أيلول/سبتمبر 12
   

  1. توضيح المفاهيم

 المعضلة الاقتصادية

   تعكس عملية تعاظم الفجوة بين حاجات الانسان العراقي المادية الأساسية لإعادة انتاجه بموجب قانون الاهي وطبيعي of human being) (Reproduction والفرص المتوفرة له فعليا لتلبيتها في سوق العمل وفي قطاع التعليم والتأهيل المهني لتطوير معرفته العلمية ومهارته الحرفية والابتكارية والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والتي يفترض ان توفرها الدولة بغض النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي ان كان اشتراكيًا او رأسماليًا.  إن الكثير من المهتمين بالشأن الاقتصادي يعتقدون بأنه ليس من واجب دولة اقتصاد السوق الرأسمالي تقديم أي خدمات اجتماعية وانما تركها للقطاع الخاص وفق نظرية المدرسة الكلاسيكية بأن اليد الخفية، أي اليات السوق الأساسية، تحقق التوازن بين المصالح المتناقضة للمنتجين والمستهلكين.  من وجهة نظر بعض الاقتصاديين فإن هذا الموقف يعكس سوء فهم لأطروحات ادم سميث.

لكن هذه الفجوة موجودة أصلًا بين طبيعة القوى الإنتاجية من عمالة مؤهلة وتكنولوجيات حديثة والمطلوبة لرفع الإنتاجية في الاقتصاد الحقيقي والغائبة أصلًا في الاقتصاد العراقي، فضلا عن غياب ثقافة الأداء مع مثيلاتها السائدة حاليًا في معظم دول الجوار سوريا، الأردن، تركيا، ايران وحديثا بعض دول الخليج، وتلك الممكنة في واقع القرن الواحد والعشرين بالمقاييس الدولية حيث نرى أن العديد من دول الجوار حققت طفرات اقتصادية ملحوظة خلال العقود الأربعة الماضية وتراجعت بشكل ملحوظ في الاقتصاد العراقي.

الدولة الحديثة

   تعنى دولة المواطنة المدنية الديمقراطية National State وليس الترجمة الإشكالية الدولة القومية للمفهوم الأصلي باللغات اللاتينيةnationalist  كما تصر عليها أيديولوجية الفكر القومي العالمي والعروبي.  ترتكز الدولة الحديثة من وجهة نظري على ثلاثة ركائز أساسية وهي: البقعة الجغرافية بحدود معترف بها دوليا (البعد الجيوسياسي) ولها عملة وطنية وعلم ونشيد وطني يسكنها مجموعة من البشر منذ قترة زمنية طويلة ويعتاشون من مواردها الطبيعية وتربطهم علاقات اقتصادية وثقافية (المجتمع) وأخيرًا وجود نظام سياسي مؤسساتي وصفه الفلاسفة التنويريين بالعقد الاجتماعي ويقصد به ان الحاكم والمحكوم اتفقوا عليه لتنظيم العلاقات بينهما من خلال وضع القوانين وبناء المؤسسات.  إن جوهر دولة المواطنة الحديثة يعني ضرورة فصل السلطات بين التشريعية والتنفيذية والقضائية والتداول السلمي للسلطة.

أزمة الدولة

يعد موضوع الدولة وشرعيتها من أحد الاشكالات الكبرى في الفكر العربي والعراقي، حيث يخلط عامة الناس ومعظم افراد النخب الثقافية والطبقة السياسية بين السلطة والدولة. من منظوري، يُعزى هذا الى الموروث الثقافي والسياسي من العصور الغابرة.  فممارسة السلطة في التاريخ السياسي الاسلامي والعربي وفي اغلب الدول العربية الحالية تتم من خلال قوة السلاح الغاشمة للوصول الى سدة الحكم بتبريرات ايديولوجية من قبيل التفويض الإلهي او الشرعية الثورية للأحزاب الايديولوجية.  وتعد دولة البعث البكري والصدامي في العراق والدولة الاسلامية الداعشية ابرز مثال على ذلك.  ازمة الدولة تعني اختلال التوازن في العلاقة بين الركائز الثلاثة المشار اليها أعلاه وتعثر بناء مؤسسات الدولة المدنية الحديثة مع وجود بوادر الدولة العميقة وتدخلات خارجية جيوسياسية ونزاعات داخلية مسلحة وحروب أهلية بين قوى متصارعة على الريع النفطي والنفوذ في السلطة واستقواء قوى اللادولة على المجتمع (الدولة الرخوة).

أما الاستقرار النسبي الذي يشهده العراق حاليًا فهو يعكس تجميد الازمة مؤقتًا من خلال فرض المحاصصة القومية والطائفية وليس حلها جذريًا على نحو مستدام.

ازمة المجتمع

المفهوم العلمي للمجتمع الحديث يعكس منظومة اجتماعية مدنية متماسكة ومندمجة من مجموعات بشرية مختلفة الاعراق والثقافات واللغات تتفاعل مع الدولة إيجابيًا لبناء المؤسسات الحديثة من خلال منظمات المجتمع المدني الحرة والمستقلة عن الطبقة السياسية واحزابها.  والمقصود بأزمة المجتمع هو غياب الاندماج والتماسك بين مختلف مكوناته العرقية والدينية والطبقية وانتشار الصراعات على توزيع الثروة وانتشار التناشز الاجتماعي بين افراد المجتمع وفق الموروث الثقافي القبلي (علي الوردي).  لم يحل الدستور العراقي المُشرّع في 2005 هذه الازمة بتعريفه الاشكالي لمكونات الشعب العراقي على اساس عرقي (عرب، اكراد، وتركمان) وطائفي ديني (شيعة، سنة، ومسيحين، وايزيديين، ومندائيين الخ).  وبالتالي تصاعدت النزاعات المسلحة في البداية بين الأحزاب الشيعية والمنظمات السنية الإرهابية (القاعدة وداعش) وأخرى أنشأت حديثًا تحت يافطة "المقاومة الشريفة".  وبعد سيطرة مؤسسات الدولة الأمنية عليها، استمرت الصراعات بين العشائر الشيعية في الجنوب وتصاعدت بشكل مخيف.  وكذلك لاتزال التناقضات في المصالح الاقتصادية والخلافات الطبقية مستمرة في داخل الأحزاب التي تدعي تمثيلها للمكون الشيعي والسني والكردي والمسيحي، مما يثير القلق حول مستقبل الديمقراطية الفتية في العراق.

  1. حول إشكالية مفهوم الأمة في اللغة العربية

وردت مفردة الأمة في اللغة العربية في اطار نشر الدين الإسلامي الحنيف بمعنى مساواتي بين مختلف الأعراق والاثنيات (لا فرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى).  اما مفهوم الأمة الذي برز في اوروبا بعد الثورة الفرنسية (1789) بمعناه الاثني القومي وبالتزامن مع الفلاسفة التنويريين في المانيا مثل يوهان غوتفريد هيردر Herder J.G.  (1744-1803) الذي افترض بان اللغة المشتركة تمثل العامل الأساسي لتكوين الأمة.  وأيضًا عند فريدريك هيجل لعبت القومية الرومانسية دورًا رئيسيًا في فكره الفلسفي المثالي للتاريخ.  فقد جادل هيجل بوجود روح العصر ("روح عصره") التي سكنت شعبًا معينًا في وقت معين وعبَّرت عن نفسها في فنهم وأساليب حياتهم. (3)

لقد اقتبس الفكر القومي العربي أفكار القومية الرومانسية الاوربية وعكسها على الواقع العربي بشعار الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، وبرر ذلك بوجود لغة وتاريخ مشترك بين جميع الدول العربية التي تأسست بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.  ثمة حقيقة تاريخية وهي ان المنطقة العربية لم تكن موحدة على مدى التاريخ الإسلامي حتى في اوج عظمته في فترة الدولة العباسية في مركزها بغداد مع وجود دولة الاندلس الإسلامية المنافسة.  لذا نظر الفكر القومي الى تأسيس الدول العربية "الحداثوية" كمؤامرة سايس بيكو الاستعمارية لتقسيم العالم العربي الموحد سابقًا.  لا خلاف على حقيقة وجود مصالح للدول الاستعمارية في الهيمنة على الموارد الطبيعية وأسواق العالم العربي ولا على سياسة "فرق تسد" الاستعمارية، ولكن تأسيس الدولة "الحداثوية" جاء تلبية لضرورات تاريخية حتمية تصب في مصالح الرأسمالية المركزية (دول الشمال الكوني). 

السؤال المعرفي المطروح آنيًا هو: هل العراقيون يمثلون شعب ام امة، وما هو الفرق بينهما؟  من وجهة نظري الشعب مفهوم سياسي ويعني مجموعة من الناس يتكلمون لغة واحدة ولهم اهداف سياسية مشتركة، اما الأمة فهو مفهوم سوسيولوجي يشمل اثنيات ولغات وثقافات متعددة. 

  1. إشكالية المشروع الوطني العراقي

تعد مذكرة الملك فيصل الأول في سنة 1932، أي قبل وفاته بسنة واحدة، من الاحداث التاريخية المفصلية في عملية بناء الدولة العراقية الحديثة.  عبَّر الملك القادم من الحجاز -الذي يقول عنه بعض المؤرخين ان العراقيين انتخبوه، وآخرون ان الاستعمار البريطاني اختاره لتعويضه على دعمه لهم في الحرب ضد العثمانيين - عن احباطه من فشل عملية بناء الامة العراقية القومية الوطنية (National State) بسب تشرذم فئات ومكونات الشعب العراقي وقوة العشائر المسلحة التي تفوق قوة الدولة العسكرية.( )

لا أحد يعلم ماذا كان يدور في خلجه حول كيفية تحقيق هذا الهدف وبناء الأمة القومية الوطنية العراقية وهل يتمُّ بالتعاون البنّاء مع بريطانيا العظمى، كما كان يؤمن بذلك رجل سياسة العصا الغليظة القوي نوري السعيد، ام بالضد منها؟  بتقديري كان الملك مطلعًا على التجارب الاوربية في بناء الدولة الوطنية والأمة القومية المتجانسة الواحدة في المجتمعات الاوربية والتي تختلف في تركيبتها الاجتماعية جذريًا عن التركيبة الهجينة في العراق من قبائل بدوية وعشائر مستقرة تمارس الزراعة وطبقة من الاقطاعيين المستبدين وطبقة من الافندية الموروثين من الباب العالي مع مؤسسة دينية محافظة تعتاش على الخُمس من الاقطاعيين و غياب تام لطبقة وسطى متعلمة ومهنية.  وينسحب ذلك على طبقة المثقفين التي اقتصرت على بعض الشعراء والشخصيات الوطنية التي تعد على الأصابع.  ولكن من إيجابيات النظام الملكي تأسيس نظام تعليمي حديث أنتج طبقة وسطى مهنية ذات نفس وطني.  ولكن رجال النظام الملكي ارتكبوا أخطاءً قاتلة بتهميشهم لهذه الطبقة اقتصاديًا وسياسيًا.

هذه الطبقة الوسطى الجديدة انتفضت على النظام الملكي في صبيحة 14 تموز 1958 من خلال تحرك يدها العسكرية الضاربة وهو تنظيم الضباط الاحرار كانقلاب عسكري تحول بسرعة مذهلة الى ثورة شعبية عارمة كنتُ شاهدًا عليها.  صحيح ان السنة الأولى من عمر الجمهورية الفتية شهدت احداث عنف عشوائي فوضوية عكست انقسامًا داميًا داخل تنظيم الضباط الاحرار حول مستقبل الجمهورية العراقية.  فريق سعى لتحقيق الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا بقيادة جمال عبد الناصر وفرضه بالقوة العسكرية (انقلاب الشواف في الموصل في اذار 1959).  وكان هذا الفريق مدعومًا من حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي فقط وبتمثيل جماهيري ضعيف جدًا.  وفي المقابل كان الفريق الثاني بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم يتمتع بشعبية جماهرية واسعة لمشروعه الوطني العراقي.  ومن المعروف للجميع نجاح الأقلية في احباط هذا المشروع في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي ولكن القوى الانقلابية لم تحقق مشروعها بالوحدة الفورية مع مصر.  هذا الأمر يتطلب المزيد من الأبحاث عن أسباب هذا التناقض السياسي ونفاق بقايا هذه القوى القديمة بمزايداتها على وطنية الآخرين بعد التغيير في 2003.

  1. إشكالية الطبقة الوسطى العراقية

معظم الباحثين العراقيين لا يميزون بين المفهوم الاحصائي والسوسيولوجي للطبقة الوسطى.  الأول يقصد به الموقع الدخلي المتوسط لهذه الشريحة الاجتماعية والذي يقع بين أصحاب الدخل العالي من الأغنياء الذين يمتلكون حصة كبيرة من الثروة الوطنية بالرغم من نسبتهم الصغيرة في السكان (حوالي 10-15%) ومستلمي الدخل الواطئ الذين يمثلون غالبية العراقيين (غياب العدالة الاجتماعية).

اما المفهوم السوسيولوجي فيقصد به الدور الريادي الذي تقوم به الطبقة الوسطى في التحولات الاجتماعية والسياسية كما أنجزته الطبقة الوسطى الاوربية بعد الثورة الفرنسية.  لقد كانت توجهات الطبقة الوسطى السياسية في العراق خلال فترة الجمهورية الأولى تعتمد على الأيديولوجيات الخارجية المنتشرة في اوروبا القومية واليسارية. ولكن إبان الثورة الإسلامية في ايران في سنة 1979 برز التيار الإسلامي وصار يهيمن على فكر الطبقة الوسطى العراقية.  وبعد الحصار المزدوج الظالم على العراق من ما سُمي بالمجتمع الدولي والسلطة الصدامية الغاشمة تم تدمير اقتصادي وحشي لهذه الطبقة وتسبب في هجرة مئات الالاف من العقول والكفاءات الوطنية ولم يستعد العراق عافيته بالقضاء على النقص منها لحد هذا اليوم.  بيد ان ثمة طبقات من الأسفل حققت صعودًا اقتصاديَا وسياسيًا سريعًا ومذهلًا في ظل النظام السياسي الجديد بعد 2003 والتي تمثل الطبقة الوسطى حاليًا.  هذه القوى ريعية التفكير والممارسات بامتياز وتشمل كل مستلمي الرواتب من الدولة والمقاولين الصغار المعتمدين على الريع النفطي الذي توزعه الدولة.

  1. الاقتصاد والصراع على الموارد في التاريخ الاسلامي والعربي

يخطأ من يعتقد ان الفكر الماركسي ابتدع أولوية الاقتصاد على كل العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية الأخرى المؤثرة، لأن حقيقة وجود الصراعات على الموارد الاقتصادية موجود منذ بداية التاريخ الإنساني ويحسم حتى الحاضر بواسطة الية المعادلة الصفرية.

معظم المثقفين العراقيين والعرب ينظرون بفخر واعتزاز الى ماضيهم التاريخي منذ صدر الاسلام في مكة مرورًا بالدولة الأموية في دمشق وانتهاءً بالعصر الذهبي في الاندلس وفي بغداد مركز الدولة العباسية، ويتمنون إحياء هذا المجد ومعه انبعاث الامة العربية أو الأمة الإسلامية من جديد.  هذا النوع من قراءة التاريخ العربي الإسلامي يعكس الاوهام الايديولوجية المتعششة في العقل العربي، ان كانت قومية عروبية او اسلاموية الهوى وذلك منذ سقوط الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا.

قلة قليلة من المفكرين العرب، على سبيل المثال عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي والمفكر الماركسي المصري سمير امين مع عدد لا بأس به من المفكرين في المغرب العربي مثل عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري ومحمد اركون ومن المستشرقين الاوروبيين على سبيل المثال المفكر الفرنسي ماكسيم رودونسون، يقدمون لنا قراءة مادية للتاريخ العربي الاسلامي ولكن استنتاجاتهم الفكرية تبقى مكتومة تحت ضجيج سوق عكاظ الايديولوجي.

لقد كانت مكة قبل ظهور الاسلام مركزًا تجاريًا مهمًا في صحراء الجزيرة العربية لوجود الماء فيها (بئر زمزم) حيث تلتقي القوافل القادمة من اليمن مع تلك القادمة من بلاد الشام للاستراحة وللتبادل السلعي ولممارسة الطقوس الدينية الوثنية حول الكعبة.  قبيلة قريش كانت مهيمنة على المدينة اقتصاديًا ودينياً ومنقسمة في داخلها.  من جانب، طبقة ارستقراطية تجارية ينتسب معظم أفرادها الى بني امية، وطبقة وسطى مهمشة اقتصاديًا ينتمي افرادها الى بني هاشم والتي انجبت الرسول عليه الصلاة والسلام والامام علي ابن ابي طالب عليه السلام من جانب آخر.  وفي المقابل من قريش المعدومين من البدو والعبيد داخل المدينة والقبائل البدوية في اطرافها التي كانت تعيش اوضاع اقتصاد الكفاف.  في ظل هذه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصراع على توزيع الموارد ظهر الاسلام رافعاً شعار العدالة الاجتماعية، ونجح الرسول في كسب دعم الطبقات المهمشة والمعدومة من جانب وتحييد الأرستقراطيين من بني امية بمزيج من قوة السلاح والدبلوماسية من جانب آخر.  الا ان الصراع على الموارد عاد من جديد بعد وفاة الرسول.

إن الدولة الاموية، والتي تحاول المجموعات الجهادية الاسلامية وداعش احيائها بمشروع الدولة الاسلامية بقوة السلاح وعملياتها الارهابية، كانت نموذجًا صارخًا لتمركز الثروات المنهوبة من الاطراف والفتوحات في العاصمة دمشق وبذخها على ملذات خلفاء بني امية القريشيين.  وتمثل سردية بعض فقهاء الاسلام الاصوليين عن الخليفة الاموي عمر ابن العزيز وسمعته مجرد ورقة توت يحاولون بها تغطية عورة سلاطينهم.  وكان لغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الموارد الاقتصادية الدور الحاسم في ثورة بني عباس وحليفهم ابو مسلم الخراساني.

وعلى عكس الامويين خصص بعص الخلفاء العباسيين وبالدرجة الاولى هارون الرشيد وابنه المأمون قسمًا لا بأس به من الثروة المتمركزة في بغداد للصرف على تطوير الثقافة من شعر وموسيقى وترجمات الفلسفة اليونانية القديمة وعلى تطوير العلوم الطبية والفلكية والرياضيات الخ.  فمن الواضح ان العصر الذهبي الإسلامي في تلك الحقبة التاريخية استند على أسس اقتصادية كان محورها تراكم الثروة وليس رأس المال بالرغم من تطور الصناعات الحرفية ومنظومة توزيع العمل آنذاك كما يخبرنا ماكسيم رودونسون.

  1. الخلاصة والاستنتاجات

لا ادعي من العرض التشخيصي والتحليلي أعلاه باني اكتشفت العجلة من جديد.  لقد سبقني العديد من الزملاء القليلين في أبحاث مستفيضة وقيّمة منشورة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين في تشخيصاتهم للازمات الهيكلية السائدة في الاقتصاد العراقي ولو من زوايا وعلى أسس نظرية مختلفة.  كما تجدر الإشارة الى البحث القيم للزميل الخبير في التعاون الإنمائي الدولي السيد همام مسكوني حول 73 وثيقة استراتيجية تنموية وإصلاحية أعدت للعراق منذ 2003 من جهات حكومية عراقية بالتنسيق مع جهات دولية لم تنفذ بعد او تعثر تنفيذها.  احد الأمثلة البارزة هو الورقة البيضاء بالرغم من ملاحظاتنا عليها.

ومن حق القارئ الكريم ان يسأل: وماذا اقدم انا من حلول لهذه الازمات المستعصية؟  جوابي الاولي هو اني قدمت العديد من مقترحات الحلول في عملي الاستشاري عبر المنظمات الدولية العاملة في العراق وفي اطار كتاباتي للأبحاث والمقالات العديدة المنشورة في الانترنت وكذلك مقابلاتي العديدة في الاعلام العراقي.

أتقدم بالشكر والامتنان للزميل الفاضل الأستاذ مصباح كمال على مراجعته للنص وملاحظاته القيمة. ولطالما ساهم الزميل في دعم عمل ونشاط النشر على موقع الشبكة منذ سنوات طويلة من دون كلل او ملل. أتمنى له موفور الصحة والعمر المديد.

 

باقر شبر:  مستشار اقتصادي دولي سابق، مؤسس شبكة الاقتصاديين العراقيين.

 

ملاحظة من هيئة تحرير مجلة (الثقافة الجديدة): مقال الراحل د.بارق شبر اعلاه هو اخر مقال نشره قبل وفاته وارتأت المجلة إعادة نشره ضمن مواد هذا الملف استثناء من شروط النشر المعتمدة فيها وذلك اعتزازا وتقديرا للفقيد واحتراما لجهده الكبير باعتباره احد الاقتصاديين العراقيين المرموقين. له عاطر الذكر على الدوام وليرقد بسلام في رحلته الأبدية.