذه الرحالة في كتابها اي شيء عن مدينة هيت، ويبدو انها كانت رحلة مخصصة لدراسة احوال بدو الفرات، وهذا ما يؤكده عنوان الكتاب. ولكن الباحث نابليون مارويني كتب بحثا تحت عنوان (هيت وينابعها المعدنية) وصف فيه الحال التي كانت عليها المدينة آنذاك. كتبت المس بيل في رسالة الى ابيها بتاريخ 24 اذار 1918: “حضر لمقابلتي اليوم رجل كنت قطعت الصحراء بصحبته الى دمشق عام 1911 ورافقني في رحلتي الى شبه الجزيرة العربية عام 1913 وافترقت عنه في بغداد عام 1914 انه (علي العقيلي) ... كان علي يسكن في مدينة هيت عندما تم لنا الاستيلاء عليها فسارع الى الانضمام الينا من خلال ارتباطه بضابط الاستخبارات وجدوى تعيينه لما يتمتع به من معرفة واسعة بكل ما له علاقة بالصحراء”. وبعدها كتبت رسالة ثانية تقول انها زارت هيت بعد زيارتها للرمادي تذكر انه حدث اثناء هذه الزيارة امر غريب جدا فقد هطلت امطار بغزارة في هيت طيلة عصر ذلك اليوم السادس من ايار عام 1918. اما الروائي البريطاني ادموند كانتلر فيذكر في كتابه الطريق الطويل الى بغداد الذي صدر عام 1919، سيرة الحملة البريطانية لاحتلال العراق والمهم ما كتبه عن مدينة هيت: عندما انهارت الدولة العثمانية اصبحت جميع مدن العراق مستباحة للسرقة والدمار الا مدينة يطلق عليها هيت، وتعد من اراضي الشام فقد قام اهلها بحماية ممتلكات الدولة والمدينة من الخراب وبناء على ذلك اجتمع وجهاء اهل هيت بديوان ذياب الياسين وأقروا بتوقيع وثيقة بينهم لحماية امن مدينة هيت من السرقة والدمار. ان الوثيقة المذكورة تثبت للناس بان مدينة هيت هي مدينة المحبة والالفة والوحدة والسلام وان اهلها عاشقون لها ومحبون لبعضهم.
وذكر الكاتب في فصل عن هيت العهد الملكي الكثير من الاحداث: تم بناء مدارس جديدة للبنين والاهم فتح اول مدرسة للبنات في هيت عام 1937 فجوبهت بمثل ما جوبهت به المدرسة الاولى للبنين ولكنها بمرور الزمن ثبتت امام العاصفة واقبل الناس على تسجيل بناتهم فيها بفضل ادارتها التي حظيت بمديرات فاضلات. كما تم فتح بصورة نظامية اول مستوصف مركزي في هيت وكان سابقا يزور المدينة طبيب الرمادي مرتين في الاسبوع لمعالجة المرضى. وتأسس ناد للموظفين يطل على نهر الفرات وفي عام 1947 جرى التعداد السكاني لمدينة هيت والقرى التابعة لها وتم التعداد لمركز المدينة الذي كان يتكون من ثلاث محلات، واظهرت نتائج التعداد ان مجموع سكان مدينة هيت (4830) نسمة وعدد العوائل (700) عائلة ومن خلال البيانات في سجلات الاحصاء يتبين بان عدد اليهود في هيت كان قليلا جدا وهو اقل من اعدادهم في عنة والرمادي والفلوجة عكس ما يشاع عن انهم كانوا كثيري العدد فيها. كما يؤكد عدم هجرة اي يهودي من هيت الى فلسطين المحتلة عام 1948 كما تفاعل ابناء مدينة هيت مع التظاهرات التي اندلعت في هذه السنة وانتفاضة الشعب كرد فعل ضد توقيع اتفاقية بورتسموث. في عام 1951 قدم طالب قسم الفلسفة مدني صالح الى استاذه علي الوردي بحثا عن مدينة هيت، ذكر فيه ان الحجاب اخذ ينتشر في هذه المدينة منذ عهد ليس ببعيد. وجاء في البحث ان المرأة الهيتية كغيرها من نساء الارياف والمدن الصغيرة ولكنها بدأت تميل نحو الحجاب من جراء احتكاكها بالنساء الحضريات، اذ هي صارت تقلد هؤلاء النساء وكانها اعتبرت الحجاب فيهن من مظاهر المنزلة العالية والنفوذ، والسبب في ذلك ان الحجاب جاء الى هيت عن طريق نساء الموظفين فكانت المرأة الهيتية تنظر اليه (موضة) حديثة ترفع من شأن صاحبتها.
ويتناول في كتابه بحثا مهما عن الاحزاب والحركات السياسية في هيت قبل وبعد 2003، منها الحزب الشيوعي العراقي الذي مر عبر سنوات نضاله بمراحل عدة منذ 1935 والى الان. وحزب البعث العربي الاشتراكي والاخوان المسلمون والحزب الاسلامي العراقي وعدد من الحركات والاحزاب القومية.
وفي الجزء الثاني من الكتاب يتناول الكاتب حياة شخصيات مهمة في هيت مؤكدا ان كل هيتي علم في عمله، المعلم والمدير والمهندس والطبيب والعامل والفلاح، انهم رجال جبلوا على الطيبة والكرم وحسن المعشر وعزة النفس والكرامة ومثلما هم رجال هيت، فنساؤها مثلهم، امهات ومربيات وطبيبات كريمات وفتيات مخلصات فهن وهم بناة اسرة تعلموا وعلموا وجدوا واجتهدوا وكانوا مدرسة خرجت اجيالا سيحفظون ذكرهم وذكر مدينتهم. كتب عن كوكبة خيرة من رجال هيت الذين كان لهم دور في الحياة الاجتماعية والفكرية وتعدت شهرة بعضهم حدود الوطن. منهم ابراهيم سلمان جمعة الهيتي واحمد الحاج كريم الهيتي واحمد ردام محمد المولى والشيخ احمد عبدالله اعجيبة واحمد محل الشاهين واحمد منصور السعدي والدكتور اسماعيل خليل الهيتي وامين محمد علي وبدران احمد بريكع الهيتي وبديوي خلف الندا وبديوي علي الرخت الهيتي وثابت شعبان الناصر والدكتور ثابت نعمان الهيتي وجاسر محمد الظاهر وجاسم محمد امين الهيتي وحافظ تركي الهيتي وحسن صالح ورشان وحسين رجب محمد وحميد مخلف الهيتي ورسمي رحومي الهيتي ورؤوف سالم الهيتي ورؤوف عبد الرزاق الهيتي وسبتي جمعة ذياب الهيتي وسطام سبتي السعدي الهيتي والدكتور سعدي السعدي وسعيد حمد عواد الهيتي وسهمي نصار السعدي وشاكر عون الدين الهيتي وشاكر محمود الهيتي وشاكر محمود عبد المنعم الهيتي وشريف عبيد عبد الغني والدكتور صالح فليح الهيتي وصباح سرحان فجري الهيتي والشيخ صبحي خليل الهيتي والدكتور صبري فارس الهيتي والشاعر صبري نصيف الحمداني والدكتور صفاء الحافظ الهيتي والشيخ ضياء الدين الخطيب والدكتور طه جزاع وعادل عدنان عزيز وعبد الحميد المجيد الهيتي والدكتور عبد الحميد برتو الهيتي وعبد الرحمن جمعة الهيتي وعبد الرحمن عبيد العاني وعبد الرحمن هلال الكربولي الهيتي والشيخ عبد الرزاق حبيب الهيتي والقاضي عبد العزيز محمد الهيتي وعبد الغفور جاسم محمد والشاعر عمر رمضان الهيتي وغازي احمد الردام وغازي اسماعيل الكيلاني والشيخ فيصل نجرس الكعود والدكتور قاسم امين الهيتي والدكتور قاسم محمد الامام والشهيد المحامي قيس حمودي الهيتي وكامل سعد صالح الهيتي والسفير لطفي عز الدين ومحمد احمد الهيتي والدكتور محمد حردان علي والقاضي محمد علي الشايع ومحمود شكر الجبوري والشيخ مدني جميل الهيتي وفيلسوف الشرق مدني صالح ومعن بن زائدة الشيباني الهيتي والدكتور مهدي صالح حنتوش ومهدي نعمان محمد الهيتي والمهذب الهيتي ونجاح ساسون الهيتي والدكتور هادي نعمان الهيتي والدكتور وليد عبد الحميد الهيتي ويوسف فواز الهيتي ويوسف نمر ذياب الهيتي وام المعلمات عفيفة حميد، لم تولد في هيت ولكنها عاشت فيها لانها احبتها واحبت اهلها ولم يكن لها ولد لانها نذرت نفسها للتعليم فلم تتزوج، فكان كل ابناء هيت وبناتها، ابناء لها. كثير هم ابناء مدينة هيت الذين تخطت شهرتهم المدينة والعراق وذاع صيتهم في المحافل العربية والدولية من خلال عملهم وابداعاتهم في الكتابة والتأليف والخطابة والاعلام.
وختاما كتب هندي حامد الهيتي عن السارية التي رفعت الاعلام، إذ كتب عن اعلام هيت جميعا ورفع رايتهم خفاقة يقرأها القاصي والداني ولم يرفعه أحد، ارشف لهيت ولتاريخها ورجالاتها ولهجتها وموروثها بلغة المحب العاشق المفتخر، وذاكرته خزين لا ينضب عن الايام الخوالي، حفظ بيوتاتها ودروبها ومحلاتها واسواقها التجارية بيتا بيتا، ومحلا محلا ودكانا دكانا. ولد كاغلب الهيتيين في عائلة تعيش على شفا الفقر الشريف فحلم بالتغيير فكان الشعر ولادة احلامه وأدرك الواقع وعرف طريق التغيير في اعتناقه اليسار الوطني. انه الدكتور قحطان محمد صالح الهيتي المولود في هيت سنة 1949 من اب كوردي وام كوردية ويرجع نسبه الى عشيرة خوشناو في كويسنجق. خلد هيت واهلها بمعلقته، معلقة هيت من قصيدة دار سعدي:
 انا ابن دار اذا قال الغريب بها      آه تجيشت الاركان والعمدا
كلابهما تكرم الاضياف ان نزلوا    فيها كراما وان خانوا غدت اسدا
انا الهيتي ابن الشمس ما ولدت    حواء توأمه من بعد ان ولدا