اسقطت وثبة كانون الثاني 1948 وزارة صالح جبر ومعاهدة بورتسموث 1948، وانتقاما منها شنت سلطات النظام الملكي الرجعي حملة قمعية همجية شرسة ضد القوى الديمقراطية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي في عامي 1948 ــ 1949، مستغلة الأحكام العرفية التي اعلنتها بحجة حماية مؤخرة الجيش الذاهب الى فلسطين، وتوجت هذه الحملة بإعدام قادة الحزب الرفاق "فهد وحازم وصارم" في 14 ــ 15 شباط/ فبراير 1949، ولكن الحملة القمعية لم تستطع ان تخرج الحزب من ساحة النضال، كما توهم الحاكمون وأنه تم القضاء على الحزب الشيوعي، حيث قال السفير البريطاني وقتذاك ان "الحزب الشيوعي لن تقوم له قائمة لأكثر من عشر سنوات"، لكن سرعان ما عاد الى ميدان النضال وقاد انتفاضة تشرين الثاني 1952، ورغم ان انتفاضة تشرين 1952 لم تحقق أهدافها لكنها أعطت زخما قويا للجماهير، وكسرت وهم القضاء على الحزب الشيوعي العراقي، ففي النصف الثاني من عام 1953 سعى الحزب الى التعاون مع عدد من المثقفين الوطنيين التقدميين والذين يتفقون معه في بث الفكر العلمي والثقافة التقدمية، واثمر هذا السعي عن صدور العدد الأول من المجلة والذي طبع منه ألفا نسخة وهو اعلى رقم لمجلة فكرية، ونفذ العدد خلال ايام، وكان صدورها يشكل تحديا للنظام الملكي وقمع اجهزته الأمنية. بعد صدور العددين الأول والثاني (نوفمبر/ ديسمبر 1953) تم سحب امتياز إصدارها (صاحب الأمتياز مهدي جواد الرحيم) ، فتم اصدار العدد الثالث (نيسان/ ابريل 1954) بإسم صاحب امتياز جديد ( عبدالرزاق الشيخلي) وتم الغاء الامتياز ايضا. ظل العدد الرابع حبيس الأدراج لحين انتصار ثورة 14 تموز 1958، فصدر العدد الرابع بعد ايام من انتصارها. ومن المؤسف أنه في العهد الجمهوري الذي استبشر به الشعب العراقي، تعرضت المجلة الى الإغلاق في ايلول عام 1960 بعد صدور اثني عشر عددا منها، وتوقفت المجلة عن الصدور لسنوات، طيلة العهد البعثي الأول وعهد العارفين، حيث عاودت الصدور في نيسان 1968، وواصلت الصدور لغاية مطلع عام 1979 اذ توقف إصدارها إثر الحملة الفاشية البعثية على الحزب، ولكن عاودت الصدور عام 1980 في لبنان، وعام 1981 في دمشق واستمرت لغاية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، حيث صدرت في بغداد في حزيران 2003 وحمل العدد رقم 309، وما زالت تواصل الصدور. وقد تولى رئاسة تحريرها خيرة المبدعين والمفكرين العراقيين (خالد طه نجم المحامي، عبدالمنعم الدركزي، صلاح خالص، مكرم الطالباني، غانم حمدون، رائد فهمي)، ومنذ عام 2008 ولغاية الآن يرأس تحريرها القامة العلمية الاقتصادية الدكتور صالح ياسر.
ان مرور سبعة عقود على صدور مجلة " الثقافة الجديدة"، مناسبة تستحق التوقف عندها والاحتفال بها، فمجلة "الثقافة الجديدة " أصبحت عبر تاريخها الطويل من المجلات التي تركت بصمتها في حركة الثقافة الوطنية التقدمية العراقية، ونشر الحركة التنويرية في البلاد، ولرصانتها ومستواها الفكري والثقافي، أصبحت فخرا لمن يتم نشر مقال له فيها، وكانت "الثقافة الجديدة" حقا اداة لنشر الفكر العلمي والثقافة التقدمية، وتصدت لحمل هذا اللواء منذ صدورها، وتزينت بشعار "الشعلة والعجلة"، وطوال العقود السبع ظلت وفية لدورها التنويري التطوري وللفكر العلمي والثقافة التقدمية، واستقطبت خيرة المبدعين والمثقفين طيلة العهود الماضية، وواصلت الصدور رغم تعرضها لشتى ظروف التعسف والاضطهاد في مختلف الأنظمة الرجعية والدكتاتورية والاستبدادية، و تعرض المشرفون عليها وكتابها ومحرروها للسجن والاعتقال والتشرد. ان اهم ما امتازت به المجلة دون غيرها من المجلات، الجهود التعاونية التطوعية سواء من كتابها ومحرريها أو من تولى رئاسة تحريرها والمشرفين عليها، فالجميع يعملون بنكران ذات عالية، من اجل تطويرها وإخراجها شكلا ومضمونا بما يتناسب ورصانتها وتأريخها.
ان أبواب المجلة الحالية والثابتة منذ اكثر من عقد ونصف مثل مقالات، نصوص قديمة، نصوص مترجمة، حوارات، إضافة الى ادب وفن، جيدة ومن المفيد الإستمرار بها، ومن المفيد ايضا الإهتمام بالملفات الخاصة مثل ملف الشاعر المناضل مظفر النواب، ذكرى انتفاضة تشرين، ثورة 14 تموز، الواقع الزراعي، الصناعي، وغيرها. وايضا الإهتمام بالندوات والطاولات المستديرة، واقترح ان يكون باب تحت لافتة "لقاءات" او اي مسمى، يتم فيه اللقاء مع المناضلين القدامى وتسجيل ذكرياتهم ومآثرهم النضالية وتجاربهم لكي يطلع عليها الجيل الحالي وتتم الاستفادة منها، اما باب ادب وفن فأقترح فسح المجال للشعر الشعبي والكتابات والدراسات في التراث.
علاقتي بمجلة الثقافة الجديدة بدأت منذ معاودة صدورها في نيسان 1968، وكنا وقتها ثلاثة طلاب (مصطفى سعيد، شعيب ادهام، جاسم هداد) ندرس في معهد الهندسة التطبيقية العالي/ جامعة بغداد ونسكن القسم الداخلي في غرفة واحدة، ونعتاش على الإعانة التي نستلمها من الجامعة وكانت وقتها سبعة دنانير ونصف، لذلك اتفقنا على شراء المجلة بشكل منتظم، وندفع ثمنها مشاركة، وبعد انتهاء دراستنا، فقد تبرع صديقاي مشكورين بأعداد المجلة لي.
في الختام أتقدم بالشكر الجزيل مع الامتنان للقائمين على المجلة لدعوتهم لي للمشاركة في هذا العرس الثقافي للمجلة التي ترنو للمستقبل، مع اطيب الأمنيات بالتقدم والتطور والنجاح، وتأدية رسالتها لما فيه تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية.