أيلول/سبتمبر 12
   
شهادة الفنان التشكيلي رسمي الخفاجي في ملف سبعينية الثقافة الجديدة
   انطلاقا من الاسم، الثقافة الجديدة تجعل القارئ يتوقف ليدرك من انها تحمل في طياتها كل ما هو جديد وفي كل المراحل، اي انها مجلة تعكس وتواكب عصرها.
إذا نظرنا للفترة التي انطلقت فيها، وهي فترة الخمسينات، الفترة التي اتسع فيها الصراع السياسي والتي سبقت انطلاق ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بسنين قليلة، لأدركنا أهمية الحدث، الولادة الجديدة، ولادة منبر للثقافة التقدمية والفكر العلمي لتصبح المجلة سلاحا نظريا تقدميا بيد الجماهير الواعية، ولاسيما وسط المثقفين في تلك الفترة.
لقد كانت المنبر العلني الوحيد والذي اخذ على عاتقه الترويج للأفكار التقدمية، وكانت حافزا للكثير من المثقفين العراقيين للتقرب من الافكار الماركسية، بل للانتماء للحزب الشيوعي العراقي.
كان ما يصدر على صفحاتها من مقالات لرواد الفكر اليساري، قد ولدت نقاشات على المستوى النظري، وعمقت الصراع السياسي وتحولت كمرشد في مجال السياسة الاقتصادية التقدمية.
لقد ولدت المجلة في فترة كانت عصيبة في حياة الحزب، فلم تمض سوى سنوات قليلة على استشهاد مؤسس الحزب الرفيق فهد ورفاقه الميامين، لتكون ردا وتحديا للنظام الملكي، والذي اعاق استمرارها بعد صدور العدد الثاني منها، وبرغم اللجوء الى صيغة للإفلات من النظام، بإصدار العدد الثالث برقم العدد واحد بالتعاون مع المحامي عبد الرزاق الشيخلي الذي وافق على تغيير اسم مجلته المجازة (ادب الحياة) ليسميها الثقافة الجديدة، الا ان السلطات الملكية ادركت الامر واغلقت اصدارها مرة اخرى، لكنها عادت للصدور من جديد بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958.
لقد مرت المجلة بفترات مختلفة تبعا لظروف البلد السياسية وتم اغلاقها ولأكثر من مرة، لكنها وفي كل مرة تسترجع قواها بفضل اصرار المثقفين الديمقراطيين والشيوعيين لتعاود الصدور، وفي حالات عدة كان هناك تحد لاستمرار اصدارها وفي ظروف صعبة للغاية وخاصة في اوقات ملاحقة الشيوعيين والديمقراطيين ليستمر اصدارها خارج العراق.
لقد تحولت المجلة وبسبب الافكار التي تنشر على صفحاتها، الى مصدر قلق لكل الانظمة المتتالية في العراق واغلب الأنظمة العربية والتي منعت تداولها، وكانت تشكل هاجس خوف من وجودها حتى فترة اصدارها في الخارج.
اننا وفي الوقت الذي نتذكر فيه ولادة الثقافة الجديدة لا بد ان نتذكر أولئك الشجعان من الديمقراطيين والشيوعيين الذين اخذوا على عاتقهم تحمل مسؤولية اصدارها وفي أصعب الاوقات، وان ننحي اجلالا لهم وللذين جاءوا بعدهم ليجازفوا بحياتهم من اجل استمرار ينبوع الثقافة التقدمية والفكر العلمي، كما نحيي القائمين على استمرارها في الوقت الحالي.
لقد عملت المجلة بانتظام وما زالت لتكريس جهودها ليكون للأدب والفن التقدميين حيز كبير على صفحاتها، حتى انها تحولت مصدرا للتعريف بالكتاب والشعراء والفنانين الشباب، إضافة للأسماء البارزة في العراق وعلى المستوى العربي والعالمي وفي مختلف الاوقات، وبشكل خاص عندما استحدثت بابا أطلق عليه (ادب وفن).
ما اود اقتراحه لهيأة تحرير المجلة هو: ان تتعمق بنشر المقالات التي تعتمد في جوهرها موضوعة الصراع الفكري، لأهميته القصوى في هذه المرحلة من تاريخ الشعوب في المنطقة، وبشكل خاص الوضع المزري في العراق، وما نحن عليه من تراجع العقل الجمعي وضمور العلم وسيادة الافكار المتخلفة واشاعة الخرافات المتلبسة باسم الدين والمذهب والطائفة.
ان مهمة المجلة كفكر علمي، هو مواجهة هذه الافكار والتصدي لها، لأنها اصبحت جدارا منيعا امام تطور وتقدم شعوب المنطقة، وبالنتيجة شيوع التخلف على المستوى الثقافي والاجتماعي بل السياسي والاقتصادي، والذي في النتيجة سيؤدي الى انهيار الدولة بشكل كامل وتفتت وحدة اراضيها، ليحل البديل وهو التخندق في إطار القومية والمذهب والطائفة.
رسمي الخفاجي