أيلول/سبتمبر 12
   
  لم يكن موضوع الإبراهيمية يبتعد عما أفكر به منذ سنوات، ولاسيما وهو يدخل ضمن اختصاصي الأكاديمي. فكنت أقف طويلا عند المصطلح الذي بدأ تناوله في السنوات الاخيرة (الإبراهيمية) فكّرت مليا خشية ان يقع ما اطرحه ضمن ما درج على تسميته (نظرية المؤامرة)، ولكن هناك عوامل عجلت بطرح هذا الموضوع منها:
أولا، إهتمام الدراسات العربية والعالم الاسلامي بالموضوع، وبيان مدى خطورته دون أدنى اهتمام من قبل الباحثين العراقيين فقد طرق هذا الموضوع بشكل مفصل من قبل الباحثين ولاسيما المصريين منهم. وتضمن نشاطهم في (اصدار كتب وإقامة ندوات وابحاث تخصصية) فضلاً عن تبني مراكز بحثية مثل (مركز دراسات الوحدة العربية) نشر النتاجات المتخصصة بهذا المجال. وجدت هناك من يتكلم بالنيابة عن العراق في ما يتعلق بالمشتركات الحضارية بين حضارتي (وادي الرافدين ووادي النيل) ومدى علاقته بموضوع الإبراهيمية. لقد انتظرت من ذوي الاختصاص التاريخي والآثاري والاختصاصات المختلفة طرح الموضوع ليسجلوا اسبقية علمية يشار إليها في الابحاث ولكن للأسف افتقرت الصفحات الثقافية على مختلف تنوعاتها لإشارة الى هذا الموضوع المهم الذي جوهره يتعلق بالعراق أولاً وأخيراً.
ثانيا، اتفاق التطبيع (البحريني - الاسرائيلي) و(الاماراتي - الاسرائيلي) في عام 2020. الذي رعته الولايات المتحدة الامريكية ورئيسها حينها (دونالد ترامب) ومستشاره (جاريد كوشينر). وقد اطلق عليه (إتفاق ابراهيم)، الذي تضمن تسوية العلاقات بين البلدين وعلى وفق التمثيل الدبلوماسي والسياحي والتعليمي والرعاية الصحية والتجارة والأمن.
 ثالثا، تصريح الدكتور أحمد الطيب (شيخ الأزهر) في نيسان 2021 لمناسبة تأسيس بيت العائلة المصرية الذي قال: "في ظل التوجهات التي تنادي بالإبراهيمية او الدين الإبراهيمي نسبة الى ابراهيم ابي الانبياء ومجمع رسالتهم فهذا التوجه او هذه الدعوة مثل قبلها كدعوة العولمة ونهاية التاريخ والاخلاق العالمية وغيرها من الدعوات تبدو في ظاهر أمرها دعوة للإجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات وهي في حقيقة الأمر دعوة الى مصادرة أغلى ما يمتلكه بنو الانسان وهو حرية الاعتقاد وحرية الايمان والإختيار. .... نحن لم نرَ حتى هذه اللحظة هذا الوليد الابراهيمي الجديد ولا نعرف شيئاً عن ملامحه وقسماتهِ.. هل المقصود تعاون المؤمنين بالأديان على ما بينها من مشتركات وقيم إنسانية نبيلة او المقصود صناعة دين جديد لا لون له ولا طعم ولا رائحة.... فالدعوة فيها أضغاث أحلام أضعاف.. أضعاف ما فيها من الادراك الصحيح لحقائق الامور وطبائعها"(1). فإثارة الشك في هذه الدعوة لم تقتصر على شيخ الازهر فقط وإنما صرح (القمص بنيامين المحرقي) الاستاذ في (الكلية الإكليريكية) في مصر أنها دعوة مسيسة تحت مظهر مخادع وإستغلال الدين قائلا: "لا أحد يقبل مزج جميع الديانات تحت ديانة واحدة، ولن تقبله أي من الديانات خاصة المسيحية والاسلام، لأن معناها العودة الى اليهودية، وقد تحدث فرقة داخل المجتمع"(2).
رابعا، تبني مؤسسات ومثقفين في العراق هذه الدعوة ضمن فعاليات وكتب بمختلف الاصناف المعرفية تؤطر الأفكار الاساسية لها ضمن طروحات غير معلنة بشكل واضح وبخطوات تدريجية ظاهرها ثقافي بحت وجوهرها تثبيت مبادئ الدعوة الإبراهيمية.
خامسا، إهتمام الدعوة بالعراق بوصفه المحطة الاولى لانطلاق المسار الإبراهيمي الجغرافي الذي يتمثل بوجود الآثار الحضارية لمدينة (اور) وزيارة البابا في آذار 2021 لهذه المدينة وأداء الصلاة الابراهيمية فيها.
  مفهوم الابراهيمية:
 "يقصد بـ (الابراهيمية) او الايمان الابراهيمي نسبة الى النبي إبراهيم عليه السلام (أبو الانبياء) والمقصود به القواسم المشتركة والتشابهات بين الأديان الثلاثة (اليهودية – المسيحية – الاسلام)، والافادة منها من أجل تحقيق سلام ديني عالمي قائم على الضمير الجمعي العالمي ويعي أصحاب هذا الطرح وجود اختلافات جوهرية بين الاديان الثلاثة إلا أن الديانة الإبراهيمية، تؤكد على الأسس المشتركة بين الاديان الثلاثة، ومنها عقيدة التوحيد والقيم المشتركة كالمحبة والإخاء والتسامح، والمقدسات المشتركة خصوصا مدينة القدس والنبي ابراهيم داخل الأديان الثلاثة كمرجعية روحية"(3).
إن الاهداف التي تقوم عليها الإبراهيمية هي(4):
  1. الالغاء التام لثقافة وعقائد الشعوب وابادة الأديان السماوية وهدم والغاء المرجعيات الدينية، والترويج لتأسيس فكرة حاكم واحد يحكم العالم. وان تكون تابعا للآخر وهو لا يعترف بك، وان هدفه ان يضمك إليه. وعلى وفق التسلسل التاريخي للأديان (اليهودية – المسيحية – الاسلام) فيكون الاقدم هو صاحب السيادة وهي اليهودية.
  2. زعزعة الثقة والهدم بالمسلمات الدينية والتشكيك في القرآن الكريم من خلال معاهد ومراكز بحثية مثل معهد (إنارة) في المانيا. وعدم الاعتراف بحقيقة تاريخية تثبت انه ليس عليه دليل مادي (أثر) ضمن (علم آثار جديد) وبالتالي شككوا في وجود الانبياء وبخاصة النبي محمد (ص) وأن المقصود في الاية الكريمة "سبحان الذي أسرى بعبده" هو سيدنا موسى.
  3. شيوع مصطلحات عامة (التنمية المستدامة) و (المحبة) و(التعايش) و (السلام العالمي) و(تعزيز السلم في المجتمعات) و (التسامح العالمي) و (الاخوة الانسانية) و (الحب والوئام) و(المشترك الابراهيمي) و(المواطن العالمي) و(المواطنة العالمية) و(جميعنا أبناء إبراهيم وتجمعنا القيم الانسانية).
 
اما مقومات الدعوة الابراهيمية فهي(5):
  1. وضع ميثاق تكون له القدسية الدينية كبديل عن المقدسات السماوية ويُنحّى الخلاف والفواصل. فبعد رفض وجود اي دور للدين في العملية السياسية والدعوة الى فصل الدين عن السياسة، ادى الى تغيّر وتطور دور الدين ليكون مدخلاً للحل والتسوية ولتكون الإبراهيمية أحد أبرز أركان المقدسات السماوية.
  2. تأمين (مسار ابراهيم) وهو الطريق الذي سلكه النبي ابراهيم وعائلته منذ (٤٠٠٠) عام مضت، الذي بدأ من حران – تركيا حيث كلفها الرب بالخروج والتنقل للمرور بالعديد من المدن التي تتقاطع مع تسع دول (تركيا، سوريا، العراق، مصر، الأردن، لبنان، السعودية، فلسطين، ايران) وفقاً للمسيرة السماوية. ان هذا المسار يتطابق مع خارطة (اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات) التي نشرت مع مبادرة مسار ابراهيم التي نشرتها (جامعة هارفرد)، وتكمن خطورة هذا المسار في أن عائدية ملكية ارض المسار ليست لشعوب المنطقة او حكوماتها وإنما هي مناطق مدولة فتنضمر معها سيادة الدول التي يخترقها ارض المسار فلا تعد لهذه الدول سيطرة او سلطة عليها.
  3. اقامة اتحاد فيدرالي يجمع (18) دولة مع اسرائيل وتركيا وايران معاً وسيعرف باسم الولايات المتحدة الابراهيمية أو (الارض المقدسة) ومع الاشارة الى ان منطقة الشرق الاوسط هي منطقة شديدة الجفاف في المستقبل، فيكون تجمع كل الاطراف في الأرض بين نهري دجلة والفرات ونهر النيل.
  4. انتشار (مراكز الدبلوماسية الروحية) التي تتبنى الافكار (الابراهيمية) في أنحاء العالم بين معاهد اكاديمية ومؤسسات مجتمع مدني وجمعيات طلابية لبناء الكوادر الجديدة وجميعها تهتم بالتأصيل النظري للفكر الجديد (الإبراهيمية) فضلا عن استحداث عدد من الأدوات العلمية التي توظف على ارض الواقع منها: اليونسكو، والسياحة الدينية ومشروعات ريادة الاعمال للتواصل مع الشباب والتعاونيات النسائية.
  خطوات آثار (الإبراهيمية) في الثقافة العراقية التي تقوم بتهيئة الارضية للأفكار الإبراهيمية:
  1. بروز الشخصيات اليهودية في الصنوف الابداعية (القصة والرواية والشعر). فقد غدت ظاهرة تشمل أجيالا ادبية مختلفة. تتناول هذه الصنوف الابداعية هذه الشخصيات في بيئة تتناقض تماماً مع ما هو سائد واقعياً مما يؤدي الى خلق حالة من السخرية في تناول احداث غير طبيعية بل انبرى بعض النقاد وهم يكيلون المدح لهذا الصنف الهجين من المعرفة.
  2. الدعوة والاهتمام بشخصيات جدلية في مجتمعاتها في ما يتعلق بموضوعات تطبيع العلاقات مع اسرائيل والطعن بالمعتقدات الدينية ومناقشتها ضمن مفهوم (التنوير) وانجذاب الشباب لهذه الشخصيات. وافراد اعداد من الدوريات الثقافية الي تناولت افكارها واتجاهاتها، وجعلها المحور الاساسي في هذه الدوريات في حين يكون نصيب الاديب العراقي محاورة هذه الشخصيات مما ادى الى تقزيم الاديب العراقي في مقابل هذه الشخصيات.
  3. الانجراف الاعلامي مع ما هو سائد من افكار مطروحة في ما يتعلق بمدينة (اور) وعدم الرجوع الى ما تم تناوله من قبل أعلام عراقية مهمة بخصوص هذه المدينة وعلاقتها بالنبي (ابراهيم). والذين سنتناول طروحاتهم التاريخية القيمة في مقالات لاحقة مثل (طه باقر واحمد سوسة وسامي سعيد الاحمد) مع مقارنة تاريخية للطروحات الغربية لهذه الدعوة.
  4. بروز أسماء مفكرين في فلسفة الدين والتاريخ تدعي التنوير والتدين وتأخذ في إعادة تأويل النصوص الدينية ونصوص التفسير وتقوم بطرح رؤى مبهمة وبعبارات تحمل التأويل دون جزم مع سيل من المطبوعات المنشورة لها خارج العراق، واثارة موضوعات دينية – صوفية تصاغ بعبارات منها (شفرة اللغة الروحية، جغرافية الأديان، وفاء الاعتقاد، الانساق الاعتقادية، عزرا).
  5. منح الجوائز لادباء ومفكرين عراقيين وبمبالغ خيالية خارج العراق فهم مؤهلون ليلعبوا دوراً مهما في مشروع الابراهيمية، بل هناك شبكة تواصل بين هذه الشخصيات فتجدها في ندوات وحوارات ودعوات رسمية خارج العراق تحظى باحتضان مؤسسات رسمية عليا.
 
الهوامش:
(1) د. احمد الطيب: كلمة القاها في احتفالية بيت الدين في مصر   
(2) (القمص بنيامين المحرقي): حديث  لصحيفة الوطن 8/11/2021 
(3) د. هبة جمال الدين: المراكز الابراهيمية تعد كتابا (مقدس) جديدا والصراعان (العربي – الاسرائيلي) و (السني – الشيعي) على قمة أجنداتها. 13 مارس 2018
(4) د. مصطفى عبد الوارث: الإبراهيمية الجديدة والمستقبل العربي (ندوة)،6 تشرين الثاني 2021.  
(5) ياسمين قعيق: قراءة في كتاب الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي. المخطط الاستعماري الجديد للدكتورة هبة جمال الدين، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2021.