أيلول/سبتمبر 12
   
    أجد في الاغتراب مدخلا مناسبا للإبحار داخل رواية "منازل العطراني" التي تناولت محطات من تاريخ حركة اليسار في العراق فقد ظل هذا المفهوم ماثلاً وحيوياً في مطارحات مفكري وأدباء هذا التيار من هيجل مروراً بماركس إلى كارل منهايم وحتى لوكاتش وبريشت. "جمال العتابي" الكاتب والناقد الأدبي والتشكيلي يكتب سيرة لعائلة يسارية عريقة واضعا شخصية الأب (محمد الخلف) في قلب السيرة بطلاً للرواية كما شاء مؤلفها أن تكون. شخصيات الرواية الاخرى: نوار، عباس، شكرية، زهرة، خالد، تفيض في التعبير، فهي تتكلم ضمن ضرورات المشهد الكلي، أو ضمن ضمن ضرورات ارتسام الحكاية، والحكاية ليست حكاية الابطال، انما حكاية المرعوبين، الذين احتل الخوف قلوبهم، هنا تضمر الرواية دلالتها.
     تتشعب المحاور في الرواية فتشكل بانوراما عريضة لجوانب الصراع في تاريخية ملتبسة من تاريخ العراق المعاصر، تتشظى صورة البطل في السرد، تهتز، تتبعثر (أناه)، بين حلم البدايات، وحلم المستقبل، تأثير الأم (زهرة)، والابن (خالد) وبقية الأشقاء والشقيقات أبطال الرواية بدا واضحاً ومجسداً بحيوية في أحداثها.
 هذا المحيط الأسري كان الانموذج الأكثر حساسيةً بالمتغير المكاني، كل واحد منهم يحمل معاناته التي تختصر الرؤية السردية لدى الروائي، الجدل القائم بين الأب والابن في السياسة والفكر في حقبة تاريخية حرجة مثلت بداية لتراجع اليسار في العراق وهي الفترة التي امتدت من انقلاب البعثيين على الجمهورية الأولى في شباط 1963 وحتى إحكام قبضتهم على البلاد في انقلاب 1968 كان ذلك زمن الحكاية الرئيسي، ودون الراوي في الخواتيم تتمة الأحداث الجسام بعد ذلك، وقد أدّت إلى وأد الاحزاب المعارضة والمنظمات والنقابات المهنية وتقييد الحريات، تصاعدت في الثمانينات إبان الحرب العراقية - الإيرانية  إلى الحصار الاقتصادي في التسعينيات قبيل سقوط النظام بقليل، إذ انتهت عندها الرواية .
   معالم المكان ومعانيه تجد امتداداً لها في الكتابة تبدو فيها" العطرانية" صورة لوطن، هي قرية نائية ضمن ضفاف نهر الغراف جنوب العراق" قرب قلعة سكر في الطريق بين الكوت والناصرية"/ 22، كان تاريخ الناصرية قد شهد حاضنة لافكار اليسار وأهم قيادات الحزب الشيوعي، يكفي أن أشير إلى مؤسس الحزب" يوسف سلمان يوسف" الملقب ب" فهد"  الذي أقام فيها لسنوات عدّة، وغيره العشرات، ومن دعاة الحزب "محمد الخلف" بطل الرواية ابن الجنوب، غادره الى المدينة بحكم الوظيفة، ثم عاد اليه هارباً من السجن يلوذ فيه ويختفي، كي يواجه اغترابه المتمثل بفقدان القدرة على معرفة النتائج. في تلك القرية الضاربة جذورها في تاريخ الحضارة الانسانية والتراث الثقافي والتقاليد والاساطير. يتحول فيها البطل الى شخص غريب تسيطر عليه فكرة الاغتراب نفسياً واجتماعياً ظلت تلازم وجوده في (العطرانية).
    تتعدد مشاهد الرواية وتتركز في تعددها على العامل الداخلي بتناقضاته ليكون هو الحكاية، بينما يتراجع العامل الخارجي، ويكاد أن يغيب، وتحاول الرواية استيعاب الايقاع المعقد والعميق لواقع الحدث ولتاريخيّته، وهي تبدو مهتمة بالتأليف والمتخيل لابداع نمط سردي يفسر نكوص الثورة وانحراف المنطلق، وهو ما يشكل في الرواية وعياً نقدياً يشير الى الداء الحقيقي أو يشخصه.
   تثير الرواية أسئلة عديدة عن تلك البيئات التي تشكلت فيها اولى خلايا الحزب الشيوعي العراقي، ثم ازدهرت ونمت بقوة، ووجدت قبولاً من قبل النخبة المثقفة والبسطاء من غير المتعلمين من الشعب في الجنوب، الناصرية تحديدا عام 1934، ولماذا واجه اليسار عموماً انتكاسات سياسية في فترات لاحقة؟ في خضم الصراع ومواجهة سلطات القمع والديكتاتورية، (منازل العطراني) كجنس للرواية السيرية تعيد طرح الأسئلة تكراراً من وجهات نظر مختلفة لاستعادة ما توارى، والاحتفاء بما كان.
     بقدر تشعب دلالات الاغتراب وتعدد مداخله الفلسفية والانثروبولوجية والنفسية والثقافية بمقدار جاذبيته في الانفتاح على اسئلة الوجود والابداع. الاغتراب. ولشدّ ما عانى أبناء ذلك الجيل من حالة الانفصال عن مجتمعاتهم، بدأت الرواية من حدث تكرر في تاريخ العراق تمثل في كسر أقفال المعتقلات وهروب السجناء بعد كل انقلاب أو احتلال أو تغيير في السلطة السياسية!، هرب الأب من سجن الكوت أثناء انقلاب 1963 ولجأ إلى قرية العطرانية جنوبا في رحلة للوعي والجسد بالاتجاه المعاكس من المركز بغداد العاصمة حيث يعيش الخلف وعائلته إلى الهوامش القصية. يكشف الراوي وعن طريق تقنية الاسترجاع عن بدايات تشكيل الوعي الفكري عند الخلف بعد تخرجه من دار المعلمين الريفية، وتعيينه معلما في قرية نائية اسمها "الدواية" يصفها الراوي بأنها "قرية منزوية بعيدة عن الحواضر بين هور الغموكة جنوبا وجزيرة سيد احمد الرفاعي شمالا"/76، التقى في المدرسة برفاق الفكر والكفاح من المعلمين "عبد چياد، جواد الجويد، عبد الحسن عيسى"وجد معلمو الناصرية في تلك القرية عالما يتسع لإحلامهم الكبيرة تغمرهم سعادة خاصة هي ايمانهم بعدالة قضية، كانت عدّتهم بضعة كتب ومحبتهم للناس وتلامذتهم"/76. خطى جيل التأسيس أولى الخطوات في طريق غربته الطويل، تفتق وعيه على أسلوب حياة ما كان يعرفه جيل الآباء والأجداد، اولئك الذين عاشوا القرن التاسع عشر وقد قنعوا بكفاف الرزق وبساطة العيش. يتكلم " خالد" عن المخاض السياسي والثقافي الذي أنجب هذا الجيل " كان العالم يعيش عصر تحولات كبيرة نهاية الحرب العالمية الثانية، هزيمة النازية، ولادات قيصرية لأنظمة اشتراكية شرق اوروبا، معلمو الدواية يلتقطون المتغيرات عبر أولئك القادمين من المدينة في فترات متباعدة"/68. ربط التعليم عقول شباب الاربعينيات بالعالم الغربي الناهض بالعلم والعقل من بعد حربين طاحنتين عاشتهما أوروبا، تلمس ذلك الجيل خطواته نحو الحداثة الواعدة بوساطة المدركات الحسية والذهنية التعليم والكتب، الصحافة والراديو وقد نظمتهما مخيلة جامحة حلقت برؤوسهم نحو اللامكان.
  اصطدم ابناء ذلك الجيل بجدار غربتهم وفرضت مجريات الأحداث ثقلها عليهم اعتقل "محمد الخلف" بعد اعلان الجمهورية العراقية في 14 تموز 1958في ثورة قادها ضباط في الجيش العراقي ينحدر اغلبهم من الطبقة الوسطى، كانت السلطة هدفا للعسكر والعنف، وسيلتهم المثلى للوصول إلى مبتغاهم وتصفية المناوئين ديدنهم.
الزعيم " عبد الكريم قاسم" قائد الثورة  بغدادي النشأة لكنه كان محاطاً بمجموعة الضباط  الذين تآمروا عليه  وانقلبوا لاحقاً، وأمسكوا بزمام السلطة أربعة عقود من الزمن، وقف  الشيوعيون الى جانب الزعيم في بداية حكمه في سبيل تصفية الإرث الاستعماري - الأقطاعي، والدفاع عن مكتسبات الثورة، بعد حين أختلف معهم في الرؤى، بطش بهم و أودع قادة الحزب والنشطاء المعتقلات والسجون، اتهم الخلف بشتم الزعيم علناً فاودع السجن، وما لبث أن قتل الزعيم بانقلاب شباط 1963 وتداعت بنهايته المأساوية احلام رفاقه بالأمس في دولة حرة وعادلة.
    رحلة الخلف نحو الجنوب حسمت مسألة انتمائه الحزبي بعد صراع نفسي مع ذاته الثائرة، كونه يؤمن بدور المثقف الإيديولوجي في قيادة المجتمع نحو تصحيح نظامه السياسي والاقتصادي، ومحاولة الوصول إلى نظام حكم تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والعيش الكريم لأبناء العراق الخارجين تواً من عهود القهر والظلام قبل اعلان الدولة 1921. كانت مشكلته تتلخص في مسؤوليته عن رعاية اسرة تتألف من عشرة أفراد وزوجة، وخشيته عليهم من الضياع والتشرد.
   كان الخيار الاصعب لمحمد الخلف أن يعتزل السياسة، يبدو ان  الاختباء في العطرانية قاده  الى التصالح مع ذاته الثاوية في لاوعيه المؤتلفة مع الطبيعة  الصافية لانسان الجنوب، تعلم من "نوار" زوج الأخت الذي آواه  في بيته معنى الاستمتاع بالحياة على بساطتها  "نوار مزارع فذ يمضي عبر الحقول والسواقي والمناطق الوعرة حافيا بمسحاته ومنجله يزرع ويحصد كان لي انموذجا للحيوات الصعبة القاسية"/29 ،وطّن الأب نفسه على التخلي عن حياة الأفكار والنضال السياسي وتوجه نحو الطبيعة وتمثلها في سلوكه وثقافته والفنون التي يزاولها كانت هوايته الأولى الرسم بعدها تأتي الكتابة وقد تمسك بهما ففي ازمنة الانتكاسات والانقلابات يكون اللجوء منطقيا نحو الطبيعة الأم والابداع وتلمس جمالياتهما بديلا عن  الايديولوجيا.
    " خيون" شقيق محمد الخلف أحد شخصيات الرواية المحورية في الرواية، لم يتعلم في المدارس الحديثة ولم يغادر قرى الجنوب، ظل محتفظا بمهنته وزيه الريفي وانشاده القصائد في العزاء الحسيني، لكن ذلك لم يمنعه من التأثر بأفكارالاشتراكية وايمانه بدور العمال والفلاحين في عملية التغيير "خيون أخي حزام ظهري مختلف بوعيه عن بقية الفلاحين على الرغم من حداثة سنه لم يسلم من قمع السلطة ووشايات مرتزقتها"/33. استشهد الأخ في معارك الكفاح المسلح ضد السلطة في الأهوار منتصف الستينيات وتأكد للخلف بعد وفاة شقيقه إن التضحيات في بلد مثل العراق غالبا ما تذهب هباءً! إن في القاء الضوء على هذه الشخصية ما يدل على تمكن التنظيمات اليسارية من اقناع ابناء ريف الناصرية لمناصرة المجموعات المسلحة التي اعلنت اهدافها لإسقاط النظام، حتى المزارعين والمتدينين، انضم البعض منهم الى تلك الحركة.
    روى "خالد" حكاية أسرته بصوته تارة وبضمير الشخص الثالث تارة أخرى  احيانا يمنح الكلمة للأب في المونولوج وهو يتأمل تاريخه وواقعه الراهن " كان كل شيء يبدو لي غريبا غامضا، الدار نفسها، الحيطان المتشققة ، الكائنات التي تحيط بنا نغم عميق لليل مديد"/30،ومثل أغلب الروايات الواقعية النقدية تميزت بكثرة الحوارات بين شخصياتها منها ما كان فكريا عبّرت به عن هواجسها وتوجهاتها السياسية والثقافية وجملة من الحوارات جاء انتقاديا ساخرا من فهم ذلك الجيل لافكار اليسار، والشعارات التي لا تعبر عن فهم ووعي عميق لطبيعة المرحلة، شعارات سطحية يستجيب لها الشارع بسرعة .
 الشخصيتان "أم محمد الخلف" و"زهرة" كان لهما نصيب من الانتقاد الساخر من ولديهما بمقدار الوجع الذي حملتاه منذ ولادة ابنائهن في بلد موصوم طوال تاريخه بالصراعات والحروب، من تمثلات وجع الأمهات الجنوبيات المشار اليه في الرواية بالدموع والدعاء، والهيجان والتذمر وكثرة السباب وعند وقوع الكارثة  تعيش الامهات على زاد الوهم ،" أم خالد" عاشت الوهم فقد رفضت تصديق اعدام ابنها "عامر" كونها لم تشاهد جثمانه وبقيت حتى وفاتها تنظر بلوعة نحو الباب عله يدخل عليها، وقد انتهت الرواية بموتها بعد 2002، وتبين لها بعد طول انتظار ان ابنها لن يعود، كانت تعيش في الامل، في هذا الموت المادي والرمزي اضاءة لمضمون النص (ازمة اليسار). عبرت "أم محمد" هي الأخرى عن خوفها على ابنها ميشيراً إلى أن هذه الام الريفية التي لم تتعلم القراءة والكتابة، ولا تفقه في السياسة، كانت تستقرأ المستقبل بوعيها المتواضع وتدرك ما يضمره من خطورة تهدد الأبناء. أم محمد وزهرة نموذج لنساء باسلات واجهن مصيرهن بشجاعة نادرة.
    يمكنني القول إن التعدد الصوتي وانتقال الحوار من الراوي كليّ العلم إلى المراقب بضمير الأنا للابن والاب، وتعدد الصيغ في الديالوج والمونولوج والخطاب المسرد، تناغمت مع تعدد صور اغتراب الذات في أزمنة ترحالها بين هويات وجودية فكرية وثقافية مرجعية عبر اشتراطات البيئة وحدودها وتعاقب الازمنة وتواترها وتغيير أقنعة الأفكار والتوجهات مع السلطة أو بالضد منها.
الهوية الوجودية والثقافية لا تنتظم ابداعيا إلا بهوية سردية تستمد وجودها من التأليف ونظام الحبكة وهي هوية ديناميكية استمرارها خطابي، وليس زمكانيا، أما السخرية فذلك مايميز لغة الشخصية الشعبية ولهجة أبناء الجنوب المميزة بمجازاتها وجناساتها الصوتية وكناياتها الساخرة والنكات اللاذعة وذلك ما استثمرته الرواية بمستوى عال.
   لا يتردد"خالد"؟ الابن الذي عاش البيئة الفقيرة ذاتها أن يتذكر سنوات دراسته الابتدائية "شعرت بغربة في اللحظة التي دخلت بها باب المدرسة بلغ خوفي أشدّه، فالمدرسة في طرف المدينة عند الحد الذي تنتهي فيه البيوت الطينية، تتفتح بنايتها بزاوية منفرجة تحيط بها أكداس من النفايات"/ 196.  الراوي يعاني قلق اغترابه منذ الطفولة  في بيئة لا تمنح ساكنها إلا مضغة من فضاء رحب لغذاء العقل والوجدان بينما الأب يدعو لإفكار جديدة ومغرية مع آفاق ثقافية رحبة تتجاوز الواقع إلى الممكن والطموح، انه زمن المعاناة التاريخية المشتركة، لم يتردد الابن عن السير على خطى الأب على مستوى الممارستين الحزبية والثقافية، عاش تجربة السجن ولم يزل صبياً 1962  لنشاطه الحزبي وترك الدراسة فترة، خشيةً من الاعتقال مجدداً ثم عاد إليها وظل طوال فترة دراسته الجامعية وتخرجه ومن ثم تعيينه مدرسا وعمله في الصحافة على موعد مع الهروب والاختباء من وجه السلطة مراراً إلى ضواحي العاصمة .
 يستشف المتلقي ان (خالد) عن طريق حواره المستمرة مع الأب انه يعيش حالة صراع مع ذاته، متسقاً في الرؤية والموقف تارة، ومختلفاً تارة أخرى الى حد التقاطع والتشابك بين محاور عدّة، تبدو فيه العوامل البيئية والاجتماعية أكثر المؤثرات في تشكيل شخصية خالد حسب مفهوم (كارين هورني)، التي ترى العوامل الانسانية الأكثر حيوية  في حياة المرء في طفولته ولاسيما اذا شعر أن حاجته الى الامن والحماية من والديه غير مضمونة تماماً، وحالة التباعد بين طبيعة المرء ووضعه الفعلي، هذه الحالة، لا تنطبق على الابن كونه لا يعاني حالة رفض أو نكران من محيطه، بالضد نقرأ أنه يعيش حالة وجد واحتضان لكل ما يتعلق بميراث عائلته . ان القلق الاساس في نظرية (هورني) ناجم عن الشعور بالعجز تجاه حياة مشحونة بالعداء والكراهية.
عبّرت لغة " خالد" عن مضمر ذاته بالسخرية من نهج والده ورفاقه تارة، وبالشك في الطروحات الثورية تارة أخرى، أما في القسم (32) من الرواية فقد اشار الابن لحياته العاطفية والجنسية في الجامعة " لم يعرف الحب في عمر الفتوة كان اصدقاؤه الشباب يضاجعون النساء في بيوت البغاء، يسخر منهم سخرية عنيفة يضحكون عليه يشككون في رجولته، كانت سنواته خاوية جافة بلا مسرات عاطفية"/181. ارى أن الابن قد وجه اللوم في عدم اكتمال فحولته حتى سن الجامعة ليس للسلطة السياسية القامعة التي طالما طاردته وسلبته البهجة فحسب، وإنما للأب البيولوجي نصيبه من اللوم، كان محمد الخلف عاشقاً لفراش الزوجية، هذا العشق الطاغي يجد تعبيره الأوضح في عدد الأبناء العشرة، كان هؤلاء مع الأم ضحية لانصراف الأب الى العمل السياسي، ربما كان هذا أحد اسباب شعور خالد بالضعف وجفاف العاطفة فيغدو متماهيا مع مؤنث روحه "الام" ساخطا على الفحولة " الأب".
 . "منازل العطراني" رواية "خالد" مثلما هي سيرته ولم يكن فيها غافلا عن ذاته الحقيقية وإنما خاض رحلة بحث عنها من خلال النبش في تراث الأبوة، قداسةً وهيمنة محاولاً فهم الذات وطبيعة اغترابها عن بيئتها عبر سيرورة الحكاية والسرد الناقد للتاريخ بالحوار مع الاجناس التشكيلية المستندة لرؤيا المكان والجسد تأويلا للزمان وتأليفا للهوية، وبالتشكيل النصي لريف الناصرية الذي كان يسارياً. الرواية مشهد للادانة اتخذ اشكالاً من الحضور متنوعة في السرد والتعبير، لكن هناك حقيقة أخرى تبقى خارج الرؤية، تبقى بلا قول في الرواية، هي حقيقة الواقع في تعقداته، في تشابك الذاتي والموضوعي، في مواجهة الناس للديكتاتورية، في مقاومتهم للموت ولانهيارات القيم واهتزاز المفاهيم، هناك الحياة في مواجهة السقوط.
 
 د. عالية خليل ابراهيم : استاذة النقد الأدبي في كلية التربية - الجامعة المستنصرية، دكتوراه في السرد العراقي الحديث