حين بدأ الوعي لجأت إلى متابعة الكتب والمجلات التي تعني بالفكر والتوجه الوطني، وكان لا بد من إيجاد وسيلة للوصول الى مثل هذه الإصدارات لأن الوضع المالي كان لا يساعد على دفع ثمن تلك الكتب والمجلات، وجدت ان زوج شقيقتي الراحل (عبد المحسن ناجي الحداد) وهو معلم، وكان من المثقفين الحاملين للفكر الوطني واليساري، وفي بيته مكتبة متواضعة تضم من بين كتبها أعدادا من مجلة الثقافة الجديدة، تلك الاعداد شكلت مساهمة في زيادة الوعي والمعرفة في سنوات ما بعد ثورة ١٤ تموز، وبقيت تلك الموضوعات التي تضمها المجلة وهي تحمل أسماء خيرة الأقلام الوطنية تحقق مهمة انتشار الوعي والثقافة التقدمية ضمن فترة مهمة من تاريخ العراق السياسي الحديث.
وبقي اسم المجلة وعدد من أسماء من كتبوا راسخة في الذهن، غير ان الظروف السياسية المضطربة حجبت اصدار تلك المجلة الرائدة، وبقيت تلك الاعداد القديمة المرصوفة في مكتبة الأستاذ عبد المحسن الحداد نرجع لها بين فترة وأخرى. وبنتيجة الانقلاب الدموي في شباط 1963 تم اتلاف جميع الاعداد نتيجة الاضطهاد السياسي والفكري والثقافي. وشكلت تلك الاعداد حراكا فكريا له اثر كبير على القارئ. اعداد مجلة الثقافة الجديدة كانت تعتبر اثباتا او قرينة تؤدي بحائزها الى السجن امام المحاكم والمجالس العرفية، غير ان المجلة حفرت في الذهن موقعها واثرها محققة بذلك برنامجها الوطني.
بعد تموز 1968 تم فصلي من الوظيفة، ولما عادت الثقافة الجديدة للصدور مرة أخرى كنت حريصا على الحصول على اعدادها ومطالعة الموضوعات القيمة والمهمة التي يكتبها كتاب وشعراء ومفكرون، ومواظبا على اقتناء كل عدد.
بعد استشهاد الرفيق (محمد الخضري – أبو سلام) كنت ضمن وفد الديوانية للحزب الشيوعي العراقي لحضور مجلس الفاتحة المقام في بغداد، وكان معنا الشاعر كامل العامري، الذي القى قصيدته الشهيرة والجريئة (بجينا وما بجينا عليك ياجلمة بحلك تاريخ .......) بحضور عدد من قيادات البعث، وبعد ان أكمل القصيدة سلمني إياها إلا ان الراحل شمران الياسري طلبها مني فسلمتها له، وزادني سرورا حين وجدت ان القصيدة نشرت في العدد الذي صدر بعد ذلك.
تركت الثقافة الجديدة اثرا كبيرا ومتميزا بين الإصدارات، ومبادرة وطنية عززت الفكر والنضال في فترة مهمة من تاريخ العراق الحديث. وكانت المجلة غنية بموضوعاتها وكبيرة بأسماء المساهمين في الكتابة فيها، ومتنوعة في اطر الثقافة والفكر والسياسة والاقتصاد، ولم تتمكن مجلة اخرى من ان تصل لمستواها بالرغم من الدعم المادي والمعنوي الذي تمنحه الحكومة لتلك الإصدارات.
بعد فترة من الانقطاع القسري عادت الثقافة الجديدة عام 1968 مرة أخرى تنافس المجلات العراقية والعربية في تنوع موضوعاتها وعمقها٬ تضمنت اكثر الاعداد ملفا مهما نجد ان من الضروري ان يستمر في كل عدد من اعداد المجلة لمعالجة قضية عراقية، والمجلة بحاجة ماسة الى تبسيط الفكر العلمي ودعمه بموضوعات تهم الجيل الجديد من الشباب الواعي، ومنح فرصة لشعراء الشعر الشعبي والشباب، بعد رحيل عدد من المشرفين على تحرير المجلة وانقطاع آخرين نجد ان تشكيل هيئة تحرير جديدة يزيد من قيمة وفاعلية المجلة. كما نرى ان دعم المجلة ماديا امر ضروري وفاعل، خصوصا من العراقيين خارج العراق، وإيجاد طرق لإيصال الاعداد لهم، ومفاتحة كتاب عراقيين من شتى التوجهات السياسية لكتابة موضوعات تهم الشعب والوطن، وتحرير المجلة من سياسة الخط والتوجه السياسي الواحد، وكتابة موضوعات تاريخية في الشأن العراقي. ولما كانت الثقافة الجديدة مرافقة لصحافة الحزب الشيوعي العراقي ونافذة من نوافذه الثقافية نجد ان فتح صفحات تؤرخ نضال الشيوعيين الراحلين ممن ترك اثرا وسجل له مواقف ومآثر، وان تكون هناك فسحة أخرى لموائد مستديرة تتم فيها معالجة قضايا عراقية من قبل مختصين للفائدة العامة لإجراء الحوار والنقاش وصولا الى نتائج مفيدة، وان يبقى شعار الثقافة الجديدة الفكر العلمي والثقافة التقدمية هدفا أساسيا ترتكز عليه المجلة فعليا.