أيلول/سبتمبر 12
   
من أدب الاطفال
من أدب الأطفال، باب جديد سنسعى الى تقديمه لقرائنا، بين فينة وأخرى، بهدف دعم هذا الجنس الادبي المهم. وسعيا من مجلة (الثقافة الجديدة) الى المساهمة في تذليل العقبات والتحديات التي تقف بوجه نهوضه، والتي برزت في ظل التطورات الاجتماعية والتقنية خلال السنين الماضية. ولهذا سنسعى في قادم الأيام الى نشر ما يردنا من دراسات ونصوص مسرحية جادة تعنى بهذا الجنس الادبي المهم.
                                                                                                                                                                                                                                           (محرر باب ادب وفن).
 
الشخصيات :
- أحمد : طفل في العاشرة من العمر .
- ماجد : طفل في الحادية عشرة من العمر .
- العفريت : شخصية أسطورية طيبة .
- عفاريت صغار : أبناء العفريت .
- المعلم : في حوالي الأربعين من العمر .
- تلميذ 1 : في الثانية عشرة من العمر .
- تلميذ 2 : في الحادية عشرة من العمر .
- مجموعة تلاميذ : من أعمار مختلفة .
المنظر :
 ( غابة واسعة متشابكة الأغصان ، أصوات طيور وحيوانات مفترسة ، الجو فيه مسحة من الظلام على الرغم من أن الحدث يدور أواخر النهار، يدخل أحمد وماجد وهما تائهان ومتعبان ، يتحسسان طريقهما بصعوبة ، مع ارتفاع أصوات الحيوانات المفترسة يزداد خوفهما ) ..
 
أحمد    :         آه.. لقد تعبت من المشي .
ماجد    :         وأنا تعبت من الجوع والعطش ، ما هذه الورطة التي وقعنا فيها .
أحمد    :         ( منفعلاً ) هذه نتيجة من يسير وراءك من دون تفكير ، كيف نجد رفاقنا الآن؟
ماجد    :         ما ذنبي أنا ، أنت من طاوعني ووافقني على لعبة الإكتشاف ، ولولا موافقتك على الدخول في الغابة لما حصل ما حصل .
أحمد    :         كنت أظن أنك تعرف دروب الغابة جيداً ، ولم أفكر أننا سوف نتيه عن رفاقنا .
ماجد    :         لقد حصل ما حصل وعلينا أن نجد الطريقة المناسبة للخروج من هذه الورطة .
أحمد    :         :   لقد تعبت من المشي طوال النهار ، سأستريح بالقرب من هذه الشجرة الكبيرة .
ماجد    :         الجلوس ليس في صالحنا ، سيحل الليل قريبا وقد تخرج إلينا الحيوانات المفترسة .
أحمد    :         ( خائفاً ) ماذا تقول ؟
ماجد    :         ألا تسمع أصواتها ، ربما هي تستعد لافتراسنا .
أحمد    :         إنني خائف .
ماجد    :         وأنا كذلك .
أحمد    :         وماذا نعمل الآن؟
ماجد    :         إسترح أنت قليلاً ، وسأبحث في المكان عن طريق يؤدي إلى خارج الغابة .
أحمد    :         ( جالساً قرب الشجرة ) لا تبتعد عني .
ماجد    :         لا تخف ، لن أبتعد.
أحمد    :         حسناً .
ماجد    :         ( متفحصاً المكان ) لا يبدو أن هناك مخرجاً ، الليل سوف يحل قريباً ، ونحن تائهان ، يا لها من سفرة مشؤومة ، لا أعرف كيف يفكر أصدقائي الآن ، ولا أعرف ماذا يفعل مُعلمي عندما يشعر بغيابنا عن بقية التلاميذ .
أحمد    :         ماجد ، ألم تجد طريقاً ؟
ماجد    :         كلا يا أحمد ( يعود إلى جانب الشجرة الكبيرة يصطدم بشيء ما على الأرض ) آه .. ما هذا الذي كاد يُوقعني على الأرض؟
أحمد    :         إبتعد قليلاً لأرى .
ماجد    :         إحذر يا أحمد فالغابة فيها الكثير من الأسرار .
أحمد    :         لا تخف ، إنني حذر .
ماجد    :         ربما يكون فخاً تركه أحد الصيادين لصيد الحيوانات .
أحمد    :         ( يبحث في الأرض ) إنه شيء يشبه الحديد ، وهو مدفون .
ماجد    :         ( مازحاً ) قد يكون كنزاً .
أحمد    :         يا لخيالك الكبير .
ماجد    :         ليس خيالاً ، ولكنني سمعت الكثير من الحكايات التي تقول بوجود كنوز مدفونة في الغابات ، لماذا لا يكون هذا الشيء واحداً منها ؟
أحمد    :         ( وهو يحفر بغصن شجرة ساخراً ) إذا كان كنزاً فسوف نتقاسمه معاً .
ماجد    :         ( مُصدقاً ) حسناً ، اتفقنا .
أحمد    :         ( ساخراً ) اتفقنا .
ماجد    :         دعني أُساعدك في الحفر ( يبدأ الحفر ) .
أحمد    :         إننا نُضيّع وقتنا هنا .
ماجد    :         ( مُنهمكاً ) اصبر قليلاً .
أحمد    :         ربما تُراقبنا الحيوانات المفترسة ونحن لا نعلم .
ماجد    :         هذا جائز .
أحمد    :         ( صارخاً ) إذن ما فائدة الكنز بعد أن نُصبح طعاماً للحيوانات المفترسة ؟
ماجد    :         لا تكن جباناً يا أحمد ، اصبر قليلاً .
                    ( يُخرج من الأرض مصباحاً قديماً )
أحمد    :         ما هذا ؟
ماجد    :         مصباح ، إنه مصباح قديم .
أحمد    :         وماذا يفعل هذا المصباح هنا ؟
ماجد    :         ربما يكون مصباحاً سحرياً ، مثل مصباح علاء الدين .
أحمد    :         مصباح علاء الدين السحري مجرد حكاية نراها في أفلام الكارتون .
ماجد    :         بل هي حقيقة وها أنت ترى ، لقد أصبح مصباح علاء الدين في أيدينا .
أحمد    :         أرني إياه .
ماجد    :         انتظر ، دعني أُنظفه من التراب ..
                    ( يدعك المصباح محاولاً تنظيفه )
أحمد    :         كن حذراً يا ماجد .
ماجد    :         لا تخف .
                    ( يواصل دعك المصباح ، فجأة يظهر صوت غريب يسقط المصباح على الأرض يبتعد الاثنان إلى جانب الشجرة ، يظهر دخان من المصباح ، يخرج العفريت ، يختفي الاثنان خلف الشجرة ، العفريت يتمغَّط ، يُمارس بعض الألعاب الرياضية ، لحظة ، ينتبه للمكان فلا يجد أحداً ، يُنادي .. )
العفريت :         سيدي .. سيدي ، أين أنت ؟
أحمد    :         ( خائفاً ) ماذا فعلت يا ماجد أنت تُخرجنا من ورطة وتُدخلنا في ورطة جديدة .
ماجد    :         لا تخف ، إنه عفريت طيب ، كما في حكاية علاء الدين والمصباح السحري .
أحمد    :         ليته يكون كذلك.
العفريت :         ( يبحث في المكان ) سيدي ، أو سيدتي ، لا فرق ، أين أنت؟
أحمد    :         إنه يبحث عنا .
العفريت :         سيدي ، لماذا دعوتني إذن ، لماذا تختبئ خلف الشجرة ، إظهر وبان وعليك الأمان .
ماجد    :         إنه عفريت ذكي ، لقد عرف بمكاننا ، لنتحدث معه .
أحمد    :         احذر يا ماجد قد يكون عفريتاً شريراً .
العفريت :         لستُ عفريتاً شريراً يا سيدي .
أحمد    :         ( مُستغرباً ) آه .. لقد سمعني .
العفريت :         ورأيتكما منذ البدء ، لكنني حاولت أن أمازحكما .
ماجد    :         ألم أقل لك أنه عفريت طيب ؟
العفريت :         شكراً لك يا سيدي لأنك دعوتني أخيراً ، لقد مللت الجلوس داخل المصباح .
أحمد    :         إنه عفريت فعلاً ، كما في حكاية علاء الدين والمصباح السحري .
ماجد    :         ألم أقل لك ، عفريت طيب وسيحقق كل أمانينا .
أحمد    :         رباه ، هل نحن في حلم ، أم في يقظة ؟
ماجد    :         بل في يقظة ، وها هو العفريت أمامنا .
العفريت :         ( منحنياً أمامهما ) شبيك لبيك عبدك بين يديك .
ماجد    :         ( فرحاً ) أرأيت يا أحمد ، كما في الحكاية .
أحمد    :         أنا لا أصدق ما يجري أمامي .
ماجد    :         بل صدق .
العفريت :         شبيك لبيك عبدك بين يديك .
ماجد    :         اسمع أيها العفريت الطيب ، هل تستطيع أن تحقق جميع أمانينا ؟
العفريت :         ثلاث أمنيات فقط .
أحمد    :         ماذا ، ثلاث أمنيات ؟
العفريت :         نعم يا سيدي ثلاث أمنيات ، وعليكما أن تتصرفا على هذا الأساس .
ماجد    :         ( فرحاً ) أنا سآخذ أُمنيتين .
أحمد    :         وتترك لي أمنية واحدة ، لماذا ؟
ماجد    :         أنا من عثر على المصباح أولاً .
أحمد    :         يا لك من أناني ، ألم نتفق على أن نتقاسم الكنز سوية ؟
ماجد    :         هذا صحيح ، لكننا لم نجد كنزاً ، بل وجدنا مصباحاً سحرياً .
أحمد    :         ولكن ، ألا يُعدّ المصباح السحريّ من الكنوز ؟
ماجد    :         لنحتكم إلى العفريت ، فقد نجد عنده الجواب المناسب .
العفريت :         ( ضجراً ) كفاكما شجاراً أيها السيدان الصغيران واطلبا أمانيكما الثلاث بسرعة .
أحمد    :         ( موجهاً الكلام لماجد ) حسناً سأكون أكثر كرماً منك وسأكتفي بأمنية واحدة .
ماجد    :         وأنا سأجعلك تشاركني إحدى الأمنيتين، أيها العفريت نحن جائعان، اجلب لنا ما لذَّ وطاب من الأكل والمشروبات .
العفريت :         سمعاً وطاعة يا سيدي .
                    ( يختفي العفريت سريعاً )
أحمد    :         يا لك من مغفل، كيف تفرط بإحدى الأمنيتين بهذه السهولة ، ما نفع الأكل والشراب ونحن تائهان وسط الغابة المليئة بالحيوانات المفترسة ، ألم تفكر بالخروج من الغابة ؟
ماجد    :         لا عليك يا صديقي فمازالت لدينا أمنيتان واحدة لك والأخرى لي.
أحمد    :         لديك أمنية واحدة ، لا شأن لك بأمنيتي .
ماجد    :         حسنا .
                    ( يظهر العفريت ومعه عدد من العفاريت الصغار وهم يحملون أطباقاً كثيرة من الطعام )
العفريت :         شبيك لبيك عبدك بين يديك، تفضل يا سيدي ما لذَّ وطاب من الطعام والشراب .
ماجد    :         شكراً لك أيها العفريت الطيّب .
أحمد    :         ومن هؤلاء؟ (مُشيراً إلى العفاريت الصغار)
العفريت :         إنهم أولادي ، العفاريت الصغار ، يساعدونني في تلبية أمنيات أسيادي .
ماجد    :         ( بفضول ) وهل يمتلكون القدرة على تحقيق الأماني مثلك ؟
العفريت :         عندما يكبرون يا سيدي .
أحمد    :         يا للطرافة ، ولكن هل تستطيع أن تُخرجنا من الغابة أيها العفريت ؟
العفريت :         بكل سرور ، إذا شئتما يا سيديَّ ، فمازال لديكما أُمنيتين .
أحمد    :         ولكنني لا أريد أن أفرّط بأمنيتي الوحيدة بسهولة .
العفريت :         أنت حرٌّ يا سيدي ، أنا رهن إشارتك ما دمت تملك حقَّ الأمنية .
ماجد    :         ( يأكل بشراهة ، ثم يُخاطب العفريت بفضول ) عندما تُحقق ما تبقى من أمنياتنا ماذا ستفعل ؟
العفريت :         أعود إلى المصباح في انتظار سيدي الجديد .
أحمد    :         ومن هو سيدك الجديد ؟
العفريت :         الذي يملك المصباح .
ماجد    :         ولكننا نحن الاثنان من يملك المصباح ؟
العفريت :         ( ضاحكاً ) يبدو أنكما لا تعرفان قوانين عملي في المصباح .
أحمد    :         وما هي قوانين عملك ؟
العفريت :         سيدي أنا أظهر إلى الوجود كل مائة عام لأحقق ثلاث أمنيات لمن يملك المصباح ، بعدها أعود إلى غفوتي بداخله مُنتظراً انقضاء مائة عام أخرى ، وهكذا دواليك .
ماجد    :         يعني أنك تُصبح عديم الفائدة بعد تحقيق الأمنيات الثلاث ؟
العفريت :         تستطيع أن تقول ذلك .
أحمد    :         يا إلهي ، حتى العفاريت لها " أكس باير " !!
ماجد    :         ( يواصل الأكل بشراهة ) هيا يا أحمد كُل ما دُمنا لا نزال نملك أمنية لكلِّ واحد منا .
أحمد    :         (يأكل بتأنٍ ، بينما يواصل ماجد الأكل بشراهة ) ، ألا تأكل معنا أيها العفريت ؟
العفريت :         ( مُشرفاً على مائدة الطعام ) أنا في خدمتكما يا سيِّدَيَّ ، أنا عبدكما ولا يجوز لي الأكل معكما .
ماجد    :         ( فرحاً ) يا للطرافة .
                    ( يستمر الاثنان في الأكل ، بينما تقوم العفاريت الصغار بخدمتهم ، عفريت صغير يقدم طعاماً خاصاً لأحمد ) ..
أحمد    :         شكراً لك أيها العفريت الصغير ، ما اسمك ؟
                    ( العفريت يهز رأسه بعدم المعرفة )
ماجد    :         ( فمه مليء بالأكل ، يضحك بقوة ) ها ..  ها .. ها .. كم أنت مرح يا أحمد ، اسمه عفريت طبعاً ، وهل عمرك سمعت أن للعفاريت أسماءً مثلنا، ها.. ها.. ها .. ( تقف اللقمة في بلعومه )  ماء ..  ماء .. ماء ..
                    ( العفاريت الصغار يتراكضون لجلب الماء )
أحمد    :         ما بك ؟ كأنك لم ترَ الطعام منذ سنوات .
ماجد    :         ( بعد أن ينتهي من شرب الماء ) آه .. كدت أموت .
أحمد    :         لقد أكلت الكثير يا ماجد كفى ، سوف تُصاب بالتُّخمة .
ماجد    :         لم أذق طعاماً شهياً في حياتي مثل هذا .
أحمد    :         أتقتل نفسك مقابل شهية الطعام ؟
ماجد    :         لا عليك ، سأطلب من العفريت أصنافاً جديدة .
أحمد    :         ولكن .....
ماجد    :         أيها العفريت .
العفريت :         ( بسرعة خاطفة ) شبيك لبيك عبدك بين يديك .
ماجد    :         إذا طلبت أصنافاً جديدة من الطعام ، هل يدخل هذا ضمن الأمنية الأولى أم الثانية ؟
العفريت :         كلا يا سيدي يدخل ضمن الأمنية الأولى ، لأنها أمنية في الطعام والشراب وقد حققتها لك .
ماجد    :         ( فرحاً ) حسناً ، اجلب لي أصنافاً جديدة من الطعام ، ولا تنسى الحلويات .
العفريت :         سمعاً وطاعة ..
                    ( يتحرك العفريت مع صغاره لجلب أصناف جديدة من الطعام )
ماجد    :         ( يستمر بالأكل ، بينما يكتفي أحمد بالقليل ) يا له من طعام شهي ، كُلْ يا أحمد ، كُلْ ..
أحمد    :         كفى يا ماجد سوف تمرض بهذه الطريقة ، ستصاب بالتخمة.
ماجد    :         لو أن العفريت يزيد من الأمنيات لطلبت الكثير من الأشياء .
أحمد    :         لا تكن طماعا لقد قال لك ثلاث أمنيات فقط ، وها أنت أضعت أمنية بالطعام والشراب .
                    ( يدخل العفريت مع صغاره وهم يحملون أصنافاً جديدة من الطعام )
العفريت :         أنا بخدمتك يا سيدي .. تفضل ...
                    ( يُقدِّم له الطعام )
أحمد    :         ( الى ماجد ) أنا لست مسؤولاً عن مرضك يا ماجد ، لقد حذرتك فلا تلمني بعد ذلك .
ماجد    :         لا عليك .
العفريت :         ( لأحمد ) وأنت يا سيدي ، متى تطلب مني أمنيتك كي أحققها لك ؟
أحمد    :         لا أدري ، امنحني قليلاً من الوقت لأفكر ، إنها أمنية واحدة فقط وعليَّ أن أستثمرها بشكل صحيح.
العفريت :         أمرك يا سيدي .
ماجد    :         ما رأيك يا أحمد أن تطلب منه "بلي ستيشن" ، إنك لا تستطيع شراءه فهو غالي الثمن بالقياس إلى راتب أبيك .
أحمد    :         لا ، لا أفكر في ذلك إنها أمنية بسيطة وشخصية .
ماجد    :         ( مواصلاً الأكل ) حسناً ، اطلب منه قصراً وسيارة سباق سريعة .
أحمد    :         لا.. لا.. إنها أمنيات تافهة .
ماجد    :         لقد احترت معك ، اطلب منه أن يُخرجنا من هذه الغابة المخيفة .
أحمد    :         ولماذا لا تطلب ذلك أنت بأمنيتك الوحيدة التي بقيت لديك، ألست من أوقعنا في هذه الورطة .
ماجد    :         لا.. لا.. أمنيتي أنا أحتاجها .
أحمد    :         وكذلك أنا .
العفريت :         ( موجهاً الكلام لماجد ) وأنت يا سيدي ألم تفكر في طلب أمنيتك الثانية مني ؟
ماجد    :         الحقيقة .... الحقيقة .... ( يشعر بألم في بطنه ) آه .. بطني ، بطني تؤلمني .
أحمد    :         ألم أقل لك ؟ لقد أفرطت في الأكل وها أنت قد أُصبت بالتُّخمة .
العفريت :         هل انتهيت من الطعام يا سيدي؟
ماجد    :         ( بألم ) نعم .. لقد انتهيت ، انتهيت ...
العفريت :         ( إلى العفاريت الصغار ) هيا ، أيها الأولاد أعيدوا أطباق الطعام إلى مكانها .
                    ( يتحرك العفاريت الصغار بسرعة )
ماجد    :         آه .. بطني ، بطني ...
العفريت :         ما بك يا سيدي ؟
ماجد    :         بطني ، بطني تؤلمني ، ألا يوجد حل ؟ بطني ...
العفريت :         يوجد يا سيدي ، أجلب لك الدواء حالاً ، وستشعر بتحسن .
ماجد    :         ( بألم ) حقاً ؟
العفريت :         نعم يا سيدي ، أنا بخدمتك مادامت لديك أمنية واحدة .
ماجد    :         ماذا تعني ؟
العفريت :         إذا جلبت لك الدواء ، فهذا يعني أنني سأحقق لك الأمنية الثانية ، أمنية الدواء .
ماجد    :         لا.. لا أريد ، لا أريد أن أفقد أمنيتي الوحيدة بالدواء ، آه .. بطني ، بطني تؤلمني ...
                    ( يزداد الألم عليه )
العفريت :         أنت حر يا سيدي .
أحمد    :         قل لي أيها العفريت الطيب ، لو كانت لديك أمنية واحدة ، فماذا ستتمنى ؟
العفريت :         ( وقد فوجئ بالسؤال ) أنا.. أنا ؟ الحقيقة ، إنني لم أفكر بهذا طوال حياتي، لقد تعودت على تحقيق أماني الآخرين ولم أفكر يوماً بأمنية لي .
أحمد    :         لو افترضنا أن لديك هذه الأمنية ، فماذا تفعل ؟
ماجد    :         آه .. بطني .. بطني .. لا أستطيع أن أتحمل الألم . أيها العفريت .. إجلب لي الدواء ، الدواء .. أرجوك .. أرجوك .
العفريت :         سمعاً وطاعة يا سيدي .. سمعاً وطاعة .
                    ( يخرج العفريت مسرعاً )
أحمد    :         ها أنت تفقد أمنيتك الثانية من دون فائدة .
ماجد    :         كيف من دون فائدة ، إنني أشعر بألم لا يُطاق .
أحمد    :         لقد حذرتك ، ولكنك لا تستمع إلى التحذيرات .
                    ( يدخل العفريت حاملاً قنينة تشبه قنينة الدواء )
العفريت :         خذ يا سيدي ، هذا الشراب يحمل مفعول السحر ، ستُشفى بسرعة .
ماجد    :         ( يشرب ) شكراً لك أيها العفريت الطيب .
العفريت          :         الآن أكون قد حققت لك أمنيتك الأخيرة ، ولم يبقَ سوى سيدي الآخر .. ( مُشيراً إلى أحمد )
أحمد    :         إنني في حيرة من أمري ، لا أعرف كيف أتصرف ( يتجه نحو قاعة جمهور الأطفال ) ماذا تقولون أنتم يا أصدقائي ؟
                    ( يتعامل أحمد مع ردود فعل الأطفال باختلاف فعل إلى آخر )
العفريت :         ( يقترب من أحمد ) سيدي ، لقد سألتني قبل قليل إن كانت لي أمنية واحدة كيف سأتصرف ؟
أحمد    :         أجل ، أيها العفريت الطيّب .
العفريت :         إذن ، إسمع مني ، في البدء أنظر إلى نفسي فإذا كنت قانعاً بحياتي وليس لديَّ أي نقص في الأشياء التي تساعدني في تسيير أموري الحياتية ، عندها أحمد الله على نعمته ، وأفكر في الآخرين ، فقد يكون ثمة من يحتاج إلى هذه الأمنية حقاً .
أحمد    :         فكرة جميلة ، ونبيلة في الوقت نفسه .
ماجد    :         الحمد لله ، لقد زال الألم عن بطني .
العفريت :         إنه مفعول الشراب يا سيدي ، فيه من السحر الشيء الكثير .
أحمد    :         إذن ، أيها العفريت هل أنت راضٍ عن حياتك ؟
العفريت :         ( مرتبكاً ) الحقيقة .. يا سيدي .. وبصراحة .. أنا غير راضٍ عن حياتي .
أحمد    :         لماذا ؟
العفريت :         إنني سجين هذا المصباح منذ قرون ، والمشكلة أنني أحيانا أُجبر على تحقيق بعض الأماني التي لا أريد تحقيقها لو تُرك لي الخيار .
ماجد    :         ( بدهشة ) مثل ماذا ؟
العفريت :         أحياناً يقع المصباح بأيدي بعض الأشرار فيطلبون مني أن أُحقق لهم بعض الأمنيات الشريرة .
أحمد    :         لقد فهمت .
العفريت :         لذلك فان حياتي ليست سعيدة ، فضلاً عن ذلك فأنا دائماً في خدمة الناس ، ولم يفكر أحدهم في يوم ما أن يكون في خدمتي ويلبي لي أمنية واحدة على الأقل .
أحمد    :         وما هي أمنيتك ؟
العفريت :         الحرية ، أن أتحرر من هذا المصباح الضيّق وأعود لممارسة حياتي مثل باقي العفاريت .
أحمد    :         وماذا ستُكافئ الإنسان الذي يُطلق سراحك ويحررك من هذا السجن ؟
العفريت :         سأبقى مديناً له طوال حياتي .
أحمد    :         إذن ، أيها العفريت الطيب ، أمنيتي هي أن .....
                    ( يقاطعه ماجد )
ماجد    :         ماذا ؟ ماذا تفعل ؟ ..
أحمد    :         ( بثقة ) أطلب أمنيتي من العفريت .
ماجد    :         وما هي أمنيتك ؟
أحمد    :         وما شأنك بي، لقد تمنّيتَ أنت ما تريد ، وحان الوقت الآن لأتمنّى ما أريد .
ماجد    :         كيف لا شأن لي ، أليس مصيرنا مشتركاً ؟
أحمد    :         هذا قبل أن تُفرًط بالأمنيتين ، أما الآن فعليك أن تُطيعني في ما أُريد .
ماجد    :         ( منفعلاً ) وما تُريد ؟
أحمد    :         سوف أهب أُمنيتي الوحيدة للعفريت كي يحصل على حريته .
ماجد    :         ( مرتبكاً ) ولكن ، نحن .. كيف سنخرج من الغابة ؟
أحمد    :         سيساعدنا بالتأكيد .
ماجد    :         أنت مجنون .
أحمد    :         بل سأكون مجنوناً إذا فكرت بنفسي فقط ، أيها العفريت الطيّب ، إذا وهبتك أمنيتي الوحيدة ، هل تساعدنا في الخروج من الغابة ، والعودة لزملائنا ؟ ..
العفريت :         ( غير مصدق ) حباً وكرامة يا سيدي ، سأكون مديناً لك طول العمر ، وسأُخرجكما من الغابة عند حلول الصباح .
ماجد    :         ( مُتذمراً ) والحيوانات المفترسة ؟
العفريت :         ( يضحك ) ها .. ها .. ها .. أنسيت أنني عفريت ؟ لن تجرؤ الحيوانات على الاقتراب منكما ما دمت معكما .
أحمد    :         ( فرحاً ) إذن ، اتفقنا ، ننام هنا حتى الصباح ، بينما تبقى أنت حارساً لنا ، وعند شروق الشمس تقودنا إلى حيث نريد .
العفريت :         ( بفرح ) شبيك لبيك عبدك بين يديك .
أحمد    :         من الآن أنت حر أيها العفريت .
العفريت :         ( يُقبّل أحمد ) شكراً لك يا سيدي ، شكراً لك .
أحمد    :         هيا يا ماجد لننم حتى الصباح ، بينما العفريت يحرسنا .
                    ( ينام الإثنان تحت الشجرة ، بينما يروح العفريت جيئة وذهاباً ، تبدّل بالضوء دلالة على مضي الليل ، الشمس تبدأ بالشروق ، نسمع أصواتاً تنادي )
أصوات :         أحمد .. ماجد .. أحمد .. ماجد ، أين أنتما ؟
                    ( العفريت يخرج متفقداً الأصوات ، بينما يغط أحمد وماجد في نوم عميق )
أصوات :         أحمد .. ماجد .. أحمد .. ماجد ، أين أنتما ؟
                    ( تدخل مجموعة من التلاميذ هم رفاق أحمد وماجد في السفرة المدرسية ، ثم يدخل المعلم خلفهم، يتوجه الجميع نحو أحمد وماجد ) 
تلميذ 1           :         ها هما ، لقد وجدتهما .
تلميذ 2           :         إنهما نائمان .
المعلم   :         لابد أنهما تعبا من التجوال طوال الليل والنهار في البحث عن المُخيّم ، هيا أيقظوهما كي نعود أدراجنا .
تلميذ 1           :         أحمد .. ماجد ، استيقظا ، هيا .
ماجد    :         ( مفزوعاً ) ماذا ؟ ماذا ، أيها العفريت ؟
                    ( يضحك جميع الأطفال )
المعلم   :         لابد أنهما قضيا ليلة مخيفة .
ماجد    :         أستاذي ، نحن آسفان لم نكن نقصد ...
المعلم  :         ( يقاطعه ) لا بأس ، المهم أنكما سالمان .
أحمد    :         ( مستيقظاً ) أين العفريت ؟ أين ذهب ؟
تلميذ 2 :         يبدو أن أحمد وماجد كانا في سهرة أنس مع العفاريت ..
                    ( يضحك الجميع )
ماجد    :         بل كان هناك عفريت ليلة البارحة ، وقد منحنا ثلاث أمنيات .
تلميذ 1 :         وماذا تمنيتما ؟
ماجد    :         ( مُحرجاً ) أنا فقدت الأمنية الأولى في الأكل والشرب حتى أُصبت بالتُّخمة .
تلميذ 2           :         والأُمنية الثانية ؟
ماجد    :         جلب لي العفريت دواءً أراحني من الألم في بطني المتخمة .
تلميذ 1 :         وأنت يا أحمد ، كيف فقدت أُمنيتك ؟
أحمد    :         ( مُستاءً ) لم أفقدها ، بل وهبتها للعفريت كي يتحرر من سجنه في المصباح .
تلميذ 2           :         وأين ذهب العفريت ؟
أحمد    :         لا أدري .
تلميذ 1 :         ( ساخراً ) لقد تبخّر .
                    ( يضحك الجميع )
المعلم   :         ( ضاحكاً ) هيا ، أيها الأطفال لنذهب، فالعفاريت لا توجد إلا في الحكايات .
                    ( يخرجون جميعاً ، بينما يستغرب أحمد وماجد اختفاء العفريت )
ماجد    :         أحمد ، هل تعتقد أن العفريت كان موجوداً أم لا ؟
أحمد    :         ( مفكراً ) لا أدري .
ماجد    :         ( ينتبه لجمهور الأطفال ) لماذا لا نسأل أصدقاءنا الأطفال .
أحمد    :         فكرة رائعة .
ماجد    :         أصدقائي الأطفال ، هل كان العفريت موجوداً أم لا ؟
          ( مع ردود فعل الأطفال تزداد حيرة أحمد وماجد ، ثم يذهبان وراء زملاءهم التلاميذ )
أحمد    :         أنا أقول لك أن العفريت كان موجوداً .
ماجد    :         وأنا أظن أنه كان مجرّد حلم .
                    ( يخرج الاثنان وهما يتشاجران )
 
ياسر عبد الصاحب البراك اكاديمي، كاتب وناقد مسرحي من مدينة الناصرية - العراق