أيلول/سبتمبر 12
   

الروائي عبد الله صخي، واحدٌ من جيل من الكتاب، الذين ظهروا من قاع الفقر في (مدينة الثورة)، التي عاش طفولته وشبابه فيها. وأتيحت لهم فرص التعلم في أواسط الستينيات وصعدوا كظاهرة ثقافية في أواسط السبعينيات. الفقر هو بيئتهم وهو موضوعهم. ظاهرة لم يلتفتْ لها أحد، أغلبهم انتمى لليسار. للتعرف الى طبيعة حياتهم واتجاهاتهم أجريت حواراً على ثلاث جولات معه. الحوار لم ينحصر بتجربته وحدها، إنما توسع ليشمل أبناء جيل كامل عانى الفقر والإنكار… وكيف انعكست تجربتهم الحياتية على نتاجهم الثقافي؟

 الثقافة الجديدة: تحدثنا قبل أيام عن ظاهرة حضور مثقفين نشأوا في قاع الفقر في مدينة الثورة. أنت واحد منهم. كيف تحدد بداية هذا الظهور في الستينيات أم في السبعينيات؟
عبد الله صخي: عانى الناس من شراسة الفقر قبل نشوء مدينة الثورة (الصدر حاليا) أوائل ستينيات القرن الماضي. ومع أن نسبة كبيرة من المجتمع كانت تكابد مصاعب كبيرة في العيش خلال العهدين الاستعماري والوطني، غير أنه تركز كظاهرة مهيمنة في أوساط سكان الصرائف والعشوائيات وتجمعات الصفيح في منطقة خلف السدة الشرقية والشاكرية وبزايز الصليخ وغيرها. تجلى ذلك بأوضح صوره خلف (سدة ناظم باشا) في خاصرة بغداد التي وصلها المهاجرون من أرياف جنوب وجنوب شرق العراق، بحثا عن حياة خالية من ذل القهر والديون والجوع، وبحثا عن الاطمئنان الشخصي والاقتصادي. في تلك البقعة الموحشة التي أطلق عليها البعض اسم "العاصمة والميزرة" أو "سكان الصرائف" اقترن الفقر بالأمراض المتوطنة وبرك المياه وسط أكواخ متلاصقة متداعية تفتقر إلى الكهرباء والماء والصرف الصحي ما سبب تدهورا في الحالة الصحية للسكان وخاصة الأطفال الذين كانوا يموتون في وقت مبكر من حياتهم. ذلك الحشد المأساوي من البشر كان هاجسا مقلقا لرئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم منذ الشهور الأولى لحكمه عام 1958. يروي أحد المقربين منه أنه غالباً ما كان يقف على سدة ناظم باشا التي تفصل العاصمة بغداد عن خلف السدة، ويفكر بحلول لتلك المشكلة التي تؤرقه، والتي كان البحث فيها قائماً لدى مجلس إعمار العراق في العهد الملكي. يومها انجز المهندس اليوناني كونستانتينوس دوكسيادس تصميم مدينة الثورة بتكليف من الحكومة العراقية التي وزعت قطع أراض مجانا للسكان، على أن يشيدوا منازلهم بالطابوق والجص والإسمنت. وقد تبين في ما بعد أنه أسوأ تصميم لمدينة على الإطلاق إذ نهضت كتل متراصة من صفوف طويلة لا تتخللها منافذ تسمح بعلاقات اجتماعية رحيمة للحد الذي لم يكن بالإمكان أن تتصل بجارك الذي يقع بيته خلف بيتك إلا باستدارة طويلة. في البداية تركت ساحات فارغة في كل قطاع لكن مدارس جديدة احتلتها فضيّقت الخناق على البيوت المحاصرة أصلا. كما أن التخطيط لم يفكر بالصرف الصحي، فيما تركت الشوارع ترابية بدون تعبيد فتتحول بسبب الأمطار إلى خليط طيني يضطر الطلاب والموظفون معه إلى أخذ حذاء إضافي يلبسونه عندما يصلون إلى الشارع العام المعبّد.
 
 الزعيم المحبوب
    أحب سكان هذا الحي عبد الكريم قاسم واعتبروه واحداً منهم، فهو المنقذ من المآسي التي كانوا يتعرضون لها، خاصة في فترات فيضان نهر دجلة، إذ تعوم أكواخهم في المياه بعد أن تتسرب نحو الأفرشة والأواني. عندما أعلن انقلاب الثامن من شباط/ فبراير عام 1963  مستهدفا الزعيم وحكومته وإنجازاته، نزل سكان خلف السدة إلى الشوارع مطالبين بتوزيع السلاح عليهم لرد العدوان عنه، عن شقيقهم ومخلّصهم، لكنه رفض خشية أن تندلع حرب أهلية تمزق المجتمع. أعدم المنقذ بعد محاكمة صورية لم تستغرق سوى دقائق في قاعة الموسيقى في الإذاعة. وحين شاهدوا جثته في التلفزيون شملهم حزن عميق لم تبدده الدموع الغزيرة. ومع ذلك لم يصدقوا الخبر فسهروا الليالي التالية في العراء لمشاهدة صورته في القمر، وراحوا يتبادلون الأساطير حول مصيره. لقد شعروا أن القدر تواطأ ضدهم ليأخذ منهم إنسانا التفت إليهم ورعاهم وأنصفهم على عكس المسؤولين السابقين الذين أهملوهم وسط المياه الآسنة والأمراض والنوم بجوار الحيوانات، أولئك الذين نظروا إلى وجودهم كعبء ثقيل على المدينة.
حمل سكان خلف السدة أغراضهم إلى المدينة الجديدة، شمال شرق بغداد باتجاه محافظة ديالى، حملوا معهم فقرهم وبؤسهم وعذابهم للحد الذي لم تتمكن عوائل كثيرة من بناء بيوت لها لأنها لا تملك التكلفة المالية، لذلك اكتفت بسياج حول الأرض وجدار في الأمام هو واجهة الدار المقبلة. لم يكن والدي، على سبيل المثال، قادرا على تشييد منزل فبنى الواجهة من الطابوق وفي آخر قطعة الأرض بنى غرفة طينية شبيهة بتلك التي كنا نسكنها خلف السدة. استغرق الأمر سنة حتى بنى غرفة واحدة للعائلة كلها المكونة من ستة أفراد. في العام 67   مرض والدي فلزم الفراش محتقنا كئيبا يحدق طول النهار في ساقيه المتورمتين، وينظر في مرآة يدوية لمعرفة كثافة صفرة عينيه ثم يعيدها تحت الوسادة كي تكون في متناوله دائما. أخذتُه إلى طبيب بغدادي افتتح عيادة له على الشارع العام لمنطقة الداخل، ليس بعيدا عن محلتنا. بعد الفحص طلب مني أن أجلسه في غرفة الانتظار، وأعود إليه ليخبرني همسا بأن مرض والدي لا شفاء منه وكتب وصفة بالدواء بناء على طلبي، لأن والدي لا يقتنع بطبيب لا يعطي دواء لمريض، أو لا يحقنه إبرة. وجاء يوم كان والدي فيه غاضبا لأنه يعتقد أننا أهملناه، ولم نتابع علاجه لدى طبيب قدير. وعدته أن أعرضه على طبيب آخر بعد أن نوفر ثمن المعاينة والعلاج، لكنه رفض وأصر على أن آخذه إلى المستشفى الجمهوري (مدينة الطب). حملته على ظهري من البيت إلى الشارع العام. ركبنا في سيارة أجرة من نوع نيرن، تعمل على خط الثورة - باب المعظم. ومن هناك حملته على ظهري مجددا إلى المستشفى، لأننا لا نستطيع دفع أجرة تاكسي. بعد الفحص قال لي الطبيب "أخذ أبوك للبيت ابني"، ففهمت أن والدي يوشك على الموت.
 
الثقافة الجديدة: تقول "عانى الناس شراسة الفقر قبل نشوء مدينة الثورة (الصدر حاليا) أوائل ستينيات القرن الماضي. أنت عشت هذه الأجواء. هل لك أن تصفها بعين طفل ثم صبي؟ الفيضانات، مثلا؟
 مدينة وسط الماء
 عبد الله صخي: المشهد الذي علق في ذاكرتي هو لمسطح مائي نشأ من فيضان خطر لنهر دجلة، هدد بغداد كلها بالغرق. تبرز صورة أختي بين عدد من الفتيات اللائي اجتمعن لغسل الملابس في صيف ذلك العام. كان المسطح المائي خارج أكواخ منطقة خلف السدة. أجلستني أختي في طست كانت وضعته في الماء كي تنصرف للغسيل. في سنة لاحقة رأيت برك مياه كثيرة تتشكل في المنخفضات بين السقائف والأكواخ لم تتمكن حرارة طقس الأصياف اللاهبة من تبخيرها فكانت مناسبة لرجل راح يجاهد ليصطاد السمك. كان يتنقل من بركة إلى أخرى. مرة وقفت قربه فاصطاد سمكة. علقها بخيط وأهداني إياها. عدت فرحا إلى البيت فطلبت من أمي طهيها لكنها بددت فرحتي بقولها إن هذه السمكة لا تؤكل فهي من نوع "أبو الزمّير".
تتضاعف تلك البرك والمستنقعات مع موسم الأمطار فتغدو مأوى مثاليا للجواميس التي تغطس فيها ساكنة. كان عليّ أن أشق طريقي كل يوم إلى المدرسة الابتدائية النائية بين الجواميس الغاضبة المتجهمة خارج الماء. غالبا ما كانت تهاجمني مندفعة بقرونها حين أمرّ بجوارها، لذلك كنت أتفاداها بارتقاء سدة ناظم باشا باتجاه معامل الطابوق. لكني لم أنجُ من الكلاب الضارية المتوحشة التي كانت تلاحقني حتى وأنا على ذلك المرتفع. لذا كانت أمنيتي الحصول على دراجة هوائية فهي الوسيلة الوحيدة التي أتخلص فيها من الكلاب والجواميس. كان أهلي يعدونني بدراجة كل عام دراسي، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك لعدم قدرتهم على شرائها.
 
الثقافة الجديدة: في هذا الفقر المأساوي الذي وصفته، كيف تشكلت مجموعة من المثقفين (كتاب، فنانين، مغنين…) كيف؟
 
الثقافة في مواجهة الفقر
 عبد الله صخي: مع الإدراك المبكر للجيل الثاني من أبناء المهاجرين للواقع اليومي المزري الذي كان يحيطهم في ظل بطء شديد لأي ملمح تقدم، تشكلت رغبتهم في التعليم من أجل تغيير مستويات معيشتهم وحياتهم فانبثق طلبة بارعون في أبرز مدارس تلك المرحلة في المدينة هي متوسطة بورسعيد، متوسطة المصطفى وثانوية قتيبة. ظهر منهما معلمون وضباط ومهندسون وأطباء ومحامون، إضافة إلى انشغالهم بالرواية والقصة والشعر والموسيقى والرياضة والبحوث والدراسات، فبدا للمدينة وجه مشرق ناضل بلا هوادة ضد الفقر والعوز والتمييز. ومع تقدم سنوات الستينيات برزت كوكبة من الشعراء والمطربين والكتاب والرياضيين في مسعى استثنائي للبحث عن الجمال بوصفه أداة خلاقة لبناء الشخصية. وفي مسعى استثنائي للظفر بالحب المفقود، ثم في مسعى آخر لإثبات الوجود في الإطار الاجتماعي وخصائصه التي من المفترض أن تتساوى فيه هوية المواطنة لتشمل الجميع دون استثناء. المدينة نظرت إلى المهاجرين القادمين إليها من المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية نظرة استعلاء وارتياب، فهي تعيب عليهم لهجتهم وملابسهم ووعيهم ومهنهم. لذلك حرص أبناء المدينة على تكريس شخصيتهم دفاعاً عن الروح المظلومة المقهورة، ولتذليل العدوانية الشرسة ضد بعضهم وضد الآخرين التي تسبب بها الفقر والحرمان، فانحازوا للجمال والإبداع في مختلف ميادين الرياضة والمسرح والغناء والشعر والقصص والفنون التشكيلية، فبرز من بينهم عدد غفير من المبدعين يصعب إحصاؤهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر في الشعر عريان السيد خلف، كاظم اساعيل الكاطع، فالح حسون الدراجي، كريم العراقي، حميد قاسم، شاكر لعيبي، عبد الزهرة زكي، جمال جمعة، حمزة الحلفي، علاء حسين، حسن المرواني، نصيف الناصري، معتز رشدي، عواد ناصر، خزعل الماجدي، جمعة الحلفي، عبد الحسين صنكور. في القصة والرواية جمعة اللامي، عبد جعفر، داود سالم، مهدي علي الراضي، فاضل الربيعي، علي خيون، عبد الستار البيضاني، وشوقي كريم ونصيف فلك. في المسرح والسينما قائد النعماني وعزيز خيون وشذى سالم ورعد مشتت ورحيم العراقي وعباس الحربي ومحمد هاشم. في الرياضة لعب في المنتخب الوطني ونوادي الصف الأول ناطق هاشم، كاظم لعيبي، شاكر محمود، فلاح حسن، كاظم وعل، بشار رشيد، كريم صدام. في الملاكمة حسن بنيان. في كمال الأجسام علي الكيار. في الفن التشكيلي قاسم الساعدي وسعيد حميد. في الدراسات والبحوث رشيد الخيون. في الغناء والموسيقى تتبع المطربون الجدد ما أنجزه داخل حسن وحضيري أبو عزيز وجبار ونيسة وخضير حسن وكرير وجويسم. تلك الأصوات القادمة مع محمولها الاجتماعي عبر حقول الحنطة وبساتين الفواكه وقصب الأهوار وغابات النخيل أيقظت اللوعة المكبوتة في قلوب العشاق الهائمين مع المياه والسنابل فينهمر الحنين الموجع في الأعراس والمقاهي وحفلات الختان. تلك الأصوات وجدت طريقها إلى قلوب أبناء المدينة قبل حناجرهم، فتواصلت رسالة الحب السرية بأصوات سلمان المنكوب وعبادي العماري وسيد محمد النور وفرج وهاب وعبد الزهرة مناتي وحسين سعيّدة وحميد منصور وحسن بريسم وصباح الخياط وصلاح البحر وحاتم العراقي وعبد فلك ومهند محسن وأحمد مختار ووحيد الأسود، وغيرهم الكثير يؤسفني ألا أتذكرهم. مدينة الثورة مدينة غناء، امتداد طبيعي لغناء جنوب البلاد. كان شباب المدينة، الذين إلى جانب دراستهم، يحلمون بأن يصبحوا مطربين محترفين ذلك أن قلوبهم عامرة بالحب والجمال. مرة قابلت شابا طموحا تحتل فكرة الغناء أقصى أحلامه مع أن صوته محدود لا يؤهله للاحتراف، وربما لا يصلح حتى لفرقة شعبية محلية لكنه يصر على الغناء في كل جلسة ويعلن هدفه بأن يصبح مطرباً محترفاً. كانت حياته سهلة مترفة على عكس حياة الآخرين القاسية غير أنها قصيرة، لسوء الحظ، ومأساوية فقد انتحر لسبب مجهول، الأمر الذي ترك في قلوبنا مرارة تتكرر كلما جمعتنا جلسة غناء، أو اشتهر مطرب من أبناء المدينة.
 
الثقافة الجديدة: تقول بأن عددا من المبدعين في مدينة الفقر انحازوا للجمال، هل لك أن تفصّل في الظاهرة مستخدما أمثلة مجايليك؟
 عبد الله صخي: بانحيازهم للقصيدة والقصة القصيرة واللوحة والدراسة والأغنية إنما كانوا يقيمون نوعا من التوازن النفسي بين حياتهم الشاقة وطموحاتهم لتغييرها. إنهم يرون أنفسهم في شعرهم وغنائهم ورسومهم. يرون في نتاجهم قوى الحب المتصارعة في قلوبهم الظامئة. عطش طويل الأمد يتطلع للارتواء من أنهار الحب التي تجري أمامهم لكنهم لم يتمكنوا من الوصول إليها فانهمكوا بالأحلام. لقد سعوا بكل قواهم لمعادلة روح الضاحية المهمشة التي تطوقهم مع المدينة الطاردة غير المكترثة بعذاباتهم. إنهم "قرويو المدن" بتعبير الكاتب المرموق محمد خضير الذين استخدموا جمال غنائهم وشعرهم ومواهبهم في الرياضة والرسم والأدب لملامسة الجمال المباشر، جمال فتيات الجامعة أو الدائرة، وجمال التعبير عن الحرية المفقودة. أشير هنا إلى قصائد عريان السيد خلف، كريم العراقي، فالح حسون الدراجي، كاظم إسماعيل الكاطع، خزعل الماجدي، شاكر لعيبي، حميد قاسم، عبد الزهرة زكي، وغازي الفهد، وقصص جمعة اللامي، عبد الستار البيضاني، نصيف فلك، شوقي كريم، عبد جعفر وداود سالم، وأعتذر من المبدعين الذين لا تحضرني أسماؤهم الآن. يمكن اعتبار قصيدة "أنا وليلى" لحسن المرواني نموذجا للانحياز للجمال الشعري ومن ثم الغنائي في الكشف عن التطلع الروحي للآخر الذي ينأى، الذي لا يستجيب لرغبات السرور الكامنة في قلوبهم العاشقة.
  
الشيوعية والفقر
    قبل الانقلاب على سلطة الرئيس عبد الرحمن محمد عارف وعودة حزب البعث للحكم في تموز/ يوليو 1968 وجد الفكر الشيوعي طريقه إلى قلوب الكثير من سكان المدينة تجلى ذلك في فوز المنظمة الشيوعية اتحاد الطلبة في العراق، في انتخابات ثانوية قتيبة التي تفوق فيها على منظمة البعث الاتحاد الوطني لطلبة العراق. وقد كانت الانتخابات الوحيدة التي جرت في المدينة، بعدها وضع الحزب الحاكم خططه لإعادة ترتيب أوراق المدينة فانقسم الولاء السياسي بين الشيوعيين والبعثيين. بالنسبة للوسط الثقافي والفني كانت الشيوعية ملاذا لهم مع أنه ملاذ ليس آمناً أبداً، فغالبا ما يكون الشيوعيون أو أصدقاؤهم عرضة للاعتقال والتنكيل في أي يوم. كانت الشخصيات الشيوعية بالنسبة لكتاب المدينة وشعرائها وفنانيها مثالا يقتدى به مثل ناظم حكمت وآراغون وبابلو نيرودا والأدباء السوفييت وفكتور خارا، مثلهم تماما يغمرهم أمل بتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والنظام الإنساني الذي يحترم المواطنة وحقوق السكان من مختلف الأعراق والأديان في جميع محافظات البلاد.
 
الثقافة الجديدة: ما الذي أثّر في خيارك السياسي، الفقر، العائلة، القراءة، الوسط؟
عبد الله صخي: عملت مع شريحة من العمال الذين قدموا من أصول فلاحية، وضعُ بعضهم يشبه وضعي، فهم يواصلون دراستهم ويعملون أثناء العطلة الصيفية. وهناك من ينتظر الخدمة العسكرية الإلزامية أو الذي أنهاها وتزوج وبدأت معاناته مع أطفاله. أما الأسطوات (الخلفات في البناء أو في تبييض المنازل من الداخل بالجص) فكان منهم شيوعيون تركوا العمل الحزبي بعد العام 1963. في أثناء دورة الشغل اليومية كنا نتبادل الأحاديث القصيرة حول شقاء العمال والفلاحين والصعوبات المالية التي تواجه أسرهم. روى لي أحدهم أنهم لم يتمكنوا من إقامة مجلس عزاء لوالده المتوفى فتحمل الجيران التكلفة. لكن العمل في المحافظات أتاح لنا المزيد من الوقت لتلك النقاشات ذلك أننا أما أن نقيم في فندق رخيص أو ننام في مكان العمل نفسه. ففي الفترة الليلية الوجيزة، قبل أن يهيمن النعاس على أجسادنا المنهكة كنا نستعيد الكثير من الحوارات الناقصة التي جرت في النهار. في إحدى الليالي أراني أحد الأسطوات، وهو شيوعي سابق، إصبعه الصغيرة المقطوعة ليثبت لي أنه تعرض للتعذيب. كان يقص علينا حكايات عن أخلاق الشيوعيين الرفيعة وعن أمنياتهم ونضالهم من أجل العدالة الاجتماعية. مرة حصل على عمل في بلدة الهويدر بمحافظة ديالى. ومن بعقوبة ركبنا سيارة بيك آب مكشوفة. جلسنا مع "الخلفات" المياومين مثلنا وسط آلات العمل فيما جلس الأسطة الشيوعي السابق إلى جوار السائق. من بعيد تشممنا عطر البساتين، بعد دقائق أخرج رأسه من النافذة، ووجّه كلامه لنا عبر الهواء العنيف: "وصلنا بلدة البطل". لم يفهم أي منا ماذا كان يقصد حتى وصلنا إلى الموقع الذي سنعمل فيه طيلة أسبوع قبل أن نعود إلى أهلنا مساء الخميس. في الليل الصافي المضاء بالقمر والنجوم تحلقنا حوله. أخذ يحدثنا عن رجل شجاع يدعى محمد الدفاعي (عرفت فيما بعد أنه خال الشاعر خليل المعاضيدي الذي أعدم أواخر السبعينيات). روى لنا كيف أن الدفاعي كافح من أجل حزبه الشيوعي وبلدته في مواجهة الانقلابيين في الثامن من شباط/ فبراير 1963. كيف قاوم محاولات قتله وكيف تمكن من الهرب إلى إيران. لم يكن ذلك العامل يتحدث عن إنسان بل عن أسطورة. يومها كنت في السادسة عشرة من عمري حين بدأت تتشكل في مخيلتي صورة البطل الأمين على أفكاره وقناعاته. بعد نهاية يوم العمل يظل عامل مسؤول عن إطعامنا في الموقع لإعداد العشاء فيما كنا نذهب إلى المقهى. ونحن نشرب الشاي كنت أرى وجه الدفاعي في وجوه الحاضرين. أختار أحدهم وأحسبه هو وأفكر فيه وفي الأيام التي قضاها في مقاومة الانقلابيين من بستان إلى آخر، وأحاول أن أرسم صورة السلاح الذي يحمله وصور رفاقه الذين معه. بعد سنوات قليلة سوف استعيد ذلك المقهى، وأتذكر وجوه روّاده وأتساءل: هل كان الدفاعي يشبه جيفارا أو خالد أحمد زكي أو محمد صالح العبلي؟ هل كان يشبه رجال خلف السدة الذين أتحدر منهم والذين قاتلوا بالعصي والسكاكين دفاعا عن منقذهم المحاصر بالدبابات؟ رأيت الدفاعي يشبه الجميع ولا يشبه أحدا. كان خيالا ظل يرافقني ويمدني بالقوة والأمل.
 
الثقافة الجديدة: متى بدأت القراءة خارج ما تقدمه المدرسة؟
 عبد الله صخي: في طفولتي لم أقرأ سوى قصة واحدة. ففي يوم ما سألنا المعلم: "من يرغب بقراءة قصة فليرفعْ يده". رفعت يدي مع خمسة آخرين بينهم بنتان. كانت المدرسة مختلطة. سجّل أسماءنا، لكنه استصعب اسمي وتلكأ في تهجئته، فأعدته مرات بلسان مرتبك خجول وسط ضحك التلاميذ وسخريتهم. بعد انتهاء الدرس قادنا إلى غرفة المعلمين حيث مكتبة المدرسة التي سمعنا بها ذلك اليوم فقط. كانت المرة الأولى التي أدخل فيها غرفة المعلمين. فوجئنا بتلك المكتبة التي لم تتطابق مع خيالنا. هي خزانة صغيرة مزججة تقفل بمسمار. أخرج منها مجموعة كتب ملونة ووزعها علينا. كان من نصيبي قصة "الأميرة والثعبان".
في الليل قرأتها خلسة متعجلا على ضوء خافت رجراج ينبعث من فانوس قديم قبل أن تطفئه أمي وتمتلئ الغرفة الطينية برائحة احتراق فتيلته المتآكلة. "الأميرة والثعبان" هي قصة الأطفال الوحيدة التي قرأتها آنذاك، فالاهتمام بالكتب والمجلات والأقلام يعد ترفا في أوساط تلك الأسر المعدمة. كانت أية هواية تتجاوز المنهاج المدرسي تثير غضب الآباء وقسوتهم، فهم يعدّون ذلك لهوا ينسينا أداء واجباتنا الأساسية. ما كان يشغلهم هو أن ننجح ونكبر بسرعة لندخل سوق العمل كي نساعدهم على تحمل أعباء حياتهم القاسية.
  
الترفع والإنكار
الثقافة الجديدة: كيف كانت علاقتكم بالمثقفين الآخرين في مناطق أخرى من بغداد، تقبل، رعاية، إعجاب، أم دونية؟
 عبد الله صخي: لم تكن لنا علاقات واضحة مع المثقفين الآخرين من خارج مدينة الثورة. حدث مرة أن ذهبنا، كريم العراقي وأنا، لزيارة القاص جمعة اللامي. كان كريم قد تعرف إليه قبلي. وبما إنني بدأت كتابة قصصي القصيرة الأولى والتي لم أنشر منها حتى ذلك الحين، آثر كريم أن يقدّمني إلى كاتب معروف سبقنا في التجربة الأدبية والسياسية. كان جمعة يعمل في مجلة "وعي العمال" أعتقد أنه كان سكرتيرا للتحرير في العام 1970. تحدث عن مدينة الثورة وعن حاجتها المزمنة إلى الخدمات. كانت المدينة تفتقر إلى المؤسسات الصحية القادرة على تأمين العلاج بكفاءة لمئات آلاف المواطنين، وكانت الشوارع ترابية لم تعبّد بعد، حتى أنها بدون أرصفة (هنا أتحدث عن منطقة الداخل من المدينة) وغيرها الكثير، فطلب منا أن نرفد المجلة بتحقيقات قصيرة تعالج المشكلات التي تهم الناس مباشرة وبهدوء وروية كي لا يرفضها المسؤولون الحزبيون. في الأثناء دخل علينا أحدهم وقدّمنا جمعة إليه باعتبارنا طلابا نحاول أن نشق طريقنا في عالم الأدب والصحافة، وشرح له المهمة التي كلفنا بها فسألنا المسؤول على الفور: "أنتم بالاتحاد الوطني؟" فأجبنا في وقت واحد: "لا، احنا مو بالاتحاد". فاستدار وخرج متجهما من الغرفة دون أن يلتفت إلى أحد. كتم جمعة ضحكة وكرر الحديث عن المهمة التي كلفنا بها ولكن بحماس أقل. بعدها انقطعت زياراتنا إلى جمعة نهائيا. في يوم آخر قدمني كريم العراقي إلى الكاتب صباح عطوان فسألني إن كنت أحمل معي نصا قصصيا. أخرجت قصة قصيرة ناقصة. قرأها بتمعن. رفع رأسه وقال: "هل قرأت عبد الملك نوري؟ غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، محمد خضير؟" فأجبت بالنفي، فقال: عجيب، كيف تكتب على النسق الذي يكتبون فيه؟ قلت: ما أعرف. ما كتبته هو من الحكايات التي أسمعها من الناس في الجوار، فأوصاني بقراءة قصص أولئك الكتاب الكبار. تلك كانت من أفضل الوصايا حيث اكتشفت عوالم واقعية حقيقية أبعدتني عن التجريب الثقيل في القص الستيني.
بعد سنوات طويلة قابلت المثقف البارز علي الشوك في مقهى لندني. ما إن جلسنا حتى بادرني بالقول إنه قرأ روايتي "خلف السدة". كان رأيه إيجابيا وعلّق قائلا: أنت الكاتب الوحيد الذي جعلني أحب ذلك التجمع السكاني الذي كتبتَ عنه. جعلتني أتعاطف مع تلك الشخصيات. أقول لك الحقيقة كنت دائما أنظر باستعلاء إلى الحشود المهاجرة فأنا من طبقة ارستقراطية. استغربت من رأيه فقلت في نفسي: إنه شيوعي والمفترض أن ينظر باحترام لكل فئات المجتمع خصوصا الطبقات الفقيرة المسحوقة فهو يناضل من أجل إنقاذها من البؤس. ووجدتني أقول له: كما تعرف هذه الشرائح من المجتمع ليست مسؤولة عن فقرها بل الحكومات! قال: صحيح لكني قلت لك الحقيقة. صمتُ فيما راح يتحدث عن الموسيقى، ولم التق به بعد ذلك.
  
الثقافة الجديدة: وكيف كانت علاقاتكم مع المؤسسات الثقافية الرسمية؟
 عبد الله صخي: في بدايتي الأدبية، وبعد نشر عدد من القصص تلقيت دعوة من وزارة الثقافة والإعلام للمشاركة في مؤتمر القصة العراقية الأول الذي انعقد في مصيف صلاح الدين في آب/ أغسطس 1978. وقتها طلبت الوزارة مني أن اختار إحدى قصصي لقراءتها في أمسية لي بالاشتراك مع القاص علي خيون، على أن تفحصها الوزارة أولا. سلمت قصتي إلى المسؤول عن الأمر الكاتب موفق خضر الذي احتفظ له بتقدير لتفهمه وصراحته. عدت إليه بعد يومين فقال: "أعتذر عن قبول هذه القصة لأنها تتحدث عن مظاهرة عمالية ونحن ليس لدينا مظاهرات. طبعا أنا أقدّر الأدب والخيال الأدبي ولكني أمام مسؤولين يتابعون عملي، اقترح أن تختار قصة أخرى". أعطيته قصة أخرى ورفضها لسبب آخر لا أتذكره. ولا أعرف لماذا اقترح علي أن أراجع الكاتب عبد الرحمن مجيد الربيعي! أظنه كان رئيسا لتحرير مجلة "الأقلام" آنذاك. سلمت الربيعي قصة أخرى ورفضها. عندها قررت أن أضع بين يديه كل القصص التي كتبتها وجمعتها في دفتر. بعد أيام فاجأني عبد الرحمن بأنه اختار نصا ناقصا، مجرد سكيتش قصصي. أعاد لي الدفتر وقال: "إذا وافقت استنسخ القصة واجلبها لي". حدثت الحزب الشيوعي الذي كنت منتميا إليه يومذاك عن رغبتي بعدم المشاركة، فرفض رفضا قاطعا، وقال المشاركة مسؤولية سياسية بالدرجة الأولى ونحن نمر في ظرف عصيب، التحالف مع الحزب الحاكم مهدد ونحن نسعى لتكريس وجودنا كقوة وطنية. أطعت مستاءً. استنسخت القصة وسلمتها إلى الربيعي وعندما قرأتها في المؤتمر تعرضتُ إلى نقد من الدكتور علي جواد الطاهر، الأمر الذي أغضبني وهيمن علي الحزن طيلة أيام المؤتمر لكن وجود الكتاب محمد خضير وجليل القيسي ومحيي الدين زنكنه وقربي منهم هدأني. قال لي جليل القيسي: "وفّر أحزانك ستواجه أنواعا من النقد ربما أقسى بحق وبدون حق". يومها أعطيته الدفتر القصصي وطلبت منه أن يختار مجموعة للنشر في كتاب فاختار عشر قصص، ليس من بينها السكيتش، فظهرت مجموعتي الأولى باسم "حقول دائمة الخضرة".
 
الواقعي والمتخيل
 الثقافة الجديدة: هل كانت مواضيع نتاجاتكم منبثقة من حياتكم الفعلية؟ مثال إن أمكن!
 عبد الله صخي: نعم، حكايات واقعية أعاد الخيالُ الأدبي بناءها. على سبيل المثال شخصية سوادي في رواية "خلف السدة" معروف لدى أغلب سكان منطقة الداخل في مدينة الثورة. اكتسب شهرته من علاقته بالطبل فهو يستخدمه في إيقاظ الصائمين وقت السحور، وفي حفلات الأعراس والختان ومناسبة نجاح الطلاب. ما قمت به هو أنني أعدت بناء تاريخ هذا الإنسان المكافح والحكايات التي تسربت عن حياته وقصة حبه والأساطير التي حيكت حوله. وهناك شخصيات مركبة من عدة شخصيات مثل شخصية مكية الحسن على امتداد الثلاثية الروائية. كل الشخصيات التي تناولتها مررت بها في المدينة أو عرفتها في الجوار أو عملت معها أثناء العطلات المدرسية. المثال الواقعي الساطع في رواية "دروب الفقدان" هو لاعب كرة القدم في المنتخب الوطني بشار رشيد الذي اقتيد من الملعب إلى منصة الإعدام بتهمة الشيوعية. هذا الجانب كان خبريا أما شخصية والدته فهي صناعة خيالية مبنية استنادا إلى التجارب الحياتية لنساء أخريات. وهناك بلقيس الخياطة التي يتحدث جميع الرجال عن جمالها النادر، رغم أنهم لم يروها أبدا. نعم كانت هناك خياطة تتبادل الفتيات في الجوار الأحاديث عن جمالها الاستثنائي بعد أن يقابلنها في منزلها لخياطة ملابسهن، فهي لا تسمح لأي رجل برؤيتها. دخلت هذه الشخصية في بناء آخر متصل في سياق الأحداث فأضاف لها الخيال مواصفات جمالية لا حدود لسطوتها وتأثيرها على الخيال الذكوري.
  
الثقافة الجديدة: كيف تميزون طريقة طرح هذه النتاجات مقارنة بنتاجات الخمسينيات التي تناولت الفقر؟
 عبد الله صخي: تميزت نتاجاتنا بالاقتراب الأليف من مناخات الفقر وأكواخ البؤس التي عرضت أرواح آلاف الناس لخطر الموت أو الإعاقة أو التشوه. هكذا يخيّل إلي. شاهدت شابا بوجه مطرز بحفر صغيرة دقيقة تسبب بها الجدري، عانى الكثير حتى عثر على زوجة. كنا نحيا بجوار هؤلاء لتنبثق حكاياتهم ومصائرهم منهم مباشرة دون وسيط. وفي الغالب لا نحتاج إلى كثير من الخيال كي نعيد صياغتهم على الورق. نحن أبناؤهم وأشقاؤهم نجلس معهم ونتحاور ونجادل ونروي لهم قصصهم فيندهشون من صدقها ويقولون كأننا نحن الذين كتبنا تلك الكلمات ورسمنا تلك الصور التي اعتمدنا فيها على معرفتنا بالتقنيات الحديثة وباللغة الأدبية المختلفة. ثمة كتّاب من حقب أخرى تناولوا حياة الفقراء بوصفها مادتهم للتضامن الاجتماعي والسياسي، وقد جاء نتاجهم متسما بالمباشرة والتقريرية والتبسيط الفني الذي لا يرقى إلى مستويات رفيعة بل يغلب عليه الطابع العاطفي الإنساني، كما هو في بعض قصص ذنون أيوب وإدمون صبري. ينسحب ذلك على أغلب الروايات التي صدرت قبل رواية "النخلة والجيران" لغائب طعمة فرمان التي مثلت نقلة فنية في تناول الواقعية النقدية. لكن كتابا في الخمسينيات مثل عبد الملك نوري، فؤاد التكرلي، نشروا قصصا تتميز بأسلوب فني رفيع وواقعية مدروسة بعناية واحتراس، ونهلوا من مختلف نواحي الحياة نماذج حية تشعر بوجودها في الكثير من مفاصل الحياة العراقية في نهوضها وكبواتها، وفي تقدمها وتراجعها. 
 
الثقافة الجديدة: وأنا أقرأ روايتك "خلف السدة"، بالكاد رأيت الريف الذي هاجر منه أهلك. هل هذا بسبب عدم معرفتك به أم بقرار مسبق للتركيز على المدينة، أم لسبب آخر؟
 عبد الله صخي: لسببين: الأول عدم معرفتي بالريف الذي قدم منه المهاجرون إلى العاصمة وطبيعة العلاقات التي كانت سائدة، كما يعرفها كاتب مثل شمران الياسري (أبو كاطع) في رباعيته، أو الفرنسي جان جيونو في روايته "ليبق فرحي دائما". أنا لا أكتب عن شيء أجهله أبدا، بل أدرس ما أراه وأعيشه أو ما يراه ويعيشه غيري القريب مني، جيراني، أصدقائي، أبناء حارتي، في تجاربهم المكتنزة بالحكايات والأساطير. الثاني: هو نتيجة للأول فبسبب جهلي بالريف جرى التركيز على الوجود الواضح أمامي من خلال إقامة المهاجرين خلف السدة الشرقية ولاحقا مدينة الثورة. فأنا ولدت مرتين الأولى وسط ذلك الحشد المكافح الذي يسعى إلى لقمة كريمة، والثانية لحظة الفطنة والتنبه لمجريات الأيام والظواهر الحياتية الجديدة في مدينتي التي لم تكن على نسق واحد إنما خضعت لتغيرات جوهرية نتيجة حصول أبناء الجيل الأول من المهاجرين على وظائف بعد تخرجهم أو إثر انقلاب عام 1968 واستلام حزب البعث السلطة للمرة الثانية، الأمر الذي أدى انقسام حاد في الولاءات السياسية ما ترك أثرا ملحوظا على العلاقات الاجتماعية عامة والأسرية خاصة، ضاعفته إجراءات السلطة الجديدة لإخضاع سكان المدينة وتغيير انتماءاتهم بالترغيب أو الإرهاب. من هنا ولد الجزء الثاني من الثلاثية وعنوانه "دروب الفقدان".