أيلول/سبتمبر 12
   
الثورة و(شياطين) دوستويفسكي
 
   في سؤال طرح على الشاعر السوفيتي الشهير (تفاردويفسكي) في أثناء رحلاته خارج بلده عن سبب حظر اعمال دوستويفسكي داخل (الاتحاد السوفيتي)، فكان جواب الشاعر؛ ان هذا غير صحيح تماما، لأننا بعد الثورة قمنا بإعادة طبع أعمال دوستويفسكي بأعداد أكبر بكثير من اعداد نسخ كتبه السابقة، وان لدينا ثروة ادبية غنية لا تحصى من مؤلفاته، وان هذا لا يمنعنا بوصفنا حائزين لها من الاقتراب لآراء كتابنا العظماء. ان هذه التصريحات تلخص الموقف الرسمي تجاه دوستويفسكي، فقد يقال ان هذا أمر متناقض في الأساس. لكن في الواقع من الخطأ القول إنه كان خلال العقود الثلاثة بعد الثورة تم اتباع الموقف التقليدي لما قبل الثورة. نعم، لم يتوقف المثقفون والنقاد الاشتراكيون أبدا عن المناقشات في أعمال دوستويفسكي. فهم لم ينكروا عبقريته الفنية ولكنهم ناقشوا أيضا آراءه السياسية والدينية، وقد أدى هذا الرأي الى كل أنواع الصراعات والمناقشات الفكرية لعبقريته الفذة.
يحتل دوستويفسكي مكانة بارزة بين طليعة الادباء الواقعيين الروس في القرن التاسع عشر: بوشكين، وليرمانتوف، وغوغول، وتولستوي. الذين لعبوا دورا كبيرا في تطوير الاتجاه الواقعي الانتقادي ليس في الأدب الروسي فحسب بل في الأدب العالمي ايضاً. وتعد نتاجاته الادبية إحدى الظواهر المعقدة في الحياة الادبية الروسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فقد كتب مؤلفاته تحت تأثير أفكار بيلينسكي التقدمية التي قادته الى حلقة بتراشيفسكي الاشتراكية. وكان في العشرينيات من عمره عندما انضم إلى دائرة من المثقفين المتطرفين في سان بطرسبرغ الذين انبهروا بالنظريات الاشتراكية الطوباوية الفرنسية مثل سان سيمون وفورييه وغيرهم. لقد كانت له علاقات مع الكثير من الادباء التقدميين، من كل ايديولوجيات أجواء الاربعينيات من القرن التاسع عشر. لم تكن هذه الجماعات ذات اتجاه واحد، فإلى جانب المجموعة الثورية-الديمقراطية يظهر أنصار الاتجاه الليبرالي.
لقد شجعت الثورة البرجوازية في اوربا عام 1848اتباع بيتراشيفسكي وحفزتهم في أنشاء مجموعة سرية خاصة هدفها القيام بانقلاب في روسيا. لقد كان دوستويفسكي مشاركا نشيطا في الجماعة ويقترب من الجناح الثوري. أبلغ أحد عملاء الشرطة الذي تسلل إلى المجموعة السلطات في 24 أبريل 1849، وأُلقي القبض على دوستويفسكي وسُجن مع الأعضاء الآخرين، وبعد بضعة أشهر من التحقيق، أُدينوا بالتخطيط لتوزيع دعاية تخريبية وحُكم عليهم بالإعدام رميًا بالرصاص. تم تخفيف العقوبة إلى عقوبة النفي والأشغال الشاقة، ولكن تم تأكيد سلطة القيصر في إصدار حكم بالسجن مدى الحياة أو الموت من خلال إجبار السجناء على الخضوع لمحنة الإعدام الوهمي في تمثيلية تم تنظيمها بعناية، تم نقل دوستويفسكي وبقية المجموعة في صباح يوم 22 ديسمبر 1849 إلى ساحة العرض العسكري، حيث تم نصب السقالات وتزيينها بالكريب الأسود. تمت قراءة جرائمهم والحكم عليهم وطلب منهم كاهن أرثوذكسي التوبة. وتم ربط ثلاثة من المجموعة بالأوتاد استعدادًا للإعدام. وفي اللحظة الأخيرة سٌمع قرع الطبول، وأنزلت فرقة الإعدام بنادقها. وبعد إرجاء تنفيذ حكم الإعدام، تم تقييد السجناء وإرسالهم إلى المنفى السيبيري وقضى دوستويفسكي مدة أربع سنوات من الأشغال الشاقة، تلتها الخدمة الإجبارية في الجيش الروسي. في عام 1859، سمح القيصر الجديد لـ(دوستويفسكي) بإنهاء منفاه السيبيري.
لقد ولدت هذه التجربة لدى دوستويفسكي انطباعات فكرية نتعرف عليها مما طرحه عدد من المفكرين والباحثين اجمعوا آراءهم في النقاط الآتية:
  1. ان تجربة السجن ولدت لدى دوستويفسكي ان يفهم عبثية مقترحاته السابقة للثورة الاجتماعية وهذا ما عكسه في روايته "ذكريات من بيت الموتى". الرواية التي كتبها عن ذكريات منفاه في سيبيريا حيث نُشرت بين عامي 1860 و1862 فقد مكنته هذه التجربة باختبار حقيقة المشاعر الشعبية التي تعرف عليها. فكان اتصاله واقعيا بإفراد من شعبه وجعله يدرك زيف ثورة أفكاره ومدى بعد هذه الافكار عن الوعي الصادق لدى افراد شعبه ضمن قيم لم يدركها سابقاً.
  2. أدرك دوستويفسكي أنه على الرغم من أن هؤلاء الرجال العاديين تم عزلهم عن الآخرين بسبب الحساب على جرائم مختلفة ارتكبوها، ولكنهم لم ينفصلوا عن قومهم (شعبهم الروسي) وعن عقيدتهم وعن وعيهم الديني (النقي). لقد أدٌهش دوستويفسكي بشدة من وجود إيمان عميقً وأدرك قوة الوعي الحقيقي لهؤلاء الناس. فكان رفاقه في السجن متحدين في وعي قوي لبؤسهم، فضلا عن الإيمان الكبير بالله وروسيا بوصفها دولتهم. لقد اعاد دوستويفسكي ترتيب افكاره. فقد منحته هذه التجربة منظورًا مختلفًا تمامًا عن مستقبل روسيا وقدرتها في كيفية تحديد وايجاد الوسائل لتغيير الاوضاع الداخلية ضمن منطلقات كبرى، فضلا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه في العالم مستقبلا. كان دوستويفسكي من بين أوائل المتمردين على أفكار الاشتراكية الأوروبية ورأى خطرها على شعبه، فكتاباته عن الأفكار الثورية وتداعياتها سيئة ليس لأنها ثورية، بل لأنها ليست ثورية بما فيه الكفاية. فالذين يريدون أن يغيروا شيئًا واحدًا فقط بدلاً من تغيير شكل العالم كله.
  3. اتضحت لـدوستويفسكي، بعد إنهاء منفاه السيبيري، بعض الحقائق منها: تصدر بعض الافراد (المثقفين) الذين قد يكونون من بين الأفضل، ولكن ليس لديهم الحق في انتهاك المجتمع باسم تفوقهم الشخصي؛ وفي تنصيب أنفسهم أوصياء على المجتمع. فالحقائق العالمية التي صيغت بنظريات كبرى هي اختراعات عقول فردية ولكنها تبقى لها جذورها في مشاعر الشعب كله، فهي بطريقة وأخرى كانت راسخة في طبيعة المجتمعات المختلفة ولاسيما مسألة الايمان في الثورات الكبرى فهناك حقيقة لها معنى ديني وترتبط حتماً بالإيمان المسيحي لدى عامة الناس.
  4. عند الاقتراب من أعمال دوستويفسكي، يواجه المرء بالضرورة شخصية المسيح ويتولد الشعور بالنزعة الإنسانية المسيحية بعمق. وبالتالي يبحث عن إنسان مؤمنا ليفهم المسيحية بعمق في فكر دوستويفسكي، كما هو مطلوب، وهذا يعني الوصول إلى قلب أعماله والاستخلاص من جذورها الحقيقية ضمن مشاعر نقية (شعبية – فطرية) عاشها دوستويفسكي في السجن والتي ولدت القوة الروحية في تجديده بوصفه المثقف الروسي الشهير في عالم يتم تعريفه غالبًا على أنه عالم ما بعد الإنسان، فإن الثورة الثقافية المتوقعة، هي الطريقة التي يجب فيها إعادة تعلم "أن تكون إنسانًا" ضمن دفاع دميتري كارامازوف (احدى شخصيات رواية الاخوة كارامازوف) إلى القول، في لحظة سخط، يشير بذلك إلى أن النفس البشرية واسعة جدًا، وواسعة جدًا لدرجة أنه لا يمكن حتى التفكير في تقليصها.
 
كان مؤتمر كلية لندن الجامعية 2017، "دوستويفسكي الثوري: إعادة التفكير في الراديكالية" محاولة في فهم الطرق التي يمكن من خلالها ربط أفكار دوستويفسكي بـ "الثورة". وفي هذا المؤتمر كان بحث البروفيسورة (كارول أبولونيو) الرئيسي يحمل عنوانًا استفزازيًا، "دوستويفسكي البلشفي". لقد اعترفت الكاتبة بحقيقة أن دوستويفسكي كتب عمدًا ضد الكتاب الثوريين في عصره بما في ذلك تشيرنيشيفسكي وبيزاريف. حيث يبدو أن "دوستويفسكي" و"الثورة" زوجان غير متوقعين من الرفقاء. فهو كاتب سعى بنشاط إلى دحض الأيديولوجيات الثورية في عصره، مع الحفاظ على الدعم القوي للنظام الملكي الروسي.
 قد يكون من الأفضل فهم دوستويفسكي على أنه كاتب "مناهض للثورة". ولكن هل هذا كل ما يمكن قوله في هذا الشأن؟
كشفت البروفيسورة أبولونيو النقاط في ثورية دوستويفسكي البلشفي وهي:
  1. التيارات الخفية للثورة التي تنبض في أعماله الروائية في شاعريته الثورية، التي أنتجت روايات آسرة تهيمن عليها وجهات النظر المناهضة للبطولة. متمردو دوستويفسكي المشهورون الذين ما زالوا يبدون معاصرين بالنسبة لنا بعد نحو 150 عامًا من نشرهم. فأن روايات دوستويفسكي تتغلغل بشكل أعمق في النفس الثورية أكثر من غيره من الكتاب "المناهضين للعدمية" في عصره.
  2. الاحترام العالمي الممنوح لـ(دوستويفسكي) في جنازته، عندما اجتمع الثوار والمحافظون معًا في عرض إعجاب من الحزبين. تشير كل هذه الأمور إلى أن دوستويفسكي والثورة متشابكان بشكل أكثر تعقيدًا مما قد يبدو للوهلة الأولى.
  3. يمكن تعديل تعريف "الثورة" بحث لا ينبغي أن يشير "التفكير الثوري" دائمًا إلى الرغبة في التغيير المجتمعي القسري باسم المُثُل البروليتارية في أوروبا الغربية. وبدلا من ذلك، قد يشير، على نطاق أوسع، إلى إمكانية حدوث تحول مجتمعي و/أو شخصي جذري.
  4. يمكن الإشارة الى قول لنيكولاي فيدوروف في القرن التاسع عشر، إلى أن (ثورة دوستويفسكي)، لا تحتاج إلى الإشارة فقط أو إلى طفرة سياسية أيديولوجية، ولكنها تحتاج إلى تحول وجودي شامل. فدعوته الثورية تكمن في عدم التغيير المفاجئ والقسري، كما ان دعوته تتضمن تغيير وجودي جذري للفرد ولكن هذا التغيير الفردي ليس بعيداً عن الظروف الموضوعية للمجتمع بجميع جوانبه (الاجتماعية – الدينية – الثقافية – الاقتصادية).
 
لا تختلف شخصيات رواية (الشياطين) عن بقية شخصيات روايات دوستويفسكي، وكما يجدها (هرمان هسه) في رواية (الأبله) فمجتمع روايات دوستويفسكي ذو القطبين، تجد أناسا دنيويين أنيقين (الغني، القوي والمحافظ) وفي القطب الآخر تجد الشباب الشرس الذي لا يرحم والذي لا يعرف شيئا عدا التمرد والكراهية للتقاليد بشكل قاس ومتوحش بغباء لا يعقل لكل ثقافة نظرية.  ولكن هناك نقاط مهمة تتصف بها هذه الشخصيات وهي:
  1. ان ما هو ملحوظ ومهم ومصيري هو أنه كانت هناك، في مكان ما في روسيا في خمسينات والستينات القرن التاسع عشر عبقرية مصروعة لديها أوهام وخلقت شخصيات نتفاعل معها وكأنها جزءا منا. وأصبحت أعماله أعمالا تنبؤية ذات اهمية متزايدة للشباب في اوربا نفسها.
  2. ان الشيء الغريب هو أننا ننظر الى وجوه مجرمي وهيستيريي وبلهاء دوستويفسكي نظرة مختلفة تماما عن وجوه المجرمين الآخرين أو الحمقى في روايات مشهورة اخرى، شخصيات دوستويفسكي التي نفهمها ونحبها على نحو غريب لدرجة أننا يجب ان نشعر في أنفسنا بنوع من الارتباط بهؤلاء الناس.
  3. يتنبأ دوستويفسكي بعلم نفس متطور للاوعي بنبوءة كمرآة سابقة (للانحلال والفوضى) التي سادت بشكل مفتوح في اوربا خلال السنوات العديدة الماضية. فان جميع مرددي الفوضى (دون هدف) هم عند دوستويفسكي مجرد مرضى ومثيرون للاشمئزاز ومثقلون بالأعباء.
يبقى القارئ في حيرة من أمره، هل يمكن ان تكون ضخامة الاحداث وطبيعة الأوضاع في روسيا يجسدها لاعبون بمستوى شخصيات رواية (الشياطين) على الرغم من هالات الغموض التي تحيط بالشخصيات والحوارات بين شخصيات الرواية أو تصرفاتها؟
هل يمكن لهذه الشخصيات ان تنال تسمية (الشياطين) أو الممسوسون أو بالأبالسة)؟ فمن هم (الشياطين) فعلا؟! في رواية (الشياطين)، يقتبس دوستويفسكي فكرة المجموعة الثورية من قضية نيتشايف التي حدثت عام 1869. فهو يجمع بين قضية نيتشايف ومعتقداته الخاصة من أجل خلق الحبكة المركزية للشياطين. يصور دوستويفسكي مجموعة متطرفة ترغب في الإطاحة بالحكومة وتقويض الكنيسة الروسية وفي هذا انعكاس لاعتقاد دوستويفسكي بأن الثوريين يمتلكون روح روسيا، وأنه ما لم يتم طردهم من خلال الإيمان المتجدد بالمسيحية الأرثوذكسية والقومية الروسية الخالصة، فإنهم سيقودون بلاده إلى الهاوية.
حيث تضم رواية (الشياطين) فئات المثقفين وهم:
  1. المثقف الليبرالي: الذي يجد الغرب ايقونة التقدم الحضاري ويتجه نحو المستقبل رافضاً الماضي، ويمثل الغرب، في نظره، أنموذجا رائعاً للحضارة والتقدم. وينظر الى مجتمعه بنوع من الاحتقار فيؤكد على التشبث في مظاهر الحياة الغربية من التقليد والمحاكاة في(التعليم والمآكل والملبس و تعلم الموسيقى الغربية وصيغ التعامل اليومي من خلال الكلمات الفرنسية) ، ليصل هذا التقليد والمحاكاة الى ظاهرة الانتحار. اما انتاجه الثقافي فلا يخرج عن اطر وشخصيات الغرب بل تصل درجة التقليد وعلى وفق ما يطلق عليه دوستويفسكي بنوبات الحزن الحضاري وهو نوع من الكأبة الحضارية الاوربية.
  2. المثقف الثوري: هو المعارض الذي ينتظم عضوياً في جماعة ثقافية- ثورية- تغييرية لتجديد المجتمع والدولة حيث يضم التنظيم الثوري الذي يخطط لأعمال تعد ثورية خليط من الرجال الصالحين (الرجال اللطاف المحبوبين) ومن الرجال الطالحين كانوا الرجال الصالحين أكثر استعصاء على الفهم من الطالحين. كانت أهدافهم تدور في إطار عقد اجتماعات ومناقشات تتضمن الغاء الرقابة وقواعد الاملاء وإحلال الألفباء اللاتينية محل الأحرف الروسية وترحيل فلان من الناس وتقسيم روسيا الى قوميات يضمها اتحاد فدرالي حر والغاء الجيش والبحرية واحلال قوات خاصة محل الجيش والعمل على الاصلاح الزراعي والبيانات الثورية وعلى الغاء حق الإرث والمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، والحقوق المدنية، وسيادة صراع الاجيال الفكري للمخالفين لهم بوصف أحدهم (عتيقا باليا)، ويعاملونهم معاملة (طاقية عتيقة من القطن). تضم هذه الفئة شخصيات مختلفة تتنوع وفقا لانحدارها الطبقي ومستواها التعليمي، فمنهم الطفيلي الذي يعيش على موائد من يدفع ثمنها ومنهم الذي يمارس (احط) الاعمال. يحملون تناقضا فكريا فهم يعتنقون فكرة تسيطر عليهم سيطرة تامة فينبرون بالدفاع عنها فيكونون تحت وطآه التشنج اخلاصا لهذه الفكرة وعند التخلي عن هذه الفكرة ينتقلون بشكل جذري للدفاع عن فكرة تكون نقيض الفكرة السابقة ولكنهم يتبنون الموقف المتشنج ذاته في الدفاع عن الفكرة الجديدة. وتبرز منهم شخصيات مثل شخصية نيتشايف (ستافروجين) البطل في الرواية والشخصية الأساسية الغامضة. (فهو يجسد العاطفة الشديدة والتأثير الحاقد والعدمية ويفسد الناس من حوله وان لا تترك حجرا على حجر هذا هو الضروري أكثر من أي شيء اخر.... ربما سوف لا نحظى بحياة جيدة أم لا، ولكنها على كل حال سوف تكون أفضل مما هي عليه الآن....) ولكن الامر الرئيسي أنه طوال الرواية لم يتعرف القارئ عن الأسباب التي جاء من أجلها البطل (ستافروجين). اما شخصية (شاتوف) الذي يعلن ضحالة المثقف الثوري امام الوطن والشعب بهذه الكلمات:
 كانوا لا يحبون شعبهم؟ هم؟ آه ...لشد ما كانوا يحبون روسيا!
لا، لا الشعب ولا روسيا. ان المرء لا يستطيع أن يحب ما لا يعرف. واولئك كانوا لا يعرفون الشعب الروسي شيئا البتة، ولا يفهمونه أطلاقا.
  1. المثقف الرجعي: تضم جنرالات الجيش وشعارهم (أنا خدمت قيصري) لغرض تعزيز وطنيتهم وكأن القيصر كما يذكر دوستويفسكي (قيصرهم ليس قيصرنا، نحن رعاياه البسطاء المخلصين وكأن قيصرهم الخاص خلق لهم وحدهم من دون غيرهم). يجمع هؤلاء الانحدار الطبقي والعمل الوظيفي ونشوة الحكم وقربهم من السلطة.
فنحن امام نقاط نتبع خطواتها منذ الصفحات الأولى للرواية، فلم يكن دوستويفسكي يخشى الأفكار الثورية ضمن مفهوم الإصلاح. فلم نكن نقرأ أعمال دوستويفسكي دون ان يكون هناك تصوير أحوال المجتمع من فقر وفساد أخلاقي، فالثورة نلتمسها في كل كلمة من رواياته ولكنها ثورة إصلاحية ضمن مبادئ وأهداف كبرى وكلية لتصبح ضمن أولويات وغايات المجتمع وضمن أفكار رفض شيوع المحرمات ورفض نسف قدسية الثوابت.