أيلول/سبتمبر 12
   
 
         كثرة الإنتاج وحيز التخصص وسؤال الاختيار                  
    يمتاز الفن التشكيلي العراقي بكثرة إنتاجه وثراء مدياته المتنوعة في العراق وخارجه، وهذا ما دفع رئيس الجمعية الفنان قاسم سبتي الى الاشارة الى ان المعرض السنوي لعام 2022 يختلف بالتوصيف حين اقتصر على جنس الرسم دون الاجناس الاخرى نزوعا نحو التخصصية في العرض. اضافة الى ان المعرض لا يضع حدودا للمجايلة فاتحاً الأبواب للجميع رهانا على مستوى الأداء الفني، فنجد في المعرض عاصم عبد الأمير وقاسم سبتي وعباس هاشم ومكي عمران وعشتار جميل حمودي ومراد ابراهيم في حفلة متعة جمالية، تحوز رضا عين المشاهدة والمعاينة النقدية في فضاء واحد، تسبح فيه إبداعات الفن التشكيلي العراقي.
 ولعل ما سبق في القول يفتح بابا للسؤال عن كيفية الاختيار وسط انفتاح فني واسع داخل الجمعية وفروعها التي تزداد في المحافظات، وما يشفع للجنة المكونة من مشارب مختلفة في الرؤيا النقدية والانجاز الفني على قماشة اللوحة (قاسم سبتي و حسن ابراهيم و جواد الزيدي وفاخر محمد و باسم العسماوي و صلاح هاد) في أنها تعاملت مع ذائقة عامة تعرف بخبرتها مسارات الفن التشكيلي العراقي، اضافة الى المقاييس الجمالية وفق الدرس الأكاديمي في التنفيذ واحترام مديات التجريب، وهذا لا يعني انفراد كل فنان في إطار مدرسة خاصة دون غيره، بل هناك في اكثر الاحيان اصطفاف في الإنشاء والتوجه بين أكثر من فنان، ولو بدون التقاء او اتفاق فني معلن.
 واذا بدأنا من المساهمة النسوية في المعرض فإن لوحة الفنانة (انترانيك اوهانسيان) ذهبت نحو الموضوع الأثير عن الفنانات في اظهار الشكل الأنثوي الطاغي على لوحاتهن، كما ظهر في لوحة الفنانة سؤدد الرماحي والالوان السائحة التي تغطي العلاقة الاثيرة بين الرجل والمرأة، واختفاء ملامح الأنثى في لوحة الفنانة عشتار جميل حمودي خلف زينة المكان الفلكلوري، وما دمنا في اللوحة الانثوية ان جاز التعبير، فإن لوحتي الفنانة شفاء هادي تقعان في فضاء الراحلة نزيهة سليم ومنحنيات الوجوه والرموز العراقية، واختلاط الرموز والجنوح نحو التعبيرية في لوحة الفنانة فلورا تركي، فيما ذهبت الفنانة منى مرعي نحو عالم الدراجة الهوائية كمفردة شاعت عند أكثر من رسام عراقي وان امتاز فيها لفترة طويلة الفنان محمد مسير كعلامة فارقة، وذكرتنا لوحة الفنانة ميساء محمد بصياغات طارق مظلوم ومدى الرؤية الواسعة في الرموز العراقية وكأنها توثيق آثار بملامح اسلامية، وبدت لوحة الفنانة ايمان الشوك وكأنها قطعة من المتحف المصري برموزها القريبة من الحضارة الفرعونية وطغيان اللونين الأصفر و الرمادي، وانفردت لوحة الفنانة سماح الآلوسي باعتمادها السريالية وكتلها البارزة وتعدد الأطراف البشرية لشخصية تندفع نحو ضوء الشباك بتنفيذ مقتدر، وتبقى لوحة الفنانة الراحلة يسرى العبادي متفردة في رموزها الطفولية واستطالة شخوصها وبهجة الوانها الطاغية لتشكل ملمحا فنيا نسويا في الفن العراقي المعاصر.
 هناك من شكّل بصمته الفنية فبات يعرف من التكوين العام واللون والموضوع، فكانت لوحة الفنان اياد الزبيدي المكتظة بالزخارف الفيروزية والنساء المختبئات خلف موزائيك الشذر واللون الاخضر المبهج وهي واحدة من رسوم المرحلة التي غادرها لاحقا إلى مرحلة الابيض والاسود المرصعة ببعض الألوان في نقاط مختارة داخل اللوحة.
ويبقى الفنان حسن ابراهيم مصرا على مرحلته اللونية بألوانها الهادئة والاعتماد على الكولاج مبتعدا عن تميزه في الواقعي ورسم الخيول وهذه واحدة من مكابدات الفنان للوصول الى هوية مميزة وبصمة خاصة ينفرد بها في سعي يتجدد في كل معرض. ويتمسك الفنان قاسم سبتي باستثمار المواد المتنوعة لخلق أكثر من أفق داخل اللوحة وكأنه يزيح الرمال عن عاصفة ماثلة في المشهد مما يفسح مجالات كثيرة للتأويل وكأن هناك مراكب صغيرة تشرف عليها جبال راسخة بعيدة وفق تباينات لونية مستقرة. وعلى الرغم من الاجتهاد النقدي المميز والسعي في الدرس الأكاديمي إلى مداه الارحب، فإن الفنان عاصم عبد الأمير لم يغادر طفولة الرسم وبراءته، وحين ينجز لوحة يبدو سطحها عريق في القدم، وما فعله الفنان هو الخربشة الطفولية بالفحم والوان اخرى فوق سطح اللوحة مشاكسا وجودها ويستعين أحيانا ببعض الحروف المبعثرة وهذه واحدة من سمات فنه التي تشير إليه دون غيره.
ويرسخ الفنان فاخر محمد مسعاه منذ فترة طويلة في انشاء مواضيع إنسانية تعتني بوجود الإنسان داخل محيطه فهو اما غارق مع اسماك محيطه الواسع او محلق في فضاء طيوره الاسطورية، وفي لوحته المشاركة ثمة سيارات منطلقة باتجاهات متقابلة يخيل إليك أنها ذاهبة نحو مناسبة اجتماعية أو رحيل مفاجئ في مساحة تأويل واسعة بألوان مفرحة بهيجة تحيط بها الزهور من كل جانب. وكما هو دأبه يقدم لنا الفنان مكي عمران لوحة مزدحمة بحيوات شخوصها كأنها تتسابق لإظهار وجوهها وسط حشد من الخطوط المشتبكة، اللوحة عند عمران عبارة عن كد صعب لإشهار صرخة مكبوتة، حتى ان زحمة التكوينات تجعلها قريبة من فن الجداريات بتنوع رموزه وكثافة حضورها. ويبقى الفنان ستار لقمان عاشقا للطبيعة، وبطل لوحته قمة جبل تقف متأملة الافق البعيد وكأن عين الفنان غير بعيدة عن القمة، وهي ترسم غيمة ملونة في سماء فسيحة لا حدود لها. ونتعرف على الفنان محمد علي جحالي دائما من خلال إصراره على التجريب في انطباعية تحتفل بفراغات الكتل السوداء التي تملأ مساحة لوحته بالكامل. فيما يبقى الفنان علي طالب أمينا للمدرسة البغدادية واقواسها التي لم تغادر رموزها رغم انتمائها لفن التجريد الخالص.
ولا تحتاج لوحة الفنان المميز مؤيد محسن الى كثير معاينة لمعرفة توقيع الفنان فهو ينفرد بطريقة تنفيذه التشخيصية وانشاء الرموز السريالية في مقدرة أكاديمية تجسدت في معارضه الفردية والمشتركة، اضافة الى حكاياته الانسانية ورسائله التي تشير إلى أحداث معاصرة يعيشها بمرارة انساننا المعاصر. وغير بعيد عن مؤيد محسن جنح الفنان بسام ضياء إلى الاستفادة من صورة الموناليزا وقد طمرها في الرمال مغطاة بالحصى وأعقاب السجائر، يعتمد هذا الفن في النتاج العراقي على المثاقفة التي ترافق تأويل اللوحة. ويقترب منهما الفنان تحسين الزيدي حين وضع الاجساد البشرية في الآنية الشفافة التي يربى فيها السمك وهم يتوزعون بين الخروج الى فضاء الحرية والاستقرار في قاع الزجاجة بحركات توحي بالمعاناة والتأسي. فيما يمزج الفنان معراج فارس بين فن السريالية والبوستر واضعا انسان لوحته وسط قنوط بحركة تجعله منفصلا عن محيطه المعاش وفق مقدرة ودربة لونية تحسب له في كل ما يرسم.
ويشترك الفنانان وسام جزي ووضاح مهدي في تضخيم الجسد البشري وبث الرموز بألوان حارة، وكأنها تحاول الخروج من إطار اللوحة لتصبح جزءا من حائط القاعة وكأنها رسمت للتو. ويتشابه المسعى الفني لدى الفنان علي هاشم محسن وناجي حمد في طريقة الانجاز الفني التي تقترب من فن الرسم المقترن بعملية التنفيذ التي يعقبها المحو أو الخربشة بقصدية لإظهار التكوينات المختبئة تحت الألوان، حيث تظهر تكوينات اشورية عند علي هاشم والطفولية عند ناجي حمد. كذلك وضح الاشتراك في تكوين حركات الشخصية داخل اللوحة عند الفنان باسم العسماوي والفنان تركي عبد الامير وكأنهم بشر هاربون من محرقة وهم يتدافعون للخلاص من مصير مجهول يحيق بهم.
وتظهر لوحات الفنان خليف محمود واحمد خليل وعدنان عباس ومراد إبراهيم المزج بين التكعيبية والواقعية والتعبيرية في استثمار مفردات المدينة من بنايات والباص الأحمر ذي الطبقتين، ويتجلى التمكن عند مراد ابراهيم في عملية المزج دون بروز الخطوط المتداخلة عبر إتقان اللون وتدرجاته المريحة. فيما يطرح الفنانون احمد الطالباني وحامد سعيد وحسين مطشر وحسن فالح وحسن عبد الشهيد وحسين هاشم وحيان عبد الجبار ورفعت طاهر وزياد جسام وصالح النجار وصباح العزاوي وصباح حمد وصلاح هادي وعبد الجبار الملي وعلي العبدلي وعلي حسين ومحسن الشمري ومحمد جاسم الزبيدي ومحمد حاتم ومطيع الجميلي ومهند عمران وهاشم حسن وابراهيم حسين وموسى عباس ومعن كرماشة ومثنى طليع وعلي هاشم صالح، نماذج من أعمال فنية اجتهدوا في معارضهم الشخصية على إبراز هوية تمثلهم في الفن الانطباعي والتجريدي في براعة تمثل خصوصية كل فنان بجدارة وبراعة. في كل معرض سنوي تنجح جمعية التشكيليين في صناعة وثيقة فنية تضاف الى الارشيف الكبير للفن العراقي التشكيلي.