أيلول/سبتمبر 12
   
 بدءاً لا بدّ من ذكر أن النظرية النقدية الأدبية عالمياً بدأت في أروبا بوصفها نظرية لها منهاج نقدي له شروطـهُ الموضوعيّة وقواعدهُ الفنيّة للأدب فكان ذلك سنة 1750 عندما صار التحوّل في أروبا من الرأي الأدبي الذي يحمل نفَسا نقديا مبعثرا غير ممنهج الى نظرية نقدية لها منهاج نقدي كما يحدد هذا التأريخ "رنينه ويليك" في كتابه (تأريخ النقد الأدبي الحديث 1750 - 1950م) لكن المهم واللافت في القراءة لهذا التاريخ النقدي الأدبي الحديث في العالم: أن النقاد الاوربيين في ذلك الوقت عندما كتبوا نظرية نقديةً للأدب وضعوه على وفق معطيات الواقع الأدبي فاعتمدوا على إبداع الأدب من الواقع المعاصر لهم، شعر فولتير وغيره في عصر تدوين النظرية النقدية تلك ألا وهي "الكلاسيكة الجديدة" والتي مِن سماتها:
- ((محاكاة الطبيعة، والمحاكاة هنا لا تعني النسخ ولا النزعة الطبيعية الفوتوغرافية بل في التمثيل. وإن ما يطرحه الشاعر عبر هذا المصطلح ليس الطبيعة نفسها بل قصده أن يمثلها. ومصطلح الطبيعة لا يعني “الطبيعة الميتة” (الطبيعة الصامتة أو منظر خارجي) على نحو ما يستخدم كثيرا اليوم بل المقصود به الطبيعة الإنسانية. ويضيف حول المقصود بالطبيعة في النظرية الكلاسيكية الجديدة: “إن المصطلح يعني أشياء مختلفة جدا بالنسبة لمختلف الناس. فمحاكاة الطبيعة كثيرا ما فهمت على أنها تعني الواقعية…”. لكنه يخالف هذا ويقول: إن التفسير لـ”محاكاة الطبيعة على أنها نزعة طبيعية أو نسخ لم يكن سوى تيار واحد من النقد الكلاسيكي الجديد”.
– تجاوزت النظرة القاصرة التي اعتقدت أن الفن مجرد عبارة عقلية عن القواعد الأخلاقية، وقد فهم النقاد -في أحسن الأحوال وأسوئها- أن الأدب هو جزء من السياسة بالمعنى الواسع للكلمة، وأن الشاعر شاء أم أبى هو مشكل وصائغ النفوس الإنسانية.
– إن أهم ما جاءت به النظرية الكلاسيكية الجديدة هو في تحول الاهتمام النقدي إلى رد فعل الجمهور، ما أفضى إلى تحلل الكلاسيكية الجديدة إلى النزعة الانفعالية والنزعة العاطفية"(1).
فالاهم من فحوى هذه النظرية هو إنها جاءت معاصرة لقراءة الابداع في وقتها وانطلقتْ من النص الادبي في بناء المنهج النقدي وقواعده.. وهذا التفكير الممنهج لبناء نظرية نقدية متطوّرة على الآراء النقدية المتشظية هنا وهناك وغير المحكومة بمنهاج نقدي أدبي للشعوب والامم كافة قبل أوربا، كان هذا التفكير النقدي الناجز متصلا بالعصر الصناعي في أوربا التي سبقت بهِ العالم الذي ظل يعيش مرحلة الاقطاع والزراعة، وهذه منطقة مهمة من جغرافيا العقل البشري النقدي، إذ أثرتْ عوامل التطور الصناعي العلمي، في تحريك الساكن والالتفات الى طريقة تفكير جديدة، والسؤال لماذا لم يكن في أوربا نظرية نقدية لها منهاج نقدي أدبي قبل 1750 قبل التطور الصناعي العلمي على الرغم من وجود نهضة أدبية وفنية في أروبا، وأطلق على عصرها "عصر النهضة الاوربية" قبل هذا التاريخ كما هو معلوم وجلي للقارئ؟
الجواب في "عصر النهضة" لم تكن الصناعة سوى في المرحلة البدائية من تطوّرها إذ لم تبلغ ذروة التطور الصناعي العلمي إلا في  القرن الثامن عشر وتحديدا في منتصفه 1750، كما نرى من أثر هذا التطور الصناعي على المجتمع والتأليف في اختصاصات جديدة لم يسبق التأليف فيها، منها كتاب في علم الاقتصاد – للرأسمالية - (ثروة الأمم) لآدم سمث في بريطانيا سنة 1776، كما ظهرت بعده الاكتشافات العلمية لخلية الكائن الحي وغيرها بسبب التطور الصناعي، كما أثّرت الثورة الفرنسية تأثيراً كبيراً في تطور الأدب والنقد الادبي بعد 1750، فلنحظ اختلاف طريقة التفكير الممنهجة لتأسيس نظرية نقدية في أوروبا، عن الخيال الأدبي والفني الذي أنتجه "عصر النهضة الاوربية"، وهذا بفعل التطور الصناعي العلمي وأثره على مناحي حياة الانسان في أروبا كافة، ثم بقيت هذه النقطة من المنهاج النقدي الأدبي في قراءة الواقع الأدبي المعاصر للنقاد الاوربيين وشعوب أخرى مستمرة الى اليوم، وعندما صارت الفلسفة الحديثة متنوعة في أوربا من مثالية هيغل ومادية ماركس ووجودية سارتر في ما بعد وغيرها، صار المنهاج الجمالي في النظرية النقدية الأدبية يأخذ من هذه الفلسفة أو تلك، إذ الامر فلسفي والقضية في مشغل العقل الحر الناقد الذي يمتلك حرية القراءة الكاشفة للنص الأدبي الحديث والمعاصر، بحسب مرجعياته الفلسفية وخزينه المعرفي المتنوع، ليناسب فيها العقل الناقد الحر بما يمتلك من المعرفة المجردة مع النص الأدبي من حيث الانسجام مع خصوصية النص الأدبي الفلسفي، وقد كشف تاريخ النقد الادبي في أوربا بعض الظواهر النقدية التي خالفت النظرية النقدية والمنهاج الموضوعي له، وانطلقت من ذاتية الناقد غير الحر بقراءته للواقع الادبي، فـتبنى بعض النقاد الايديولوجيا بدلاً من الجماليات الفلسفية في النص الادبي، وابتعدوا عن النظرية النقدية والجماليات الفلسفية في منهاجها، ولا بّد من توضيح القصد بالايديولوجيا هنا - هو الثابت الذي يشبه التابو- فيما يقوم الإبداع على المتحرك فالشاعر مثلاً عليه أن يكسر القواعد الشعرية السابقة لعصره ويبتدع قواعد شعرية جديدة في نصه، تُبنى عليها نظرية نقدية جديدة أو يكتشف الناقد الحر منهاجه النقدي المعاصر في ظل فلسفة ما لها جمالياتها عن طريق النص الابداعي الجديد.
أما في منظومة اللغة العربية والناطقين بها والمُشتغلين في حقولها الادبية، واللغوية - دي سوسر-، واللسانيات، فقد بدأ النقد الادبي الحديث العربي بـ"طه حسين" كما قال "سعيد عدنان "، وذلك من حيث إتبّاع "طه حسين" النظرية النقدية الأدبية الحديثة اكتسبها من تعلمه في باريس، والسؤال لو رجعنا الى النقطة المهمة في جغرافيا العقل وعلاقتها بالتطور الصناعي لمصر لوجدنا أن "طه حسين" كان طفرة نوعية بإيجابية للنقد الادبي العربي الحديث في مصر بفعل القرار الحكومي الذي ارسله للتعلم في فرنسا، وليس بسبب التطور الصناعي فكانت بعثات طلبة العلم من مصر الى فرنسا، طريقة خطها "محمد علي باشا" من اجل اللحاق بركب التطور في أوربا، ثم تبع تلك الطريقة الحكومة العراقية في العهد الملكي فأرسلوا علي جواد الطاهر الى مصر ثم الى فرنسا، فيما أفاد نقاد الادب في اللغة العربية من المغاربة – تونس والجزائر والمغرب- من تعلمهم للغة الفرنسية في بلادهم كنتيجة للاحتلال الفرنسي، فدرسوا بسهولةٍ النظريات النقدية الأدبية الحديثة باللغة الفرنسية، ومثلهم في سهولة التعلم أيضا مَمن كتبوا النقد الادبي العربي الحديث في المهجر.. فصارت النظرية النقدية الادبية العربية التي يتبناها الناقد العربي مكتوباً عليها "صنع في أوربا"  أو "صنع في أمريكا" بعيدة عن الواقع اليومي للشعوب العربية وتطورها الاقتصادي الصناعي، بمعنى ظل العقل النقدي العربي مقلدا لما انتجه العقل الغربي الاروبي وغيره في ما بعد او في تنافذ معرفي بين الناقد والنقد الادبي الغربي، بما رافقه من خلل في طريقة التناول للمنهاج النقدي عند البعض، والبعض الآخر راح يُسقط ما في عقله من أيديولوجيا على النص الادبي، من دون معرفة بأن الفلسفة وجمالياتها شيء في النقد الادبي، والايديولوجيا شيء آخر.. فترى الوجودية الادبية وفلسفة سارتر التي غزت العراق إبان الستينات بفعل النظام السياسي الذي تحكم بكل شيء بعد عبد الكريم قاسم، ومنها دخول المطبوعات الى العراق ونوعها- الوجودية- لأسباب سياسية الغرض منها مناهضة الماركسية وفلسفتها في الجو الثقافي العراقي، والسبب في هذا أن القومية العربية الحاكمة في العراق حينها ليس لها فلسفة حديثة تقوم عليها لكي تستطيع أن تواجه الماركسية، إذ من أفكار القومية العربية أن تحيي التراث والموروث العربي لكن هذا الموروث لا يحمل فلسفة حديثة لها علاقة بالواقع الثقافي والفلسفي الإنساني بمعنى ثمة قطيعة فلسفية بين الموروث العربي وبين العالم الذي انتج الفلسفة الحديثة وصارت من جماليات الادب . كذلك الحال مع النظرية النقدية الأدبية لذلك قال عدنان سعيد ان النقد الادبي العربي بدأ بــ"طه حسين"، فلا وجود لنظرية نقدية ولا لفلسفة معاصرة تناسب الواقع وحركة العالم المتحضر والمتسارع في الانتاج الأدبي المبدع من وجهة نظر الايديولوجيا القومية الحاكمة في العراق واغلب الدول العربية، ولذلك أيضا كان ذهاب طه حسين وعلي جواد الطاهر وغيرهما الى باريس لغرض دراسة المناهج النقدية الادبية الحديثة.. لذا كان السبب الرئيسي الذي مارسته السلطة في العراق في مدة مابعد شباط 1963 سببا سياسيا لترى الفلسفة الوجودية وأدبها قد غزت العراق والدول العربية في الستينات، لأن الفلسفة الماركسية تهتم بالصراع الطبقي وتحاول تغيير الواقع بينما الفلسفة الوجودية لا تعمل على تغيير الواقع ولا علاقة لها بالصراع الطبقي، لتصير الوجودية ايديولوجيا أدبية تلقي بظلالها على النص الادبي، فيما كانت ردة الفعل الماركسية وجمالياتها تلقي ايضا بظلالها على النص الادبي، ثم ذهب النقاد من القوميين العرب الى ايديولوجيا سياسية توافق الانظمة العربية في مصر والعراق وسوريا، فصاروا مثل غيرهم يلقون ظلال القومية على النص الادبي، ما أثر على توجهات النقد الادبي وقراءته للمشهد الثقافي والإبداع الادبي، وهنا ايضا كانت ظاهرة التقليد للمدارس والنظريات الادبية مستمرة لكنها اخذت شكل صراع في ساحته النقد الادبي كل ينحاز الى فكرته وموقفه بين القومية والوجودية والماركسية. وهذا لا يعني خلو النقد الادبي العربي من ناقد حر بل هناك من يسلط الضوء عليه، ولكن اذا كانت الانظمة واعلامها تريد من الناقد الذي يتقرب من ايديولوجياتها السياسية الحاكمة فتقربه وتبعد من لا يتفق في متبنياته النظامية.. لذا يظل تأثير الناقد الحر محسورا عن الاغلب الثقافي وهو ايضا جاء بالنظرية النقدية الادبية من خارج واقعه من أوربا كمن سبقه طه حسين وعلي جواد الطاهر الذي نرى عنده عبارة ذكية مُدركة للواقع النقدي الادبي العربي الحديث والمعاصر والواقع الثقافي برمته اطلقها علي جواد الطاهر إلا وهي عبارة  "الناقد المُنقذ".
واذا رجعنا الى مرحلة الستينات نجد النقد الادبي في العراق قد خاض غمار تجربة فكرية عنيفة جدا في ظل تلك الاجواء التي ذكرتها السطور السابقة، عندما صار التنظير النقدي للشعر العربي في العراق، لم يلتزم به أغلب ممن نظّروا له، تنظيرا يركن في اغلبه الى النظريات والمناهج النقدية الادبية الاوربية، والسبب في عدم تطبيق هذا التنظير على الشعر أو القصيدة الحديثة أنهم وضعوا القواعد النقدية الادبية قالبا جاهزا وأرادوا من انفسهم أن تطبقه وكأن العملية الابداعية صب قوالب جاهزة، فيما الإبداع الشعري يسبق النظريات النقدية عن طريق التجربة الانسانية للشعر ونشأة النقد الادبي الحديث بوصفه نظرية ومنهاجا، بينما إذا رجعنا الى النقد الادبي الاوربي الحديث فهو يركن الى النص الابداعي شعرا ونثرا في استخلاص النظرية النقدية والمنهاج النقدي له. بمعنى أن الابداع هو تجاوز للقيود والشروط الابداعية التي سبقت عصره وعليه أن يخلق قواعد إبداعية جديدة بواسطة نصه الادبي نفسه، وليس كما حدث في الستينات بأن جعلوا النظرية النقدية لشعرهم قبل الشعر وأجهدوا انفسهم في اتباع تلك القواعد، ومع الاسف مازال البعض يرى هذا صحيحا من حيث يعلم أو لا يعلم، فيسير بخطى واثقة وكأنه يحقق المستحيل عندما يضع قواعد مجرّدة يريد أن يطبقها الأديب شاعرا أو ساردا ناثرا؟! ثم النقد الاكاديمي في مراحله المختلفة كان وما زال مقلدا للنظريات النقدية الأدبية الغربية في حداثتها وما بعد الحداثة، فيما نرى القلّة اليوم يتخذ طريقا بعيدا عن الجامعات، ويريد النقد الادبي العربي القديم كما يحبون ان يطلقوا عليه مع العلم في عدم وجود نظرية نقدية أدبية عربية في الموروث الأدبي العربي بل توجد آراء مختلفة هنا وهناك قد تناسب هذا الحقل النقدي الادبي المعاصر وقد لا يوجد لها مكان فيه..
بعد هذا العرض وهذا الاستذكار المطوّل والتحليل فيه لم نجد نظرية نقدية أدبية عربية فتكون الاسئلة هنا هل ممكن؟ كيف؟ متى؟
وقبل التحفز للإجابة على هذه الاسئلة علينا جميعا أن نعي عدة أمور:
إن أغلب الموروث الادبي العربي هو إنتاج المرحلة العقلية الشفاهية منذ ما قبل الاسلام الى ما بعد الحرب العالمية الاولى، بمعنى أننا نملك موروثاً أدبياً شفاهياً تتجلى فيه العقلية الشفاهية على الرغم من تدوينه وكتابته في مرحلة التدوين العربية، بينما العقلية النقدية الأدبية تنبثق من عقلية كتابية تمارس وتعيش حياة يومية كتابية، من نتاجاتها التقدم الصناعي وهذا يتصل بعقلية الانسان وتحرره من عبودية التاريخ في مرحلة الزراعة، إذ يرى أبن خلدون: أن أخلاق الناس وتفكيرهم متصل بنوع عملهم، فيما يؤكد توماس الأكويني بدقة أكثر: أن عمل يد الانسان على آلة يطور تفكيره، والنقد الأدبي متصل بتطور طريقة التفكير عندنا على وفق تطور المجتمع وعلاقة يد الانسان بالآلة فتكون حياة المجتمع كتابية، حياة مدن حقيقية هادئة، حينها سيكون الموروث الأدبي الشفاهي لا علاقة له بحياة ذلك المجتمع، فالنظرية النقدية الأدبية في المجتمع ينجزها العقل المُفكر لكنه هو أحد أفراد المجتمع وهو ثمرة تطور تراكمي فيه من الزراعة الى الصناعة، إذ يفكر الناقد بطريقة انسانية بين أقران عصره في حرية كاملة لا تمنعها سلطة تابو أو سلطة نظام سياسي.
وللاجابة على متى؟
اذا كانت الانظمة العربية اليوم بين أقتصاد ريعي متطور لدول الخليج العربي، والإنسان العربي لا يعمل على آلة في مصنع بل يعيش المواطن بما يشبه حياة زعيم القبيلة قبل الاسلام يحمل تلك الصفات الاصيلة في الحياة الشفاهية لكن يؤدي وظيفة في مكتب. كيف سوف تتطور طريقة التفكير عنده بما ينتج نظرية نقدية أدبية؟ وبين الانظمة العربية التي تمنح قليلا من حرية التعبير عن الرأي، ومنها العراق ويظل الاقتصاد ريعيا من بيع النفط والسياحة، أو لديها مصانع قديمة لكنها تظل مرهونة بشروط صندق النقد الدولي الرأسمالي - المالي، بمعنى لا يشجع على إقامة مصانع جديدة حديثة في الدول النامية كما كانت تسمى. فكيف سوف يتطور المجتمع وتتغير طريقة التفكير بما ينجز نظرية نقدية أدبية؟ كما في مصر والمغرب وغيرهما.
وإذا كانت بعض الدول العربية لا توجد فيها أنظمة سياسية واضحة المعالم للتطور المدني والعلمي وداخلة في دوامات سياسية خارجية وداخلية كثيرة اضف اليها أزمات اقتصادية تعصف بقيم مجتمعاتها مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا، أو بعض الأنظمة العربية التي تدار بطريقة تجعل تفكير المجتمع وكذلك تفكير الناقد الحر مرتبكة، بدعوى الحريات العامة والخاصة لكنها تبث مفاهيم ثقافية أدبية هي في الاصل غير متبعة في دولها أو أنها أفكار مهملة، من مثل محاولة التأصيل لنظرية عدم إتباع منهاج نقدي في النقد الادبي العربي على اساس من مفاهيم رأسمالية - مالية، بذريعة أنها من نقد ما بعد - منها محاربة طريقة التفكير الممنهج المنتج في النقد الادبي .. لكن الجواب على هذه الفكرة هو لعدم إتباع منهاج نقدي هو منهاج قائم بحد ذاته، وهذا يحدث ومثله في بعض الدول العربية من شمال إفريقيا العربية، وغير المتطورة صناعيا أيضاً مقارنة بالصين مثلا، وهي ايضا خاضعة لشروط صندوق النقد الدولي.
أما التطور المنشود في هذه الورقة فيكون في مراجعة الموروث الادبي العربي وللاجابة على كيف وهل ممكن؟ فقد وجدتُ أن كتاب "طبقات الشعراء" أو التسمية الثانية له "طبقات فحول الشعراء" لمحمد بن سلام الجمحي المتوفى في بغداد (سنة 231 هــ‍ // سنة  846 م)، على الرغم من الشفاهية التي فيه إلا أنه يمكن أن يسهم بتطوير القصيدة العربية (العمودية – ذي الشطرين) والسبب في ذكره وذكرها هنا على الرغم من ان تلك القصيدة تمثل الحياة الشفاهية للعرب ببنائها الفني وشكلها الادبي إلا أن الواقع الشعري العربي اليوم ما زال ينتج تلك القصيدة، إذن الواقع يتطلب المساهمة بتطويرها من خلال إيجاد نظرية نقدية عربية خاصة بها على ان نضع في الحسبان ان القصيدة العربية العمودية تسمع ولا تقرأ في كتاب ورقي لأن الشاعر الذي انتج تلك القصيدة لم يدونها بل كان يقولها مشافهة من لسانه الى أذن المتلقي، وهذه متصلة ببنائها وشكلها الفني وهي متصلة بالحياة الشفاهية التي مازالت مستمرة اليوم.
أما غير هذا من الادب العربي الحديث والمعاصر فلا نظرية نقدية أدبية له إلا عن طريق النظريات النقدية الحديثة الغربية بما يناسب النص الادبي العربي دون قيود مسبقة من حيث "الناقد الحر" الذي يمتلك اطلاعاً واسعاً على الفلسفة ومدارسها وجميع النظريات النقدية الادبية الغربية او اغلبها ومناهجها والفرق بينها، أن يكون له معرفة بـ الموروث الادبي، فيتعامل ذلك الناقد مع النص الابداعي بما فيه، فيستل نقده للنص من خلال عقله وطريقة تفكيره الموضوعية بما يناسب.
أو عدم الارتكان او الاعتماد على تلك النظريات الغربية شرط التطور الصناعي السريع ونهضة عمل صناعية حقيقية وحرية كاملة في التعبير والكتابة للشعوب العربية، وربما نجد الجواب الانجع على الاسئلة: هل ممكن؟ كيف؟ متى؟ عبر الواقع ومتغيراته الاقتصادية والاجتماعية.
هوامش:
(1)          وليليك، رنينيه، ( تأريخ النقد الأدبي الحديث  1750 – 1950 م)، ترجمة، مجاهد منعم مجاهد، الكتاب في الانترنت.