تمهيد
بودي أن أبين متجهين فكريين لفلسفة ما بعد الحداثة؛ الأول، ان جميع العاملين في حقول (المعرفة والادب والفن) يبطنون أعمالهم بغرضين هما ردم الفجوة بين (الواقعي والمتخيل)، والتوفيق بين (التقني والثقافي). اما الثاني، فملخصه ان حدثي رواية طه حامد الشبيب "سفرة سياحية" هما الكابوس والانهيار. الكابوس خصص لتقليل الفجوة بين الواقعي والمتخيل، بينما تخصص الانهيار بالتوفيق بين التقني والثقافي.
إن الشبيب؛ برواية "سفرة سياحية"(1)، وباللغة الوسيطة ما بين اللفظ وتجريد المعنى، يؤالف بين الصورة في المتخيل مع المُجسَّد للواقع المتحول.. وبهما؛ (الواقع واللغة) تنساب بلاغة الحدث عبر الراوي الأوحد، البطل، المفرد.. وهو نموذج معوض عن المجتمع والإنسانية، وهو الكون الأرضي والسماوي، والتاريخ والوجود الكلي. هذه النتيجة الأولية تحتاج الى آليات واجراءات عملية لإثبات أن الرواية ليست عبثاً ولا لعباً باللغة، والشبيب قد حصل على قدر مهم من التفرد، لسببين هما: تجربة الكاتب الثقافية واسعة المصادر، وموهبة التصرف بالتدوين في تماهيه مع السلوك المجتمعي، ثمة منظومة فكرية مخبأة تقود الروي كله؛ هي: ان الروائي يهدي الى نوعين من النتائج؛ التوفيق بين الجمالي والثقافي، ثم ردم فجوة التباعد بين الواقعي والخيالي.
لنتابع تجربة (سفرة سياحية) على النحو الآتي:
أولاً: أسطح التعبير المحاذي
وهي طرائق التوصيل التي جعلت من الرواية بؤراً خارجية/ داخلية، مكتفية بذاتها، تتجه لغتها نحو بطائن تمثل (تجريد الأشياء)، لتترجم النقلات السردية الكبيرة بصياغة متسلسلة عبر ذاكرة نائب السارد. وعند مرحلة تحديد المبثوث اللغوي بكيفياته الجمالية والثقافية يمكن التصرف بأطر الفهم على أساس أنها مستويات لعلائق متبادلة لما يمكننا تسميته (أسطح التعبير)، موزعة على هيئة نص محاذٍ؛ تكون الجملة فيه ناقلة لما يحاذي (معناها) الى جملة أخرى تديم علاقات تماسك المشاهد وفضاءاتها ببعضها، ثم تنتقل بالمضمرات الإشارية الى أفق مفتوح من حيث الإزاحة ومرجعية السياق.
أ ـ سطح التعبير المزدوج
وهو يُعنى بلغة البؤر التركيبية (داخلية/ خارجية) التي تحقق جمالها الخاص ببطانتي التجريد الشيئي والاكتفاء النصي. وهذا السطح يحيد عن منظومة السرد الخارجي نحو منظومة السرد الداخلي بحرية منضبطة، مثال ذلك: [الصوت يقول بالحرف الواحد: في كل عام ننتقي، بعد تمحيص وتمحيص، ذكراً من الإنس نزوجه من احدى نسائنا. القطيعة التامة بيننا وبين الإنس غير مرغوبة.. القائل رجل قصير القامة أشيب اللحية والشارب والحاجبين، حسب وصف زوجها] ـ الرواية /ص29. لنلاحظ الآتي:
1ـ ثمة توضيح أولي هو: ان القول للجن الذي عيّنَ رئيساً للبلاد بعد استدعائه مع صديقه بسفرة؛ تبدو بظاهرها سياحية وفي باطنها مهمة سياسية خطيرة. هذا المقطع يعطي للقارئ فرضيتين في الفهم؛ هما/ ان القول هو لقوى عرفانية غير منطقية، لذا سيستحضر القارئ تراث المعتزلة والصوفيين والارجائيين. اما فرصة القراءة الثانية فهي تتعلق بالغرائبية الجديدة بحسب الأفكار الفلسفية المتعلقة بما بعد الحداثة، التي تفهم الغرائبية بكونها طريقة خيالية لتدجين المستحيل.
2ـ الملاحظة الأخرى؛ ان للقارئ حرية في فهم القول بكونه يأتي من قوى خارجية تخص فضاء الرواية الخارجي، ويمكن للقارئ ان يصيّر فهمه بوحاً لتخيل فردي، وبذلك يشارك الكاتب والراوي رؤاهما في تبني طاقة التعبير هذه بكونها لمحة فنية مطلقة التذوق، لكنها لا تمثل سوى تعبير لمحاذات هامشية لما يحدث حقاً في المجتمع والسياسة.
3ـ الملاحظة الأخرى ان الراوي مازج بين واقعية وجود زوج المرأة ـ صديقة الراوي الأصيل ـ وبين مروية الرجل الجني؛ الأشيب ذي الصوت.
4ـ يمكننا ان نجرد النص لغة وشخوصاً بقولنا "هو رسالة بين امرأة وصديقها وزوجها وقوى شخص جني خارق القدرات".
5 ـ يمكننا القول ان النص اكتفى بذاته من حيث البناء الفني؛ إذ يوجد أربعة شخوص، وحدث يمثله حضور الجني، وقضية؛ هي تزويج بنت جنية الى رجل إنسي، وثمة زمن مفتوح ونص مفتوح واحتمالات لا تحصى، لما نسميه مخمنات التأويل.
ب ـ سطح الذاكرة
يهتم بما يستذكره المدون من لغتي الإخبار السردي، به ينقل السلوك الفردي كونه ممثلاً للسلوك الجمعي، على المستوى المحلي، لا يضع حلولاً بقدر ما يعري وجوداً كابوسياً، مثال ذلك/ [أطلبها ... أطلبها. أحاول أولاً أن أستنهض ذاكرتها ببعض مما رأيتُهُ وسمعتُهُ فيما أحسبُهُ منامي الكابوس. وطبعاً جُلُّ ما طاف بي أو، بكلام أدق، جُلُّ ما أتصور أنه طاف بي، يتعلق بزوجها وصاحبهم. ثم أسألها هل تتذكرين أنكِ أخبرتني عن هذه المواضيع قبل أن ننام؟
.... ما متأكدة.. إي.. إي.. ما متأكدة] ـ الرواية، ص58
لعل أهم وظائف هذا المقطع تكمن في:
1ـ انه تعبير يلحق بمتن الرواية، يريد له الكاتب رسم حياة طبيعية بين رجل وأنثى عبر الجسد، وحوار لما هو خارج الجسد، يتعلق بقضايا مصيرية.
2ـ ان الكابوس الحلم قد ضلل الوجود الواقعي بالشك ونكران الوقائع العادية بين جنسي البشر؛ في بلد تعرض لتغيير كارثي.
3ـ المزاوجة بين الحلم والواقع يعطي فكرة ان المروية قد تصل في رؤاها الى مرحلة تعطيل الفهم العام لصالح الفهم الهامشي، ما يجعل التعبير سطحاً ثانياً محاذياً لبطانة المتن.
لنتساءل: ماذا سنؤول المقطع الآتي لو لم يكن حلماً؟
هل سنعدُّهُ مجرد تقنية في الفعل الروائي؛ أم سنراه قطعة من ثقافة (ما)؛ أم كليهما؟ لنقرأ: [زوج الجالسة جنبي يخبرها أن صاحبهم كان يطلعه على رواية أبا نوخ وعلائم الصدمة العميقة بائنة على وجهه. يمحضه الحق في أن يصدم بعمق من صنيع زوجته اللا يصدق. أبا نوخ حين يبلغ في روايته مبلغا تتبدى فيه الصدمة، يسمي ابنتهم (الموتورة). يقول... بغتة، في منتصف الطريق، تهبط محفة (الموتورة) قليلاً عن مستوى التحليق الذي تتخذه باقي محفات الموكب. وعلى الفور تنحرف شرقاً؛ بمثل لمح البصر، مفلتة من قبضة شيوخ الموكب] ـ الرواية، ص106.
هذا المقطع يحيل إلى/
* تقنيات روائية معروفة، منها:
1ـ ان الراوي الأول أبا نوخ؛ راوي أسرار الظلام وأقوى ملوك الجن على الأرض هو الراوي المظهري الأصيل، وهو شخصية متخيلة للجن، يتحكم بالروي الأصيل لقدر كبير من المتن، والمقطع السابق جزء من ذلك الكثير.
2ـ الراوي الثاني التابع؛ الحاكم الرسمي للبلد، رتبته الثانية. هي أقل رفعة وأثراً من السارد الفرعي (الهامشي).
3ـ الراوي الثالث (الفرعي الهامشي)، المباشر، زوج المرأة. يقع برتبة النائب عن جميع الرواة، ورتبته هي الأخطر والأكثر بوحاً وتصريحاً.
4ـ المتن والشخوص والروي يتممون التشكل الفني الطبيعي للسرد فناً وثقافة.
5ـ من بين القيم الثقافية هي المعلوماتية، وتتمثل في حث الروائي للقارئ ان يتزود بمعرفة عن طبيعة الخرافة التي تتحكم في البلاد وتسبب الفوضى والخراب من عام 1958الى 2023.
* أما من الجنبة الثقافية فيمكن ملاحظة الآتي:
ـ المعلومات في هذا المقطع لها علاقة بمعلومات كثيرة جداً في الرواية تؤكد الرؤية الآتية: (ان القوى السياسية كلها منتمية لطابور التجسس لصالح أعداء الوطن، ومهمتها الجديدة التظاهر بالإصلاح والعمل بالجريمة والتخريب بذات الوسائل القديمة).
ـ المرأة حتى وهي جنية، فهي مهمشة، لن تنال رضا أهلها أو زوجها أو عشيرتها، وعليها ان تفارق من تحب لإرضاء عِلية القوم. بمعنى أنها قيمة تعبير أنثوية محاذية لقيمة التعبير الذكوري.
ـ ان مروية المقطع كلها مروية فرعية محاذية للمتن الروائي العام.
ـ وكون الرواية فناً فهي (تقنيات فنية، معلوماتية، جمالية) لها أغراض أبعد من الجمال الفني، فهي مروية ذوقية (بتقانة وثقافة)؛ لها أهداف أبعد من المظهـر اللغـوي والكتـابي.
ثانياً: البكارة الكونية
إنها بكارة حضور وشروق لوجوه الوجود النسوي المستزرع لوجود مطلق الفطرة والمتعة الكونيتين. وعندما نجمع (دلالة التماس مع لحظة التخيل) سيتولد لدينا مضمر نصي مخمّن يوضّع هيئة المرأة كتخمين باطني يوازي الأصل الكوني للكائن الأوحد (آدام ـ حواء)، ليكون العشق بدائياً وقسمة بين الكون والمدينة. لنقرأ: [انها المرة الأولى التي تخرج فيها الى شوارع العاصمة، وتقضي هناك كل تلك الساعات... لا يمكن عدَّ خروجها بعد منتصف ليلة أمس معي، وأنا أهرّبُها من شقتي، خروجاً بالمعنى الذي أقصده. الخروج الذي أعنيه هو أن يكون في وضح النهار.. ضوء النهار يغمرُها ويغمرُ أمامها كلَّ ما يُرى وما لا يُرى] ـ الرواية، ص 195
يمكننا التمعن بالمشد الكتابي السابق، والتمتع بقراءته على ضوء فلسفة الآتي:
(ضوء النهار يغمرُها ويغمرُ أمامها كلَّ ما يُرى وما لا يُرى).
وبعد قراءة المقطع سنلاحظ /
ـ لن تتم أية حظوة جمالية أو دلالية ما لم تتكامل ثنائية / الروح = الجسد، المرأة = ذوباناً بالرجل، وبالعكس.
ـ البدئيات جُلها كونية ومطلقة المعنى لذا هي متن وهامش بذات الوقت.
ـ مطلق الخروج ومطلق الضوء ومطلق الانغمار ومطلق التبصر؛ كلها تتعبّأ بسلة البكارة الكونية.
ـ نواة الكون خلية واهم خلية في الخلق هي ماهية الروح في الإنسان لذا فهو كائن دائم التبكير بكونية المطلق المقدسة، تحرراً أو خضوعاً.
طه حامد الشبيب
ثالثاً: شيئية خاصة
دلائل الشيء في رواية "سفرة سياحية" مدمجة عن كائنين، مادي وغير مادي، تختص بالاعتزاز بالشيء لدوام التعبير عبر لغة الوجود الحق، التي بها تكتمل لذة القول باللمس، والحصول على نشوة التقابل والاندماج. لنقرأ:
[في واحدة من نوبات سهومي، وأنا أمشي بتؤدة وراءها على المبعدة المتفق عليها، أسمعها تخبرني بما يخبرها به زوجها، انها لا تهمس.. تتكلم بصوت خفيض وتتلافت؛ ثم كل بضع دقائق تؤكد علي أرجوك رجاء ماكو أسماء.. أقول لها أوكي؛ وأُواصل إذلال سمعي لصوتها الخفيض. حسب زوجها، فإن طيكل بنفسه ينتقل بمكان عمله الى قصر الولاية حين ابتدأ صهرهم الأول حملته فعلاً] ـ الرواية، ص237
* ان الشيئية تأخذ خصوصيتها بحسب مشد المقطع السابق، من:
1ـ ان الكائنات الشيئية موجودات متحركة؛ أولها الحكي وثانيها الشخوص وثالثها ملحقات الكلام.
2ـ ان ظرف السرد يخلط الوجود البشري مع وجود الجن!
3 ـ ان الموجودات المساعدة هلامية تخص الصوت والسماع واللا أسماء.
* هذه المبررات الثلاثة تجعلنا ان نسلسل قراءتنا لهذا المقطع على وفق الآتي:
1ـ تجمع هذه القطعة الروائية بين (المادي وغير المادي = الجن والبشر وملحقات الكلام).
2ـ تلجأ طاقة الروي هذه الى خلق وجود ثلاثي متماثل، إذ الجن له ذات الأهمية السردية التي عليها شخوص المروية، وذات الحال ينطبق على (ماكو أسماء، والسمع، والصوت، وقصر الولاية).
3ـ الوجود المستحيل قيمة شيئية تخص الشيء كتعبير عن اللا شيء بتعويم قيمتين؛ هما لغة اللازمة السردية ولغة الحكي، وكل منهما شيء غير ملموس، ولن يكونا أفعالاً للفهم والتواصل، لانهما لغتان وليستا شيئين جيء يهما لغرض وجداني تنويري لا حدثي، كما عبرت عنه عبارات المقطع الفائت.
4ـ الرسالة غير المعلن عنها تقيم شرخاً في الروح، والبوح يجعل كل غير المعقول مقبولاً مثلما هو حال الراوي الواقعي الذي نقل جمل المقطع كله؛ عن لسان الآخرين.
5ـ قد يبلغ العرفان لذته القصوى واعتزازه الأوفى بما ينجزه الروي عندما يفصح الروائي برسالته (ابتدأ صهرهم الأول حملته فعلاً). اذ ان الحملة التي أوجدت نظامين في آن واحد من حيث الولاء، ها هي ذاتها، تحرك قدرتها في التكنلوجيا والعرفان على هيئة حملة عسكرية محتلة للبلد المجاور.
6ـ اللذة الأخرى الأقرب إلينا هي شعرية ما نثره لسان الراوي في اعلاه. سنلاحق هذه الشعرية في المحور الجديد.
رابعاً: الشعرية الموازية
القول السـردي يحمل شعريته بإدائه شعرية لغوية تخص الروي، تأخذ ـ بحسب ما نرى ـ الحالة الانفعالية في الانحياز لقيم الخير، وإبلاغ رسالة التظلم على وفق صياغة فنية لها تقنية الشعر وإداء القص، والتعبير مزدوج اللغة، وهذا لن يحصل الا لرواية ذات كفاءة سردية ولغوية. لنتابع:
[أقضي ليلتي هناك مع سكنة شقق عمارات شارعنا السكنية. وحين تستيقظ الشمس أستيقظ... أطرق بابها خمس طرقات بطيئة وأتبعها بثلاث طرفات سريعة. ينفتح الباب. تطل على من فرجته. أقبل وجهها أنملةً.. أنملة، وتلثم خدي عبر فرجة الباب] ـ الرواية، ص90
أود ان أوضح شيئاً هو: (ان الشخصين هما حبيبان يسكنان في عمارة وقد انهارت بلا سبب معروف فخرج الناس كلهم الى الشارع وابتنوا خياماً، عدا المرأة الحبيبة التي بقيت بشقة عشيقها كون الشقة لم تتضرر كثيراً، وعشيقها غادر الشقة لئلا يجلب انتباه الآخرين نحو ظرفها وعلاقته بها).
وبظني ان من سيقرأ هذه الومضة السردية، سيلاحظ الآتي:
1ـ إنها لحظة انسانية خالصة تقارب قصيدة نثر عاطفية.
2ـ ان طبيعة تركيب الجمل لم تهدف لتكون شعراً لذا تَغَلِّبَ حال السرد على حال الشعر بدلالة الحركة الروائية التي لم تحتج الى أي ازاحة لتطوير الفهم او لتعدد طبقات التأويل. 3ـ شعرية القص توازي شعرية المشاعر بسبب فني وجيه هو (احتساب اللغة شعرية موازية لطاقة السرد)، التي بدورها تعاضد بين إداء الروي وإداء لغة الدلالة.
4 ـ بقليل من التصرف بالقطعة النصية من جنبة سوء قصد التأويل سنرى بأن قطعة المروية هذه تتبنى (أُسلوب التكثيف في التعبير ليعطي فائض معنى لا يفرط بالحدث).
خامساً: المعرفية
ان طبيعة توجيه (المكتوب المدون لقرّاء مفترضين) هي طبيعة مضمون محتمل بطرافة المخبوء من القيم الإنسانية والأدبية. ان ربط العلامات بالإشارات بالشيفرات يقيم تكاملاً خطابياً يجعل القارئ منساقاً مع العمل ـ بدراية أو بدونها ـ فيزداد متعة، وثقافة، وذوقاً، تطهّراً، تغيّر أُسلوب، معرفة، تطلعاً لحياة أفضل. تحقق الرواية ذلك عبر فضيلتي التقنية والاشارية اللتين تتضافران في تسبب الاشتغال الروائي بحسب التنوع الآتي:
أ ـ اللازمات
هي لقطات متكررة تأخذ بنظام التوالي المطرد كأنها متواليات رياضية عددية. يصعب حصرها انما نشير لبعضها التي اتممنا تحديدها، وهي:
1ـ لازمة الاستبداد (آني مقهور عليكم)، وقد تكررت أربع مرات؛ كأن كل تكرار يعادل سلطة فاشية جديدة.
2ـ لازمة استقبال الضيوف بمائدة أكل عامرة، وما يلحق بها من حيف للنساء الطباخات، وهن جميع نساء البلدان المتخلفة. تكررت في الرواية سبع مرات.
3ـ لازمة ماكو اسماء. وهي بوح بين الحبيبين، تكررت سبع مرات.
4ـ لازمة الكابوس. وقد لازم هذا الكابوسُ المظهرَ الكتابي متدخلا بالروي ليقرر مصير الحبيبين وأحيان اخرى يكون حكاية مفردة تخص الحبيب البطل فقط.
ب ـ قوى السرد
يركز الكاتب على أربعة خطوط او مستويات للسرد؛ هي:
1ـ قوى السرد الأُسطوري، يمثله مقول الجن بملوكه الأربعة وتوابعهم الخمسة، ومؤسسات عملائهم.
2ـ قوى السرد الواقعي متمثلاً بما يسرده الحبيبان وما ينقلانه عن الاضطهاد والخراب للمدن الفاسد حكامها، المنهارة مساكنها.
3ـ السرد الخليط قد كان من أعقد تقنيات السرد وأكثرها قرباً والتصاقاً بما نعنيه من (تكنو ـ ثقافي).
4ـ الميتا سرد، وهو الآخر ممارسة ثقافية تقنية تهتم بالدلالة الفائضة عن تدخل السارد الرئيس. وقد مورست بشكل ضيق لا يتعدى كلمات بين العاشقين؛ تخص رغبة العاشق بكتابة قصة فجيعتهما وفجيعة البلاد، ورغبة العشيقة العاشقة بعدم ذكر الأسماء.
ج ـ الفرز والتصنيف
سنكتفي بفرز مقام المقطع الأدبي أدناه، نصنف نوعه وهدفه النهائي.
1ـ الصنف السردي جاء على أعقاب فرزه كـ (رواية)، وأدى وظيفة روي ديناميكي متناسق تصاعدي متسق، يبدأ بكابوس وينتهي بمكان غائب، وفقدان أثر الحبيبة لكأن الروائي قرر ضياع البلاد الى الأبد الذي نخمنه لأعمارنا.
2ـ بعد توضح طبيعة المروية معرفياً يصير واجباً ان نقول الآتي:
(مدونة الشبيب من بدئها حتى الصفحة الأخيرة هي حوار ثقافي بين البطل الكاتب، والبطلة الملتاعة، ومجموعات القتل والتجهيل بقواها الظاهرة والخفية، وهي كشف حساب مفتوح على سنين لا حصر لها تستقرئ مستقبل بلد يُراد له ان يندثر جغرافيا وتاريخا)..
(1) طه حامد الشبيب، رواية: سفرة سياحي، دار الصحيفة العربية، بغداد، دار العراب، دمشق، 2024.