- المعرض التشكيلي العراقي الشامل
نظمت دائرة الفنون في وزارة الثقافة والسياحة والآثار في بغداد، مؤخرا، معرضاً تشكيليا كبيراً، على أروقة قاعات الوزارة، والتي ضمت مئات الأعمال الفنية ما بين الرسم والنحت والكرافيك والخزف، لأكثر من مائة فنان مشارك، يمثلون أجيالاً مختلفة، وأساليب فنية متنوعة، بموضوعات إنسانية وواقعية، استلهمت من محيط مجتمعنا عموماً. وكل فنان قدم ما لديه من أفكار وطروحات على وفق رؤيته الفنية.
معرض مهم وكبير كهذا، بحاجة إلى مساحة أكبر وأوسع لغرض الحديث عن كل التجارب المشاركة وكلها جديرة بالإشارة، حقاً.
- معرض استعادي للفنان إبراهيم العبدلي
وعلى هامش المعرض، أقيم المعرض الإستعادي للفنان المغترب إبراهيم العبدلي، الذي ضم مجموعة كبيرة من بعض أعماله التي رسمها على مدى مسيرته الطويلة.
ينتمي العبدلي، إلى جيل الستينات، وهو الجيل الثالث والمؤثر بالنسبة للحركة التشكيلية المعاصرة، التي أبرزت عشرات التشكيليين العراقيين المبدعين، والذين أثروا المشهد التشكيلي العراقي بالكثير من الأعمال المتميزة، التي لها حضور شاخص اليوم في جميع متاحف العالم.
شارك العبدلي بمشروع لمنظمة إنسانية تعنى بالأطفال والمراهقين العراقيين المصابين بأمراض نفسية جراء أعمال العنف، التي طالت المجتمع العراقي، وكان نصيبهم الأكبر منه بالمشاهدة العينية أو من خلال نقلها عبر وسائل الإعلام، فتبرع بتقديم دروس في الرسم لهؤلاء الاطفال والمراهقين، ووجد أنهم أحبوا الألوان التي ساعدتهم على تخطي العديد من حالات الحزن والاكتئاب التي تصيبهم.
تخصص العبدلي بالرسم الواقعي منذ بداية مسيرته الفنية، فالواقعية هي أقرب إلى خوالجه وأحاسيسه، وقد تنوع تخصصه في تناوله لموضوعات الرسم التي مارسها ويمارسها حتى الآن في (البورتريت الشخصي لعدد كبير من الشخصيات المعروفة في الساحة الادبية والفنية، الخيول العربية، طيور الحمام، بأوضاع متنوعة وجميلة، الرسم الهندسي "الديكور" والجداريات، الأزقة والأسواق الفولكلورية والطبيعة والزوارق النهرية وعربات النقل القديمة التي تسحبها الخيول الثنائية أو الرباعية في بغداد، فضلاً عن لوحات الستلايف "حياة جامدة".. الى جانب لوحات تعبيرية مستلهمة من الحرب العراقية الإيرانية، والاحتلال الأمريكي للعراق، كما تناول الموضوعات نفسها في الأماكن التي سكنها في السعودية والأردن والقدس.
يقول العبدلي: "أنا فنان واقعي، وبقيت وما زلت وفياً للمدرسة الواقعية الحديثة منذ أن تخرجت في أكاديمية الفنون الجميلة العام 1965 وحتى الآن"، و"أنا أعتز بالبقاء على مدرسة أو أسلوب واحد ولم أغير من أسلوبي، لكنني أجدد في الموضوع واللون وأكون مجددا ضمن مدرستي الواقعية، وغالبية أبناء جيلي، أبقوا على أساليبهم، سواء كانت تجريدية أو انطباعية أو غيرها من الأساليب"، "وأنا تمسكت بالأسلوب الواقعي، كون الفن بالنسبة لي هو رسالة موجهة للمتلقي، وأنا أريد لهذه الرسالة أن تصل وأن يستوعب المتلقي مضمونها، فأنا مثلا جسدت في أعمال واقعية موضوعات الحرب، وذلك من خلال لوحة تجسد عادة شعبية عراقية، وهي أن الأم أو الزوجة عادة تلقي بالقليل من الماء خلف ابنها أو زوجها عندما يخرج مسافراً أو في مهمة، والماء هنا تفاؤلاً بعودته سالما، لهذا رسمت جندياً عراقياً يحمل حقيبته ويخرج من البيت للإلتحاق بجبهات القتال بينما أمه تلقي الماء خلفه، وفي تجسيدي للحرب الأخيرة 2003، رسمت دراجة هوائية وضع صاحبها عليها صندوقا من التمر العراقي الطازج بينما اختفى راكبها، وهناك عن قرب توجد عربات هامر أميركية، في إشارة إلى أن صاحب الدراجة المفقود في اللوحة ضحية قوات الإحتلال، وقد يكون ألقي القبض عليه من قبل القوات الأميركية أو ربما قد قتل من غير أن نشاهد آثار دم، فأنا أكره مشاهد القتل والدماء بشدة. أما عما مر به العراق من خراب، فقد شبهته بعربة محطمة، لكن الحصان العراقي الذي يجرها رسمته واقفا بشموخ وبقوة، في دلالة على أن العراق قوي وأن ما حدث له مجرد مرحلة وسيعود بعدها البلد معافى، هذا لا يستطيع الرسام التجريدي تجسيده، فالتجريد يمكن أن يخدم اتجاهات في تصميم الديكور أو الأزياء"، "والأصالة التي يتمتع بها الفنان، فعندما يتعرف المتلقي على الفنان من خلال اللوحة بسبب الأسلوب واللون ومن غير أن يقرأ التوقيع، فهذا يعني أن الفنان أصيل"، "وأنا أرسم ما ترصده عيني وذاكرتي من مشاهد حياتية، مثل لوحة الجندي الذاهب إلى الجبهة، على الرغم من أن هذا الموضوع تراثي شعبي إلا أني شاهدته في أحد أحياء بغداد ورسمته، لأني أردت أن أرسم الجندي بعين متفائلة".

- معرض استذكاري للنحات اتحاد كريم
كما أقيم على هامش المعرض الرئيسي أيضاً، معرض استذكاري للنحات الراحل اتحاد كريم، ضم مجموعة من أعماله النحتية المنفذة بخامات البرونز أو المواد الأخرى.
ويعد النحات اتحاد كريم (مواليد بغداد 1940 - 2010) من الفنانين الذين قدموا تجربة نحتية خاصة، في المشهد التشكيلي المعاصر العراقي، الذي زاوج فيها ما بين روحية الواقعية العراقية والحداثة الفنية، التي تتسم شخوصها بالاستطالة الرشيقة في مفردات تركيبة الأجسام البشرية، كي يمنحها دفقا حيويا جديدا، لأنه يستلهم أفكاره من واقعه، ومن أشهر أعماله (المرأة والرجل) الموجود في حديقة الزوراء.. في أواسط السبعينات أسس الفنان الراحل كاليري ومشغل (اتحاد كريم) الذي احتضن الكثير من أعماله وأعمال زملائه الفنانين الآخرين.
يقول النحات الرائد (عبد الجبار البناء): إن الفنان إتحاد كانت له هواية تصميم السيارات وعرض الكثير من تلك التصاميم في السبعينيات وشارك بها في معرض بغداد الدولي، ما حدا بإحدى الشركات اليابانية بأن يعمل لحسابها لتنفيذ بعض الرسوم للسيارات.
كما شارك الراحل، مع النحات إسماعيل فتاح الترك في إنجاز تماثيل عدد من الشخصيات العراقية مثل: معروف الرصافي وعبد المحسن السعدون ويحيى الواسطي وأبو نؤاس... فضلاً عن جداريات التأميم والمصرف الصناعي ومدينة الطب، كما شارك مع الفنان نداء كاظم في تنفيذ نصب كهرمانة.
يقول الناقد أحمد خليف منخي: إن "النحات إتحاد كريم أكثر تحررا من تقاليده المحلية والتأريخية، حاور الأشكال العالمية على وفق تياراتها الحديثة فكان همه ليس الإنعتاق الشكلي للمفردة المحلية، وإنما تشكيل عمل يداعب الحالة الجمالية للشكل دون ان يكون هناك تداخل عاطفي أو وجداني باستخدام مفردات مستلة من ثقافته المحلية، فهو يعمل على وفق ما يحدث في العالم من تسابق في التيارات العالمية الحديثة التي وصلت ذروتها في فترة السبعينيات من القرن الماضي، خصوصا ما شهده العراق من تحولات وتغيرات انفجارية هائلة على الصعيد الفكري والإجتماعي والرفاه الإقتصادي".
الفنان اتحاد كريم كان يمثل مرحلة الرفاهية أو البرجوازية، ويعكس واقعه المنفتح على العالم من داخل العراق، أي أنه مازج بين تأثيرات (جاكومتي ومارينو ماريني) في صياغة الشكل النحتي وميل شخوصه إلى الهدوء والاستقرار مع استطالتها.
اتحاد كريم، فنان يحمل فكرا جماليا أرستقراطيا لأنه يستل الأشكال ذات الحالة الفنية الصرفة البعيدة عن التعاطف الجماهيري والشعبي خلال تقديم أشكال غريبة مهجنة بمثيلتها الغربية قد حقق رؤى وقيم جمالية أسهمت في زيادة تحرير الوعي الجمالي وإثراء الساحة المحلية بمنجز يحمل فيه الكثير من التميز والتأثير على المتلقي بشيء من التأثير والاستنارة الفكرية وربطه بالمتحول الشكلي للعمل النحتي ضمن الإطار العالمي.
- معرض النحات معتصم الكبيسي
كذلك أقام الفنان معتصم الكبيسي معرضه الشخصي للنحت، قدم خلاله خلاصة تجربته وأسلوبه الفني في النحت.. حيث اتسمت أغلب أعماله بنزعة الحروب والدكتاتورية والقوة وغيرها التي تتولد منها ولادات غير طبيعية ..
- معرض الكاريكاتير للفنان جبار صابر
وعلى هامش المعرض أقيم أيضاً، معرض لفن الكاريكاتير للفنان جبار صابر، ضم 60 صورة تعبيرية، وهو فنان من محافظة أربيل، جاء ليقيم معرضه الشخصي السابع، حيث قدم تجربة الكاريكاتير بخطوط تعبيرية إنسانية.. وتنتمي تجربة الفنان جبار، إلى فن (البوستر) السياسي المعروف بتقنيته ورسالته الإنسانية للجميع.. وفي جميع أعماله هنالك رمزيات مشتركة ما بين الشعوب كافة التي تقوم على (حمامة السلام) (وغصن الزيتون) (والأقلام والقرطاسية) ونبذ العنف في كل مكان من العالم.
