أيلول/سبتمبر 12
   

1.

أسقطُ في الصحراءِ : أرى

الجوادَ بانتظاري / عارياً بِلا سراج ولا لِجام / أحمرَ الغروب

كيف أُلاحقُ الشمسَ وهي لا تكفُّ عن الروغان

من الشرقِ الى الغرب ، من النهارِ الى الليل

قالت العرّافة : أمامك طريقان :

  • وحدقت في خرزات الرمل -

أنا مع وحدتي

ووحشتي

والريحُ

سماءٌ شاسعةٌ تغلفنا :

وصحراءٌ لا تقودُ الى شيء !

لماذا أنا هنا ربما قادني الحِلمُ أو الخوفُ او المصادفةُ !

أأبحرُ في رملٍ على جوادٍ بِلا سراج !

ومن ينتظر في أخرة الغسق .

السرابُ أم رائحةُ الأمل ؟

سأسوي خرائطي بنفسي ...

لو اختارت العرافة

طريقاً لي

أفقد

متعةَ الموتِ :

(شعاعةٌ رميلةٌ نفّاذةٌ من الحصى المتراكم )

أفردْ يديكَ وتصالبْ بسمت الشمس وستكون الجهات كلُّهل ملكَك

ولكن لا مفرَّ من أختيارِ الهاوية .. دمُّ الصحراءِ لي وحدي

وعلاماتُ الغسق تُنبئ برعبٍ يقترب

سأصفّي حساباتي مع الليلِ

ولن أرضخَ لغير نزواتي

لماذا تتبعني الأشباح .

النسيانُ خُلاصي

وأنا أعرفُ

لغةَ الرملِ : لا خلاصَ و لا نسيانَ في شواطئ العتمة ..

والنجومُ سأقتطفهنَّ واحدةً واحدة

حتى تغدو السماءُ درداءَ

وارتحلُ غيرَ عابئ بالريحِ

والليل المتربص

                  ***

قالت العرافة : أختر ! وهمهمت داخل الخباء

رفعت ساقيها وأشارت الى سرتها ....

أيخدعني الجموحُ مرتين :

فتفر – كالزئبق –

مني

وتذوب ...

( يخضر الليل ويتماوج في مسيل الحصى ... )

 

2 .

أحلام الليلِ كطيورٍ مهتاجةٍ .... والصحراءُ تلتصق

بأديمِ السماء الأسودِ : قماشةً منقطة بالملح

وأفقُ رخامٍ منمنمٍ بالحيرةِ والعوسج ...

لم يغادرني : جوادي الأجردُ ونزواتي

تنتفخ كالأورام ... وحدي مع نفسي التي اطلبها

فلا تجيبُ ، فأتشبثُّ برفيفِ الرمل وأخوض

في سراب الليل ، سبقني الشمس في الدوران

كدت أمسكُها لكنها راغت وانفلتت كقطعة صابون

وهذا الغسق يوهمني بالوصول / الخباءُ مسدل

وتحته الرعب والشبق ... الأشباح الليليون تحولوا

الى أنين خفي في يسيل من أضلاع الرمل : كيف

السبيل في هذا الموج الليلي ... سأناديك أيتها

المندّسةُ تحت خبائِك ورمالك ولهاثِك .... ولكن

الفجر بعيد ، والشمس سبقتني الى مخدعها وأنا

أدور حول نفسي طالباً النجاة ... أهو الخوف

أم اقترابُ الجنون ... قالت لي : اختر طريقك

ولا تعذبني ... وكنت متلهفاً للصراخ فلم اسقط

الا في الصحراء ... متلبساً بالنزوات والتوجس

تتخطفني رغاءاتُ ... الرمل والرغائب .

 

3.

أرهقني الترقب .. والانتظار .. والعري

وفي الغسقِ المتوحدِ ، الموحش ، المرتجف : تتقافز نفسي

ويداي فارغتان ، وفؤادي كالطبل : أضربه فيوجعني !

أتلمس جلد الرمل الخشن .. وأفكر بالأشباحِ في

الفجواتِ والثقوبِ الهائمين

في فضاء الليل الدبق

أي أنين هذا الذي تبثه الأرض !

أيّ فحيحٍ هذا الذي يسربه الأديم !

وتحت الخباءِ يكمن الخطرُ والأملُ والشهوةُ .

سأفكر بسيرةِ الزمن غداً . ربما الآن

أو لن أفكرَ ابداً

قالت لي : ماذا قالت : لا تطلبنَّ الموت ، ولكن

من الشجاعة ألا تخشاه واختيارُك واحد

طريق الى صحراء لا يقود الى شيء

وطريق الى سماء لا تصل اليها !

وفي الصحراء نلبس وحدتنا كالثياب

وفي نسيجها تلسعنا الوحشةُ والرغبةُ في الفِرار

الى أين ! أريد الجنون فيأتيني العقل

أطلب الفرار فتجيئني الأسوار

أقول لنفسي : انتحري

فتفر مني / كالزئبق ...

 

4.

لا يسع الخباء اثنين ... سأخبرها غداً عن أمي

كيف قذفتني من أحشائها مبتلاً بالدم وغضارة

الرحم والذعر : أكنت مذعوراً ! من أخبرني ؟

أمي ماتت بعد ان لفظتني ... جئت انا وغارت هي .

والخباءُ لا يسع اثنين .. فمن أعطى لهذا الغسق

لونَ الفحم , من أعطاني لونَ الرمل وأغواني

بالجنون والنزوات , والرغبة في طلب الشمس

وتحت الخباء تستلقي مكشوفةَ الساقين .

سأحدث نفسي طول ليلِ الوحشةِ

سأستدرجها لتحلَّ فيْ

سأستدرجها

الي

أنا جسد من خشب ورمل

وتحت أضلاعي بنبض طفلٌ

طفلٌ على هيئةِ الكمثري ....

والى متى يظل هذا الجواد الغروبي صافناً وبلا سرج :

غداً تغيّر رأيَها وتناديني : يا بني !

من قال لي / لا تأمن النساء .

الصحراء امرأتي

أهيم على جسدها طول الليل وأبادلها التهتك

والعرىَ والنومَ , وفي تدفق فجورها أنسى اختيار الطريق

وأقول للهاوية : أتسعى !

 

5 .

على جسدي كنتِ طوال الليل

ما ألذَّكّ أيها الغريب !

راودتني عن نفسي

فاستجبت لك

ودعوتني

الى فضائحك ونزواتك

فلم أتردد

أعطيتني الماء

فانبت لك العشب

وأزحت قلبي

فبشرتك بالرضا

وحين صرنا عاريين كرمانتين

قبلتني على سرتي

وقلت لي : أيتها البنفسجية من أين ابتدئ

فأسمعتك أغنيتي / وأعطيتني ما أريد

أنا عرافة الأبد

وصاحبة الخباء

انشر على صاريتي أشرعتك

فالريح مواتية !

 6.

 الماء الليلي يتسرب كالأسرار .. ماتت أمي وأنا أقشر

كالتفاحة من رحمها .. كان ذلك شتاء 1945

تساقط صقيعٌ كالجمر .. اذ كان العالم ينقلب من جنب

الى جانب كالمثخن .. وكانت العرافة تنسحب الى حافة الصحراء

وتلملم أحجارها البراقة

وتلفق الاسئلة

- من فتق أسراري : أنت أم جوادك

- أنا رجل أبحث عن أسئلتي

- أنا عرافة الأرض والجذور واللهب , فمن انت ؟

- لا سبيل الى المعرفة .. اختياراتنا صعبة !

- أنت مضحك وتعيس

فمثلك لا يغير جواباته , ولا يتلاعب بيقينه

- لا يقين بين حافتين

          لا يقين اتجاه الهاوية !

- أذن اختر طريقك وحدك .. لا شان لي بجنونك !

يساقط على الرمل ندى لا لون فيه

- ما كنا نشتاقه لم يعد بأيدينا

وخباء الليل كان جنوناً آخر

وليس في بريق الحصى علامة طريق

أسقطني قدري في الصحراء

وقال لي : افرد يديك كالطائر ... واتبع الشمس

فستأتيك الطرق كلٌّها ..

وكان الجواد ينتظر !

 

مجيد الموسوي: شاعر راحل من البصرة ، ينشر نصه هذا لأول مرة