مقابلة مع الدكتورة لاهاي عبد الحسين

الثقافة الجديدة: على الأهمية الكبيرة لهذه الجزئية لكن في أحيان كثيرة يتم اختزال قانون الأحوال الشخصية في قضايا الزواج وما يرتبط بها بينما يكون الخوض في التفاصيل الأخرى قليلاً، أو يتم تناسيها تماماً. يفترض بالأحوال الشخصية أنْ تنظم بقانون شامل. قانون ينظم حياة الإنسان منذ ولادته وعلاقته بوالديه مروراً بقضايا الزواج والطلاق والحضانة، وانتهاءً بالوفاة والمواريث. بالنسبة إلى البعض فإنّ مقترح القانون الجديد يلخص بـ "الزواج خارج المحكمة، زواج القاصرات"، برأيكِ لماذا هذه الاختزالية ولماذا لا يتم التطرق إلى القضايا والتفاصيل الأخرى بذات الروحية!
د. لاهاي: كانت تلك واحدة من القضايا التي أشير إليها من قبل المتضلعين في القانون والفقه الإسلامي فيما يخص ما يمكن أنْ يترتب على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، في حال تمريره. مما لا شك فيه فإنّ منع الزواج خارج المحكمة قانوناً يعتبر من أهم الإنجازات التي حصلت عليها المرأة العراقية منذ صدور القانون قبل أكثر من ستين عاماً. فقد عانت آلاف النساء العراقيات من الظلم والتعسف وعلى مدى أجيال بسبب السماح أو التغاضي عن عقد الزواج خارج المحكمة. إذ يحدث أنْ يتخلى الرجل عن زوجته وينكر صلته بها حتى وإنْ كان لديها ذرية منه. يضحي الزواج خارج المحكمة بمصالح النساء الأكثر هشاشة من الفقيرات واليتيمات وصغيرات السن، ويجعلهن لقمة سائغة لمن يمكن أنْ يعبث بمصائرهن. يمثل الزواج خارج المحكمة نذير شؤم مؤكد للنساء العراقيات، ودعوة مفتوحة لمخاطر التفريط بحقوقهن الإنسانية المشروعة، ويستهدف حتماً ذوات الطبقات الفقيرة والشابات ممن لا يحظين بالعناية العائلية والاجتماعية اللازمة بسبب الفقر واليتم أو النزوح والتشرد أياً كان شكله ومصدره. لطالما اعتبر الزواج خارج المحكمة جريمة بحق الفتيات المستضعفات مادياً وقرابياً لأنه لا يضمن لهن حقوقاً على الصعيد الشخصي والعائلي ويدفع بهن لمخاطر الاستهانة والابتذال بكل ما يترتب على ذلك من تجاوز للمسؤوليات التي يحتمها الزواج وانتهاك للحقوق المتفق عليها. ويصبح الأمر أكثر خطورة في حال حصول حمل وولادة أطفال. من السهل على الرجل الذي لا يشعر بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، ولا يخشى سلطة القانون أنْ يتخلى عن مسؤولياته ويترك المرأة التي شاركته شطراً من حياته تواجه مصيرها تاركاً إياها لمخاطر حياتية جمة. وهو مصير سيء، لا منجاة فيه من حيث أنّ المتضررات من الزواج خارج المحكمة في الغالب من صغيرات السن والنساء المعدمات اقتصادياً ممن لا تتوفر لهن القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواليدهن وعوائلهن. لذلك فقد عدّ منع الزواج خارج المحكمة في قانون الأحوال الشخصية الساري رقم 188 لسنة 1959 مادة مهمة ومنجزاً عظيماً لحماية مصالح شريحة واسعة من الفتيات والنساء المستضعفات اجتماعياً واقتصادياً. يبشر مقترح التعديل المطروح بمصادرة هذه المادة التي طالما مثلت بارقة حماية قانونية، وإن كانت نسبية. أما زواج القاصرات فهو وصفة للاستغلال والمهانة للفتيات ممن لم يتأهلن بعد لقيادة حياة عائلية ناجحة وسليمة. معروف من وجهة النظر العلمية الطبية أنّ القاصرات أكثر عرضة للإسقاط في حالات حصول الحمل لضعفهن البدني والصحي مما يعرضهن لما يسمى علمياً "وفيات الأمهات"، والتي تسجل 46 لكل 100 ألف حالة ولادة حية في العراق حسب مصادر وزارة التخطيط العراقية لعام 2023. وهذا معدل عال ويدل بوضوح على ارتفاع حالات الزواج المبكر أو ما يصطلح عليه بزواج القاصرات في العراق. يضاف إلى ذلك انعدام الاستعداد الاجتماعي والأدبي مما يعرضهن لاحتمالات الاستغلال الأخلاقي والاجتماعي. بالنتيجة فإنّ القاصرات أكثر عرضة للإصابة بأمراض الشيخوخة المبكرة كالضغط والسكر وهشاشة العظام والالتهابات التناسلية. يذكر أنّ شريحة القاصرات تمثل ما يقدر بثلث نسبة النساء اللواتي يتزوجن دون السن القانونية لأسباب اجتماعية وعرفية واقتصادية. توضح هذه الحقائق بعضاً من أسباب الاهتمام والتركيز على فكرة الزواج خارج المحكمة وزواج القاصرات.
الثقافة الجديدة: ذكرتِ في احدى مقالاتك التي تناولتِ فيها مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية أنّ المقترح يختزل حل مشاكل النساء العراقيات بفكرة الزواج، والزواج المبكر على وجه التعيين. لماذا، هل لكِ تعميق هذه الفكرة خصوصاً أنّ عملية اختزال، بل مسخ، هوية المرأة الإنسانية، إلى كينونة ذات بعد واحد، هي "الجسد" ما زالت مستمرة، ليس في العراق فحسب وانما في العديد من البلدان الإسلامية.
د. لاهاي: كان هذا تعليقاً على كم المناقشات والجدالات التي عمت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام التي انخفضت بالقضية إلى مجرد "زواج" و"زواج مبكر" و"حضانة"، وكانت كلها حجج واهية وكاذبة. فقد ادعى البعض من النواب والأشخاص الذين دعموا مقترح التعديل أنهم يريدون انصاف المرأة واعانتها وحل مشكلاتها عن طريق استهداف التغيير المقترح لقانون الأحوال الشخصية الساري. لقد أدار هؤلاء الذوات ظهورهم وحولوا عيونهم عن متطلبات الحياة القويمة للنساء العراقيات من خلال التعليم وتوفير فرص العمل والتحرك لوقف حالات بل وسياسات التفرقة والتمييز المعلنة وغير المعلنة التي تمارس ضد النساء العراقيات وتحط من امكاناتهن وتصغرها، وبالتالي تحرمهن من فرص عمل يتأهلن لها. تصور هؤلاء أنهم سيحلون مشاكل النساء من خلال تدخلات غير مسؤولة في تنظيم أحوالهن الخاصة. اهتموا على سبيل المثال بالزواج المبكر معتقدين أنّ ذلك سيضع حداً لتدهور الأحوال الاقتصادية ويقدم عوناً للعائلة من خلال تخفيف العبء المادي عنها. واعتقدوا أيضاً أنّ "الزواج المبكر"، سيقدم ضمانة ضد التدهور الأخلاقي والقيمي. لم يفكر هؤلاء بتقديم مشروعات قوانين لمساعدة العوائل الشابة التي تتحمل أعباء رعاية أطفال صغار بالسن ومساعدتهم على تقديم ما يحتاجونه معيشياً وتعليمياً. كما إنهم اعتقدوا بإمكانية معالجة التجاوزات الأخلاقية والقيمية من خلال الزواج دون إدراك أنّ الزواج المبكر وغير المناسب، والذي لا يقوم على الاختيار الحر للأفراد سيكون لعنة على من يمارسه ووبالاً على من يظن أنّه الحل. ليس هذا فقط بل إنه سيفتح بوابات الانهيار الأدبي والأخلاقي على مصراعيها. أضف إلى ذلك فقد ربط البعض بين ارتفاع معدلات الطلاق وسهولة الحصول على حق الحضانة، واستكثروا على الأمهات العراقيات أنْ يحصلن على الأولوية بحضانة الأطفال عند الطلاق حسب القانون الساري. وقد أخطأ هؤلاء لأنهم هوّلوا من معدلات الطلاق في العراق ونسبوا أسبابها للنساء فقط. يذكر إنّ معدل الطلاق في العراق يعتبر ثاني أوطأ المعدلات في المنطقة بعد المملكة العربية السعودية (14٪)، يليها العراق (23٪). هذا فيما سجلت معدلات الطلاق في بلدان مثل اليمن 50٪، وفي سوريا 40٪ وفي الكويت 40٪، وفي إيران 32٪، وهو 30٪ في تركيا والامارات العربية المتحدة على التوالي، وسجل المعدل في كل من البحرين ولبنان 27٪ على التوالي. من جانب آخر، فات هؤلاء احترام حقيقة أنه لا وجود لأم أو زوجة مستعدة للتضحية بحياتها الزوجية على افتراض سهولة الحصول على الحضانة. فالزوجات والأمهات أكثر إدراكاً لمخاطر التفريق والانفصال من هذه الناحية والنواحي الأخرى مما يتصور هؤلاء. وهناك جانب آخر مهم وهو الذي يتمثل في أنْ يسمح مقترح التعديل بالزواج المؤقت أو "زواج المتعة"، وهذه دعوة صريحة للاستهتار الأخلاقي والفساد مما لا يقبله العراقيون لبناتهم وأخواتهم. المرأة لا تشعر بالضمانة والاطمئنان في أحسن الأحوال وبرعاية قانونية وعالية في ظل حالات الظلم التي يمكن أنْ تتعرض لها فكيف بالزواج تحت هذه المظلة: الزواج المؤقت! لا يغيبن عن البال أنّ هذا النوع من الزواج مرفوض اجتماعياً وأخلاقياً في المجتمع العراقي ويمكن أنْ يساهم بمشاكل لا حصر لها. بل إنّ السماح لهذا النوع من الزواج سيخلق حالة توتر وقلق لدى ملايين الرجال العراقيين بسبب انتشار التحرش وممارسته على مستوى المؤسسات التعليمية والعمل مما يكشف عنه بين فترة وأخرى. وقد تكون أخطر هذه المشاكل المساهمة بارتفاع عدد المواليد غير الشرعيين مما يساهم بتوسعة فئة اجتماعية منبوذة في مجتمع يولي اهتماماً كبيراً بالأصل والفصل وصحة النسب. ونحن هنا نتكلم عن الدواعي الواقعية لما يمكن أنْ يحدث وليس عن النواحي الدينية النظرية التي تصور الأمر كما لو أنه محكوم بقيم ومقاييس ثابتة ومتفق عليها بين الطرفين المعنيين، المرأة والرجل. هناك بون شاسع بين الواقع والنظرية في العادة، وهذا ما لم يهتم به دعاة مقترح التعديل. من وجهة النظر العلمية وبقدر تعلق الأمر بالسلوكيات الاجتماعية فالناس يقولون ما لا يفعلون مما يحتم أخذ هذا بنظر الاعتبار واستشارة نتائج العلوم الاجتماعية في هذا المجال.
الثقافة الجديدة: يبدو أنّ مقترح التعديل سيسهم بتنامي الدور الذي لعبه وسيلعبه رجال الدين مجتمعياً – وحتى سياسياً – في الفترة القادمة. هل لكِ أنْ تسلطي الضوء أكثر على الدور الذي يمكن أنْ تلعبه شريحة رجال الدين مجتمعياً عند امتلاكهم زمام مثل هذه السلطة! خصوصاً لجهة منافستها لدور القضاء ورجال القانون من جهة، والسياسيين من جهة أخرى. يبدو أننا أمام مرحلة جديدة من علاقة العمامة والافندي!
د. لاهاي: لا يبدو فقط بل إنّ مقترح التعديل هذا يهدف بوضوح وبحسب محامين وقضاة واجتماعيين ومثقفين إلى خلق سلطة ظل للقضاء الرسمي، ويمثل منافساً لا شرعياً لها بحسب مقاييس الدولة وقواعد مؤسساتها. سيعطي مقترح التعديل المجال لمن يريد أنْ يتحايل على القانون ويشرعن تصرفاته الشخصية ويتفادى في الوقت نفسه حكم القانون وسلطته. وهناك أنباء عن تأسيس "معهد القضاء الشرعي" بدعم من المرجعية الدينية في النجف لإعداد قضاة يحكمون وفق الشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية كالمواريث والطلاق والنكاح والوصية والوقف والقيمومة والحضانة وما يرتبط بها وفض الخصومات بين المتنازعين. يقبل في هذا المعهد طلبة العلوم الدينية ممن اجتازوا مرحلة المقدمات والسطوح الابتدائية في الحوزة الدينية في ميادين الفقه والأصول. وقد بدأ المعهد بتلقي طلبات التقديم للالتحاق به. الحسن في الموضوع أنّ مجلس القضاء الأعلى أصدر بياناً عبر فيه عن الرفض لهكذا تشكيل باعتباره خرقا للمادة (91) من دستور جمهورية العراق التي تنص على أن المجلس هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن إدارة القضاء، وأنه لا يجوز لأي جهة ممارسة مهام القضاء وتحت أي مسمى، وبخلافه ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق من يمارس احدى مهامه وبأي صيغة كانت. جاء ذلك في أعقاب جلسة عقدها المجلس الأحد الموافق 27 من تشرين الثاني 2004. من جانب آخر، يسعى مقترح التعديل هذا بصورة مؤكدة إلى تقسيم المقسم من خلال دفع مواطني المجتمع الواحد ليتصرفوا بحسب مذاهبهم ومرجعياتهم المتعددة ويسلبهم سمة المواطنة التي يحميها القانون الوطني والذي يمثل احدى الضمانات المهمة للوحدة الاجتماعية الوطنية، ويعمل على تعزيزها. معروف أنّ رجال الدين يتوزعون إلى مذاهب واجتهادات شتى، وأنّ كثيراً من الناس يتبعون أو يقلدون مراجع شتى أيضاً، وسيؤدي ذلك بالتأكيد إلى تفكك كبير خاصة وأننا لا نعيش ضمن صناديق مقفلة. يعمل العراقيون بمختلف مذاهبهم وأديانهم بمؤسسات عمل مختلطة، ويذهبون للدراسة في مدارس وجامعات مختلطة. وهذا ما يفسح المجال لتفاعلات اجتماعية طبيعية ومتعارف عليها قد تؤدي إلى اتفاقات على زيجات تتطلب توافقات قانونية مقبولة. بيد إنّ تعديلات من هذا النوع ستضطر النساء والرجال من المرشحين للزواج أو المقدمين عليه أنْ يفكروا عشرات المرات بالنتائج التي ستترتب عليه. ستنهمر كالمطر أسئلة من نوع وماذا بعد الزواج! كيف سيكون مصير الأولاد وزيجاتهم المتوقعة بعد حفنة من السنين! كيف سنضمن مستقبلهم! في الحقيقة والواقع، فإنّ خطوات كهذه تهدد المؤسسة التعليمية والمهنية للقضاء العراقي الذي طالما تعلقنا به، وعبرنا عن ثقتنا بحكمة القائمين عليه.
الثقافة الجديدة: يبدو أنّ القوى المدنية والاجتماعية – باختلاف عناوينها – أغفلت أو تناست، أو غضت النظر على أقل تقدير عن المادة (41) الدستورية، وعن الدور الذي يمكن أنْ تلعبه في تثبيت الهويات الفرعية في البلد. سيسهم المقترح بفاعلية في ذلك خصوصاً إذا اضفنا إلى اللوحة قانون سنة 2008 في إقليم كردستان. هل ستكون اللبننة (لبنان) مرآة للمستقبل بعد توطيد الواقع الطائفي والاثني للعراق بفعل القانون! وهل ستلعب كردستان بالنسبة إلى الوسط والجنوب الدور الذي تلعبه قبرص بالنسبة إلى لبنان!
د. لاهاي: هذا افتراض لا أساس له من الصحة. فالقوى المدنية باختلاف مسمياتها تدرك جيداً الوظيفة التي تسعى المادة (41) الدستورية لتحقيقها والتي تتمثل بتثبيت الهويات الفرعية، وهي المادة التي تعكز عليها مقدمو مقترح التعديل. ولكن هذه القوى تعمل ضمن الحدود التي يفرضها الدستور النافد والمجلس النيابي الذي يعمل وفقها. أما "اللبننة"، فهي الخطيئة الكبرى التي يسعى لها البعض دون تخمين مخاطرها على بنية المجتمع ومستقبله.
مارست القوى المدنية والاجتماعية بمختلف عناوينها وتشكيلاتها دوراً مهماً في مواجهة مقترح التعديل هذا وساهمت بالتوعية بمخاطره، وتحملت الكثير على طريق ذلك. وكان "تحالف 188" المنبثق عن شبكة النساء العراقيات، من أبرزها. مدّ هذا التحالف اليد للتعاون مع مختلف الأشخاص والجماعات ذات الأهلية والاختصاص وانهمك بنشاطات كثيرة كالتظاهرات وإصدار البيانات والوقفات والندوات والجولات الراجلة في بغداد والمحافظات إلى جانب تلبية مختلف الدعوات للمساهمة بنشاطات إعلامية مهمة تحظى بنسبة متابعة عالية. بالمقابل كان هناك الكثير من المواجهة والصدامات التي أخذت أشكالاً متعددة بما في ذلك إطلاق واحدة من أكبر حملات السب والشتم على المناهضين لمقترح التعديل والمشاركين بتسفيهه. مع ذلك، واصل التحالف الطريق بنشاطاته الدؤوبة والمكثفة للحيلولة دون تمريره. تعاون مع المشاركات والمشاركين في تحالف 188 عدد مهم من أعضاء مجلس النواب وغالبيتهم من النساء ممن جمعوا التواقيع وأعلنوا عن وجهات نظرهم على الرغم من الحملات المضادة والمضللة والاتهامات الكاذبة بل وتحمل بعض منهم العقوبات الظالمة التي لحقت بهم كما في حالة المحاميتين د. زينب جواد وقمر السامرائي، والمحامي محمد جمعة. مع ذلك، على الرغم من كل هذه المحاولات التي تسعى لجر العراق إلى الوراء تبرز مواقف مشرفة كما في اعلان المجمع الفقهي العراقي وديوان الوقف السني الأحد الموافق 27 تشرين الأول رفضهما لصيغة مقترح التعديل الحالية، مؤكدين أنه لا مسوغ لاستبدال القانون بمدونتين شيعية وسنية. وجاء في البيان الصادر عن اللجنة المشتركة برئاسة السيد أحمد حسن الطه إنّ "قانون الأحوال الشخصية يعد صمام أمان لحفظ الأسرة العراقية، حيث يشمل في مواده 94 مادة كل ما يتعلق بفقه الأسرة من زواج وطلاق وحقوق زوجية، وعدّة ونسب، وحضانة ونفقة، ووصية ومواريث، مع الرجوع للأحكام الشرعية والفقه الإسلامي في المسائل غير المنصوص عليها، مع مراعاة القضاء لطبيعة المرجعية للعقدين من خلال فقرة استحقاق المهر المؤجل". يذكر إنّ القضاء العراقي على مستوى الأحوال الشخصية لا ينكر تثبيت المرجعية المذهبية للمتقدمين للزواج بدليل إنّ كل عقود الزواج التي تم ويتم ابرامها أمام المحاكم العراقية تبادر إلى سؤال المتقدم للزواج: على أي مذهب! ويتم في ضوء الإجابة تثبيت ما إذا كان الشخص شيعي في عقد الزواج بالتعبير الذي يخص المهر المؤجل "عند المطالبة والميسرة"، أو "عند حلول أحد الأجلين، الطلاق أو الوفاة" في حال المرجعية السنية. وتشير هذه الحقيقة إلى بطلان مبررات مقترح التعديل وانتفاء الحاجة له.
الثقافة الجديدة: مع نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ما أبرز الميزات الواجب توفرها في قانون مهم مثل الأحوال الشخصية بحيث يتناغم مع الشرط الاجتماعي للبلد من جهة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية الحاكمة من جهة أخرى، ومستوى التطور الحاصل على مستوى حقوق المرأة والطفل من جهة أخرى!
د. لاهاي: من الحقائق المهمة حول قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 أنه ليس قانوناً مدنياً علمانياً بل هو قانون أخذ من مختلف مصادر الفقه الإسلامي وبنى عليها. وعليه، فهو ليس القانون الذي يمكن أنْ يطمح إليه أي عراقي يعيش في الألفية الثالثة ويريد أنْ يكون له مكان فيه. لذلك، فإنّ مقترح التعديل لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره دعوة للرجوع إلى الوراء. تتطلب الزيادة المتصاعدة للسكان في العراق (حوالي 44 مليون نسمة) ممن يسكن غالبيتهم المدن، وارتفاع مستويات التعليم في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء، وانتشار مؤسسات العمل، والعلاقة التي تربط العراق بالعالم من خلال المؤسسات الأممية سن قوانين تساعد على التكيف والانسجام، وليس قوانين تعزل وتمايز، وتضع المجتمع في خانات متقاطعة ومغلقة. المطلوب إذن قوانين مدنية تثبت قدرتها على استيعاب الجميع وتقف منهم بمسافات متساوية على أساس الفهم السليم وغير المشوه لمفهوم المواطنة. لقد خسر العراق الكثير من خيرة مواطنيه من كل الجماعات، وعانت الجماعات ذات الانتماءات الدينية والعرقية المختلفة كاليزيديين والمسيحيين الكثير. وكان جراء ذلك أن اختار هؤلاء الهجرة خارج العراق أو العزلة والانسحاب في داخله. لن يحل مشاكل من هذا النوع ويعمل على جمع العراقيين على مائدة واحدة يسمعون فيها أصواتهم وآراءهم، ويقرأون أفكارهم على اختلافها وتنوعها وتضادها إلا منظومة قوانين مدنية تعطي فرصاً متساوية للجميع وتمكنهم من أنْ يقودوا حيواتهم الخاصة بأقل قدر من التوتر والتصادم لينضموا للكل الجمعي بانسيابية تضامنية وتعاونية.