أيلول/سبتمبر 12
   
 
   لمجلتنا المتجددة دوما، الثقافة الجديدة، حيزٌ هام وأساسي، في مسيرة حياتي، وعنصرٌ من عناصر أساسية في تشكيل وعيي وتواتر نضجي، في جوانب الفكر والسياسة والثقافة. وأول مرة اقتربت من مجلتنا المهيبة، كانت حين رافقت أخي الأكبر، وكان مثالي الأعلى، فقيدنا، سلمان داود السعدي، أواخر الستينات (أو ربما أوائل السبعينات)، وحينها شعرت بالهيبة، وأنا أدخل مكتباً صغيرا، في عمارة تعلو سينما النجوم وسط شارع السعدون. حينها عرفت أنه مكتب للثقافة الجديدة، وكانت التحضيرات جارية لعودة اصدارها علناً. والتقيت عن بعد لأول مرة بالمعنيين بها، وفي مقدمتهم الشاعر الفريد سمعان والخالد شمران الياسري. وتركني شقيقي في أحد أركان الشقة، المكتب، ولم أكن أعرف سبب وجودنا هناك. ولكنني وبحكم قناعتي بأن أخي لم يكن كاتبا أو صحفيا، خمنت أنه على موعد حزبي لترتيب أمر تنظيمي، في مرحلةٍ كان الحزب هميماً ناشطاً، في إعادة ترتيب منظماته وتشكيلاته. (الأمر الذي تأكد لي لاحقا، حين علمت أن أخي سلمان أصبح سكرتيراً لمحلية الكوت، وعضوا في لجنة المنطقة الوسطى). بعدها رأيت الشاعر فقيدنا الفريد وهو يتردد لمرات على بيتنا في منطقة حيّ دراغ في المنصور (المتنبي حالياً).
وهكذا بدأت أترقب صدور أعداد المجلة وأنكب، حريصاً، على قراءتها قبل أخوتي. كنت أقرأها من الغلاف إلى الغلاف، لا يفوتني شطر منقوش فيها. وأرى أن الوقت ومناسبة الاحتفاء، تدعوني للتصريح بفخرٍ، أن المجلة بموضوعاتها الفكرية والسياسية والثقافية - الأدبية، عززت بل ورسخت مكامن طبعي، وتعلقي بالمنهج الجدلي، وخاصة حين صرت على بينة منه بعد أولى قراءاتي لكتابيّ (موجز المادية الديالكتيكية والتاريخية لبودوستنيك وياخوت، وثم لكتاب أسس الفلسفة الماركسية، إعداد عزيز سباهي).
نعم (الثقافة الجديدة) كانت، وواصلت حتى اليوم، لأن تكون منبع تنوير ورفع لمستويات الوعي بالواقع وباستشرافات الآفاق، وسبل التغيير نحو الأفضل لحياة شعبنا، ونحو عالم أجمل.
وكنت محظوظاً حين وجدت نفسي معنياً بإعدادها والتحضير لصدورها في أوقاتها، وثم طبعها وتوزيعها. حصل ذلك عندما كلفت للعمل في مكتب إعلام الحزب في دمشق، وثم أقرب حين عدت من مهمتي في إذاعة (صوت الشعب العراقي) في شقلاوة، عام 1992، حينها تفرغت للعمل في مكتب الحزب، وعملت، وشُرفت بالعمل إلى جانب طيب الذكر، الجميل فقيدنا الدكتور غانم حمدون (أبو ثابت)، والرفيق العزيز وفقيدنا الدكتور حامد العاني (أبو سعد). وواصلت العمل بعد مغادرة أبو سعد إلى هولندا، وبعده الدكتور غانم، الى لندن. في تحرير موادها والتحضير لتواصل إصدار المجلة. كان الدكتور غانم وكعادته في الحرص وبذل جهوده بصمت وبجهادية لم أجد لها مثيلاً، يتابعني عبر البريد الإلكتروني، والتلفونات. كان عملاً مكثفاً في الإعداد وثم التنضيد في مكتب المدى في دمشق وباشراف العزيز فخري كريم (أبو نبيل)، وثم ايصالها الى المطبعة وتحميلها الى المكتب، للبدء بعملية فرزها ورزمها، لتوزيعها إلى المنظمات والرفاق والأصدقاء خارج الوطن. وتعبيراً عن مسيرتي مع المجلة في النضج الصحفي والكتابي، وبدفع ودعم من الدكتور غانم حمدون بدأت في نشر مقالاتي فيها، حيث نشرت العديد من موضوعاتٍ سياسية - فكرية وثقافية، حتى بعد اضطراري للسفر والإقامة في العاصمة الإيطالية روما، نهاية عام 1994.
هي مسيرة مبهجة، ومدعاة فخرٍ، تعلمت خلالها الكثير، فكانت مجلتنا وما زالت، وهي تتخطى عمرها السبعين، فناراً مضيئاً، أنارت وتنير دهاليز الظلام بسبل وأدوات المنهج العلمي، الجدلي.
طوبى لمجلتنا بعد هذه المسيرة الثرّة، بالفكر والإبداع، وطوبى لكل من عمل فيها ورعاها طيلة سنواتها السبعين. وكل التحايا لكل من يواصل العمل على ثباتها ركيزة متعاظمة في دورها الفكري والثقافي الملموس، بل وتجديدها شكلاً وفي المضمون ... هي وستبقى مشعل نور يضيء الظلمات، في زمن ينحى فيه الظلاميون نهج التعتيم والتكفير ... !!!.