بمناسبة ذكرى تأسيس مجلة الثقافة الجديدة ابارك لهيئة التحرير والكتاب المشاركين فيها وقرائها وأتمنى لها دوام النجاح والتألق، وبهذه المناسبة اعرض الإجابة على بعض الأسئلة التي طرحت وعلى وفق الاتي:
- ماذا تعني (الثقافة الجديدة) بالنسبة لكم؟
تُعد مجلة (الثقافة الجديدة) من اعرق المجلات التي أسهمت في نشر الوعي تجاه المعرفة بإطارها العلمي والتقدمي الذي كان رمز عنوانها منذ التأسيس ولغاية الآن، واصبح شعارها المميز (فكر علمي.. ثقافة تقدمية)، وكانت تعنى بالمعرفة بمداها الواسع افقياً، حيث تعطرت صفحاتها بالعبق المعرفي في شتى مجالاته العلمية، الأدبية ـ الاجتماعية والثقافية برؤيا علمية وبأسلوب السهل الممتنع، لأن القائمين عليها اعتبروها مجلة الشعب ولا بد من وصول الأفكار الواردة فيها الى ذهن المواطن ذي التعليم المحدود، وزجه في زخم الحراك المعرفي تجاه المشاكل الاجتماعية والسياسية التي كان وما زال المواطن وعاءً لها وتنعكس عليه جميع اثارها، ومن خلال الأسماء الكبيرة في شتى العلوم المعرفية التي أسهمت في الكتابة فيها، فإنها شكلت منبراً معرفياً لخلق وعي تقدمي تجاه ما يحيط المواطن من ظروف في شتى مناحي الحياة، وهذا ما جعلها ذات مقبولية لدى القارئ المتخصص في نشاط معين من المعرفة او غير المتخصص، واعني به القارئ العادي، فان الاتجاه السائد لدى من تولى ادارتها وتحريرها، حتى وان كان يحمل ايديولوجية فكرية او سياسية او ثقافية معينة، إلا انه لم يفرض هذه الرؤى على الكاتب المساهم في المجلة، لذلك تجد أسماء من الكتاب من مشارب فكرية وسياسية متعددة وقد تكون مختلفة مع بعضها، إلا ان العامل المشترك الذي لمسه القارئ لها هو المعيار الموضوعي للنشر بان تكون المادة المكتوبة ذات بعد معرفي يؤمن بالتقدمية، ويعمل للنهوض بالمجتمع، وهذا ما جعل منها مجلة الجميع، ومن كتب عنها سواء في ارشفتها او نقدها فانه لم يبتعد عن هذا الاتجاه الموضوعي، اما عن دورها الثقافي فأنها كانت منذ ولادتها وسيلة الحوار الثقافي وعاصرت وتعايشت باعتبارها جزءاً من الصراع الفكري في شتى مجالات المعرفة، وكانت جزءاً فاعلا في الحوار الثقافي وعلى وجه الخصوص في مجال الادب بكل فروعه، وكانت لها وقفات عديدة تجاه المدارس الفكرية التي ظهرت خلال فترتها الأولى، مع الإشارة الى انها ولدت في ظل ظروف صعبة مثلت أولى حالات الانتكاس العربي بعد عام 1948 ما انعكست تلك الظروف على مضمون ما ينشر فيها، وهكذا استمر تفاعلها مع جميع الازمات التي مر بها المجتمع العربي، من انقلابات وخسائر عسكرية وتقهقر اجتماعي ونكوص معرفي، لذلك تجد انها ارشفت لمرحلة مهمة من مراحل الخنوع العربي، كما انها كانت مؤرشفة في جانب اخر لشجاعة الكتاب والمفكرين العرب في نقدهم وتشخيصهم للخلل الاجتماعي والمعرفي، وأسباب الخسائر والتقهقر العربي، وتوجيه سهام النقد الى الحكام العرب الذين كانوا سبباً اساسياً ورئيسياً في ما وصل إليه الحال، ويذكر ان العراق قد مرّت عليه ظروف قاسية، من خلال سيطرة العسكر على الحكم، ومنهج هؤلاء في عسكرة الشعب، وترسيخ قيم السلطوية، ومن ثم الديكتاتورية الشمولية، مثلما كان للقلم النسائي حضور مؤثر في نقل التجارب التقدمية لبقية شعوب العالم ومنها ما نقلته المرحومة الدكتورة سعاد محمد خضر في مواضيعها المترجمة لمقالات لكتاب اجانب،
- وما هو تقييمكم لدورها في المشهد الثقافي والسياسي – الاقتصادي طيلة العقود السبع الماضية؟
كان لمجلة (الثقافة الجديدة) مواقف مشرفة في التصدي، في ظل اعتى الديكتاتوريات التي شهدتها المنطقة العربية، واعني بها فترة الحرب العراقية الإيرانية، وما كان عليه النظام القائم آنذاك من تسلط وقمع فكري وثقافي، وانه اختط له مسار اعلامي بتجيير وتسخير كل الصحف والمجلات وجميع وسائل الاعلام لخدمته ومن ثم لخدمة الحاكم الديكتاتور، ومن الشواهد الحية والجريئة لمجلة (الثقافة الجديدة) في التصدي، المقال الافتتاحي لعددها الصادر في شباط عام 1984، والذي كان بعنوان ازمة التعليم العالي في العراق، وبقلم المرحوم الدكتور صلاح خالص، حيث وجه سهام النقد الصريح والمباشر الى قيادة النظام في حينه وشخص خلل الإدارة وحمل المسؤولية للنظام واستشرف النتائج الوخيمة التي نعاني منها اليوم ويقول فيه (ان الذي حدث للتعليم العالي هو انتكاسة جديدة سببتها إجراءات ارتجالية فوقية ودون الالتزام بالأسس الديمقراطية)، وهذا ما لم يفعله احد نتيجة العواقب الوخيمة التي تحل على من يقوم بهذا الفعل إلا ان المجلة وكاتب الافتتاحية قد سار على نهجها الثابت في مقارعة الفكر الظلامي، كما كان لها حضور في الدراسات الاقتصادية من خلال مساهمة عدد من المفكرين والكتاب الاقتصاديين في العراق وفي الوطن العربي او من خلال ترجمة الدراسات المهمة، واستمرت هذا الإنجاز حتى يومنا الحاضر، مع الالتفات الى ان منهجها التقدمي كان في التركيز على المعرفة باعتبارها وسيلة الإنتاج العلمي والثقافي للمجتمعات، والحث على المفهوم المعرفي الإنتاجي في شتى المجالات لأن بقاء وترسخ المعرفة الاستهلاكية في المجتمع يجعل منه خانعا وخاضعا للسلطة المستبدة، ويرى المفكر الفرنسي روجيه غارودي بوجود علاقة بين المجتمع الاستهلاكي والسلطة المستبدة وعلى وفق ما أشار إليه في كتابه الموسوم (منعطف الاشتراكية الكبير)، وبذلك فإن للمجلة المحتفى بذكرى تأسيسها دورا في تنمية الروح التقدمية في شتى مجالات المعرفة المنتجة.
- وما هي مقترحاتك لتطويرها كي تواصل نشاطها وتبقى وفية لشعارها العتيد: فكر علمي.. ثقافة تقدمية؟
ان من اهم ما يميز المجلة، وعلى وفق ما تم عرضه سلفاً، هو توجهها التقدمي الإنساني، لذلك كانت تهتم بقضايا المجتمع، ومنها دور المرأة والاسرة والطفولة في الحركة الاجتماعية المنتجة للقيم التقدمية في اطارها المعرفي، وهذا الاهتمام يجب ان يستمر من القائمين على إدارة المجلة، وعلى وجه الخصوص في هذه المرحلة، لأننا لاحظنا الخط الرجعي الذي طغى على المجتمع في مجال حقوق المرأة والاسرة، وحالات التراجع عن المكاسب التي حصلت عليها، لذلك أرى ان يكون للأقلام النسائية المبدعة، الحضور الفاعل في إدارة المجلة وتحريرها واستقطاب العناوين النسوية المؤثرة في الوسط الاجتماعي والثقافي والمعرفي بوجهٍ عام، كما أرى ان تنفتح المجلة على العناصر الشابة التي لها حضور في المشهد الثقافي، مع انها الآن تهتم بهذا الملحظ، لكن أرى ان يكون الاهتمام أوسع، لان بوجود العناصر الشابة فكرياً ومعرفياً سيوفر للمجلة فرص الانتشار الاوسع في قطاعات الشباب وهم وسيلة التقدم والتطور، كما سيوفر فرصة ضم الأنصار لأفكار المجلة وتعظيم أعداد قرائها.
وفي الختام أتمنى لمجلة الثقافة الجديدة دوام التألق والنجاح وان ترتقي الى مصاف التقدم الفكري الذي نصبو إليه.
مع التقدير