تشير مصادر الادب البرجوازي الى ان الثقافة هي طريقة التفكير والتعامل مع الوجود وفق منظور أسس العلم، الفيزياء والكيمياء وعلم الاحياء والجيولوجيا او علم الاراضة والسوسيولوجيا وغيرها من العلوم.
ويرى العلم المادي، أي التفسير الماركسي، ان الثقافة هي مظهر من مظاهر الطبقة الاقتصادية - الاجتماعية.
فبذلك تدخل الثقافة المادية في صراع مع الثقافة المثالية أي مع الثقافة البرجوازية فهي جزء من عملية الصراع الطبقي المحرك للتاريخ.
وهكذا نرى ان الثقافة و مبادئها في البلدان الاشتراكية تركز أساسا على المجتمع فهي بذلك (ثقافة اجتماعية) بينما الذي يلاحظ في بلدان الرأسمالية ذات المجتمعات الطبقية تكون الثقافة (فردانية) فحقوق الانسان والحرية في الثقافة الرأسمالية ذات ابعاد فردانية تصل الى مستوى حق الفرد في الملكية من دون حدود وحريته في التصرف بملكيته بما يقود، في الغالب، لاستغلال الآخرين بينما يأخذ المفهومان، حقوق الانسان والحرية في الاشتراكية، ابعادا اجتماعية فترى الاشتراكية ان حقوق المجتمع قبل حقوق الفرد باعتبار ان الاخيرة هي جزء من الأولى كذلك شأن الحرية فالحرية الاجتماعية هي أولى من الحرية الفردانية التي قد تصل في غالب الأحيان الى اللبرالية المضرة بحرية المجتمع وبحقوقه.
ويرى العلم المادي (العلم الماركسي) في تحليلاته الاجتماعية ان الثقافة هي مظهر طبقي بمعنى ان الثقافة البرجوازية بما تتضمنه من مفاهيم فردانية ومصطلحات هي معنية بمصالح الطبقة البرجوازية والبرجوازية الكبيرة (الرأسمالية) بينما تهتم الثقافة الاشتراكية بمفاهيمها ومصطلحاتها بمصالح الشغيلة أي طبقة العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة.
هكذا انتبه المثقفون الطليعيون الثوريون الى ضرورة نشر مبادئ الثقافة الاشتراكية في اطارها الوطني والطبقي فكانت مبادرة المناضل الثوري الدكتور صلاح خالص وزملائه بإصدار مجلة (الثقافة الجديدة) في عام 1953م حيث شهدت تلك الفترة من تاريخ العراق السياسي انماطا من الصراع الفكري - الثقافي كمظهر من مظاهر الصراع الطبقي بين البرجوازية الكبيرة او الرأسمالية التي نمت وتطورت بتشجيع من الأجنبي، الإنجليزي، والطبقة العاملة التي بدأت تتشكل في مصانع ومعامل عقود الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات.
فطرحت وعمّقت الثقافة الجديدة وهي ثقافة الشغيلة مفاهيم الوطن والوطنية والاستقلال والتحرر من الاستعمار ومناهضة الامبريالية فشاعت مفاهيم الأممية وصداقة الشعوب والتعاطف مع حركات التحرر الوطني لشعوب آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية.
فمن ذلك الحين كان لمجلة (الثقافة الجديدة) دورها الريادي في تنمية الثقافة الثورية الطبقية وهي من دون شك دخلت حالة الصراع مع الثقافة البرجوازية السائدة في العراق ذات الطبيعة التقليدية فلعلهم من المتوقع ان تتم محاصرة هذه المجلة العلمية ذات البعد الإنساني الأممي والطبقي من قبل السلطات البرجوازية الحاكمة والسلطات البرجوازية المتنفذة التي تضم الإقطاعيين والسراكيل وأصحاب المصانع والمعامل والتجار الكبار.
وليس غريبا ان تتم محاصرتها من قبل السلطات ذات الطابع القومي التي حكمت العراق والتي لم تدرك المعنى العلمي الدقيق لمفاهيم القومية والوحدة العربية كما تطرحها هذه المجلة. واليوم يعيش العراق، كما هو شأن العالم العربي، حالة من الصراع بين القديم والجديد وبين الفكر البرجوازي الذي يدعو الى عودة نفوذ رؤساء العشائر، وهم في الغالب من الإقطاعيين والسراكيل، في الريف وعودة نفوذ القوى الرجعية بكل اشكالها في المدن فلا بد لهذه المجلة من ان ينمو دورها في نشر الثقافة الوطنية الطبقية عبر الدراسات الميدانية التي تضطلع بها لمناقشة الواقع العراقي ومحاولات الغاء الذاكرة العراقية في النضال ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية وضد الامبريالية وإعادة تنمية الشعور الوطني والقومي والاممي ذي السمات الطبقية. ونرى ان كافة قوى الشغيلة العراقية من العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة والقوى النسوية والطلابية مدعوة الى التضامن والى تشكيل جبهة عراقية يقودها تيار جماهيري هو التيار العراقي الذي يؤمن بالفكر الطبقي الوطني.
من ذلك ندعو الى قيام هذه المجلة بتكليف البعض من الباحثين لدراسة المرحلة التاريخية التي يمر بها العراق ونرى طرح نتائج هذه الدراسات في اجتماعات جماهيرية في المدن والقرى بإدارة واشراف القوى الطليعية.
ونظرا لكون هذا المشروع هو مشروع وطني جماهيري فلا بأس من اشراك البعض من القوى ذات الفكر الوطني والقومي التقدمي باعتبار ان هذه المرحلة من التراجع التي يمر بها العراق هي مسؤولية الجميع ولا تقتصر هذه المسؤولية على فئة معينة فيفترض ان ينتظم في هذه الحملة الواسعة جميع أطياف الشعب العراقي من العرب والكرد والتركمان والاثنيات الأخرى وبمختلف ميولهم السياسية والفكرية حتى تلك الميول الدينية المتنورة المخلصة الوطنية.
ومن الضروري ان تنشر جميع هذه النشاطات واللقاءات في هذه المجلة او تنشر في ملاحق خاصة ليتم توزيعها في ما بعد على مختلف المنظمات والجمعيات والمؤسسات. وتمول هذه النشاطات عبر التبرعات الخاصة التي يقدمها الراغبون، ومن البديهي ان تكون هذه التبرعات هي بمثابة استنهاض للهمم والمشاركة في انقاذ البلاد.
فهي لا بد ان توزع على تلاميذ الإعدادية وعلى طلبة الجامعات عبر اتحاد الطلبة بعد تنشيطه وتفعيل دوره وعلى منظمة حقوق المرأة والمنظمات النسوية الأخرى وعلى نقابات العمال والنقابات المهنية والجمعيات الفلاحية.
ان العراق بل والعالم العربي عموما يمر بمرحلة خطيرة وهي مسح الذاكرة العراقية بل والذاكرة العربية وجعلها فارغة من مفاهيم الاستعمار والامبريالية والنضال ضدهما ومن مفاهيم الثورة والثورية والوطنية والقومية وتشويه التراث النضالي والسياسي للشعب العراقي وللشعب العربي والقوميات المتعايشة معه واعتبار ان الشعب العربي عموما هو المسؤول عن صناعة (الدكتاتور) وغمط الحقيقة وهي ان الجماهير لا تصنع الدكتاتور بل ترى فيه رجلا وطنيا مخلصا يعمل لتحقيق أهدافها وطموحاتها من ذلك تلتف حوله وتهتف له.
ان ما يحصل في العراق هو نمط من الاستعمار الفكري والثقافي الذي يحاول الغاء الماضي النضالي بل وتشويهه. ان الحفاظ على هذا التراث المتمثل بالنضال الوطني الذي سقته دماء الشهداء وتضحياتهم مسؤولية جميع الأطراف على صعيد الساحة العربية الواسعة من الثوريين الطليعيين ومن القوميين التقدميين ومن رجال الدين التنويريين وعلى مجلة (الثقافة الجديدة) وما تشبهها من مجلات مثل مجلة الطريق اللبنانية تقع مسؤولية هذه المهمة، بعيدا عن الاهتمامات الحزبية الضيقة، فالمعركة اليوم هي معركة وطنية قومية وذات مدى فكري وثقافي فللمجلات الثورية مهامها في هذا الميدان، فحقيقة المعركة اليوم وغدا هي معركة بين الرجعية والتقدمية.
ان تنشيط المنظمات الجماهيرية المتمثلة باتحادات الطلاب والشباب ومنظمات النساء ونقابات المعلمين والأساتذة الجامعيين والمهندسين والأطباء والصيادلة جميعها مدعوة لاستنفار الطاقات للعمل من اجل إعادة الوعي الوطني والقومي والطبقي لاستئناف مسيرة التقدم الى الامام، فالتقدم والديموقراطية لا تمنح بل يتم الحصول عليها عبر النضال المرير.
ولا بأس ان تعقد مجلة (الثقافة الجديدة) عددا من الندوات في مراكز المدن لمناقشة بعض دراساتها وللحوار مع الجماهير ضمن ما يتعلق باهتماماتها ومصالحها وطموحاتها.
كانت وما زالت مجلة (الثقافة الجديدة) ذات تاريخ حافل فكانت مشعلا مضيئا في ساحات الفكر تستند الى فكر علمي لا يهادن الفكر الرجعي اللاعلمي وذات ثقافة تقدمية لا تهادن الثقافة الرجعية وهي ثقافة جديده عاشت وتعيش في صراع مع الثقافة السائدة التقليدية.
نتمنى ان تتوفر الإمكانات لتوزيع اعداد المجلة على مكتبات المدارس الابتدائية والمدارس الثانوية وعلى مكتبات الكليات فحقيقة ان الصراع القادم هو صراع على ساحة العقل بين الفكر التقليدي الرجعي وبين الفكر المجدد.
لتبقى مجلة (الثقافة الجديدة) منارا تنير العقول وتهديها الى حيث الصواب في فهم هذا الوجود وحل مشكلاته.