أيلول/سبتمبر 12
   
 
الألوان التعبيرية وبلاغة اللغة التصويرية وأسلوب التكنيك واكتمال الدلالات الرمزية المثيرة. هي السائدة بشكل منتظم في لوحات الفنان التشكيلي العراقي المقيم في برلين علي محمود، التي تيسر لنا مشاهدتها في معرضه الاول في مركز (آب تسيل) ببرلين مؤخراً. شاركه بالعزف المنفرد على العود من التراث العراقي خلال أمسية الافتتاح الفنان العراقي الشاب المقيم منذ تسعة أشهر في بوتسدام "قاسم كزار"، الذي ابدع في جعل الانغام الموسيقية الشرقية كحروف الهجاء تتناثر في فضاءات الفن التشكيلي، تالقت وجوه النساء المتنوعة المعانى والوجدانية والتي لا تقترن بزمان ومكان.. ان مساحة الخيال السمعي للموسيقى في فضاء المعرض، لم تناجي المرئيات او الكشف عن مسيرة قاسم الفنية التي لازمها بإصرار فحسب، انما عبرت عن قيّم تعبيرية تحاكي مصير وطن أسمه "العراق". فقد ترك وظيفته للالتحاق بشباب الانتفاضة. وبسبب رفضه الوشاية والتجسس عليهم، صدر بحقه أمر القاء القبض (لتنفيذ قرار الحكم بالسجن) مما اضطره لمغادرة بلاده.. آنذاك كتب يقول: 

(أبيض ـ أسود؟ يجب تحديد موقفك أما أبيض أو أسود لا توجد منطقة رمادية، لأن ما يجري حدث عظيم يجب أن يكون لك موقف فيه على الأقل أمام نفسك أولا" ، أذ لا يمكنك أن تصدع رأسي ولسنين في الأماكن العامة والخاصة بالشكوى عن سوء الأوضاع وبأننا شعب جبان وعندما تحدث ثورة لا يكون لك موقف حتى في مواقع التواصل الأجتماعي! لأنك ان لم يكن لك موقف فأنت تندرج تحت واحد من تصنيفات ثلاث:الأول:ـ موظف مستفيد من الحكومة الحالية ويخشى على وظيفته (جماعة قلوبنا معكم وسيوفنا عليكم). الثاني:ـ غير مستفيد من الحكومة الحالية لكنه جبان رعديد (لهسة بيه خوفة صدام) الثالث:ـ المنافق الذي يقف في المنطقة الرمادية والذي ينتظر أي الكفتين تفوز ليقفز لها (وهذا هو الأنتهازي الذي يتسلق على رقاب الاخرين).. و كل الأنواع السابقة لا أتشرف بصداقتها.. الخلاصة: هذا هو المنشور الذي اعلنت عن طريقه موقفي الصريح ومعارضتي ووقوفي مع ثورة تشرين..

أيضا علي محمود الفنان العراقي بالفطرة منذ الخامسة من عمره (مواليد بغداد عام 1993) حاملاً المواهب المتعددة، وإصراره على إختيار الفن التشكيلي تحدٍ للمنطقة الرمادية .. تضمنت رحلته الفنية محطات عديدة، فهو يجيد فن الخط والتصميم والديكور كان لها الأثر البالغ في سعة آفاقه الفكرية والثقافية. تواصل مع طلبة اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد بهدف الالتحاق لاكمال دراسة الفن التشكيلي الا انه اضطر لمغادرة بلده العراق بسبب تفاقم الاوضاع السياسية والامنية، لكنه لم يغادر محاكاة العراق، ضحى لاجله في ثورة تشرين شباب أبرياء يريدون صناعة مستقبل افضل. شاركهم الهم عن بعد فعبر في العديد من اعماله الفنية عن مشاعره وتضامنه معهم. شارك في العديد من الأنشطة الفنية، في العراق وأوروبا. يعيش حاليا في العاصمة الالمانية برلين. يتمتع برؤية فنية ثاقبة في كيفية صناعة اللون في لوحاته من دون تكلف او تصنع. تتجلى فيها معان تعبيرية كثيرة ترصد الظواهر المجتمعية والسياسة بطريقة تكشف عن عوارض القلق وسرديات المحيط. احيانا التعبير عن الذات، وحينا اخر تضع المتلقي امام مظهر من مظاهر المشاعر الشخصية او الانفعالات الوجدانية غير النمطية. يرسم بمهنية عالية ومواد والوان مختلفة كالمائي والزيت وقلم الرصاص والفحم. تتميّز رسومه بالتنوع والاساليب المختلفة التي تتجلى فيها عوالم مليئة بالأمل والجمال وبث روح الإيجابي. 

في معرضه الاول الذي اقامه في برلين، عرض الفنان علي محمود خمسة عشر عملا فنياً باحجام مختلفة. استحضر في أغلب اعماله "المرأة" باشكال والوان مبتكرة، ذات طابع متنوع غير محدد، منها السريالية أو تمثلها بشكل مختلف. لكن الطابع الاغلب يتنوع بين الواقعية والانطباعية والتعبيرية بهدف الارتقاء بذائقة المتلقي. فالسردية في اعمال علي تُظهر صورا للواقع، وليس اشكالا غريبة غير معتادة كما يراها البعض. وعمل على تعريف واضح، لا يقتصر على الأساسيات لـ "ترتيب الألوان"، وانما على طريقة مفصلة للغاية. ولعل أكثر إثارة تلك الرسوم التضامنية الثلاثة التي تتحدث عن انتفاضة تشرين بطريقة فنية تتميز بنقاء الألوان التعبيرية وبلاغة اللغة التصويرية، يجسد فيها مشاعره تجاه وطنه ووفاءً لشهداء الانتفاضة.

تثير هذه الاعمال جدلا فنيا يتمحور حول مفرداته المتميزة، التي تحمل ظواهر اجتماعية، استطاع أن يقومها بطريقة "سيميائية" لا تخلو من احساس داخلي غير مرئي لكنه ملموس، تتموضع فيه الأشكال البنيوية والألغاز على نحو مثير. واظهار الرمزية للعيان أو عن طريق توظيفها ابداعياً . هنا عن أثر "البعد الثالث" وكأننا نبحث عن القيّم الفنية التي تشكل عادة أعمدة العمل التشكيلي، كالطاقة والحركة والظل واللون والأسلوب الجمالي فضلاً عن الظواهر "السـوسيولوجية".. ومن المنظور النظري الجمالي والمصنفة في علم فنون الرسم بالواقعية، حيث تتميز بثنائية التصنيف، متمردة على الأزمنة روحيا وبصرياً، وتجسد مظاهر الحدث أو شكله من ناحية التراتبية والملائمة وكأنها مشاهد خياليّة. تمتاز بالألوان المائية "أكرليك" والمتقاربة من بعضها والمنسجمة في أسلوبها الفني، كما لو كانت تشكل كلها جدارية، تتسم برؤية تعبيرية تعد من ابرز فنون الرسم الواقعي المعاصر.