"تجرأ إعمال الفكر" "Saper aude". استشهاد إيمانويل كانط بالشاعر الروماني كوينْتوس هوراتْيوس.
سنبدأ مقالتنا بالعبارة المشهورة المنسوبة لإيمانويل كانط، التي هي لب مقالته لعام 1784، الموسومة "ما التنوير؟" والتي كانت جوابا على هذا السؤال "Was ist Aufklärung? " ، الذي طُرح في مجلة *Berlinische Monatsschrift في شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 1784(1).
نعلم أن التنوير اعتمد بشكل كبير على الفكر العقلاني. وكانت آنذاك طريقتان علميتان سادتا في عصر التنوير: العقلانية (خاصة في فرنسا) والتجريبية (في إنجلترا). كلاهما بدأ من مصدر مختلف للمعرفة، العقل والتجربة الحسية أو الإدراك على التوالي. ومن بين مفكري عصر التنوير، إيمانويل كانط (1724-1804)، الذي حاول الجمع بين وجهة النظر التجريبية والعقلانية. وفي مقالته "ما هو التنوير؟"؛ وصف جوهر حركة التنوير على أنها تحرر الانسان من خلال المعرفة، واكتسابه الاستقلالية الفكرية، والجرأة على التفكير عن الذات وتحريرها من حقائق مفروضة، تضع البشرية تحت سيطرتها؛ "بحيث تحدث قطيعة مع سلطة التقاليد"، بحسب عبد الله العروي أيضا(2).
تعود جذور التنوير كحركة فكرية إلى الثورة العلمية في القرن السابع عشر، والتي أصبحت بدورها مُمكنة من خلال اختراع المطبعة حوالي عام 1450. ويعتبر العديد من المؤرخين عمل إسحاق نيوتن (1643- 1727) نقطة انطلاق لعصر التنوير (قوانين الجاذبية - ونهج رياضي وتجريبي للفيزياء). لكن الدمقرطة في إنجلترا خلال "الثورة المجيدة" (1688) تعتبر أيضا بداية عصر التنوير. وغالبا ما يشار إلى "الثورة الفرنسية" على أنها "نقطة النهاية" (بين قوسين) لعصر التنوير؛ ومازالت مُثُل التنوير العليا في الوجود إلى يومنا هذا.
أصبحت آنذاك إنجلترا موطنا للمفكرين والفلاسفة التجريبيين المستنيرين، مثل جون لوك (1632-1704) وجورج بيركلي مؤسس المثالية الروحية أو الذاتية (1685-1753) وديفيد هيوم (1711-1776). وكانت التجريبية التي طبقوها كأسلوب علمي أدت إلى فرضيات عامة من خلال الإدراك الحسي و-أو تطبيق التجريبية على الحالات الفردية.
لكن المركز العصبي الحقيقي لعصر التنوير كان باريس، حيث انتشر الفكر المستنير العقلاني عبر أوروبا ومن خلال الفلاسفة. وكان من بين أشهر الفلاسفة شارل مونتسكيو (1689-1755) ومفهومه لفصل السلطات؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفولتير (1694-1778)، وجان جاك روسو (1712-1778)، ومحرري الموسوعة دينيس ديدرو (1713-1784) وجان لو روندْ ألامبِر (1783-1717). كانوا يعتقدون أن المجتمع يجب أن يقوم على العقل وليس على الحقوق الوراثية أو الواجبات أو الأفكار الدينية. والكلمات المفتاحية هي الحرية، والعدالة والتقدم.
تأثير التنوير
كان للتنوير تأثيرات اجتماعية عميقة في العالم الغربي، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة، منها تأثيرات طويلة الأجل ومنها قصيرة المدى وهي:
سياسيا: حوالي عام 1750، كان هناك انتقال من الحكم المطلق إلى الاستبداد المستنير. لقد تبنى بعض الملوك مثل الملك البروسي فريدريك العظيم (1712-1786) والقيصرية الروسية كاترين (1729-1796) بعض القيم والأفكار المستنيرة وأعطوا رعاياهم مزيدا من الحرية والمشاركة. وفي البلدان الأخرى، حفزت قيم التنوير الثورات، مثل الثورة المجيدة (1688) في إنجلترا، والثورة الأمريكية (1776)، و"العصر الوطني" (1781-1786) في هولندا والثورة الفرنسية (1789). كما أن حركة الدمقرطة في القرن التاسع عشر هي أيضا نتيجة سياسية مباشرة لهذا العصر.
اقتصاديا: حفز عقل التنوير الثورات الصناعية والرأسمالية. ووضع التنوير أيضا الأساس للتفكير الاقتصادي الجديد، مثل الليبرالية وتفكير السوق الحرة لآدم سميث (1723-1790) والنفعية (التفكير البراغماتي من حيث "المنفعة العامة") لجون ستيوارت ميل (1806-1873).
اجتماعيا: حفز التنوير ظهور جميع أنواع حركات التحرر وجماعات الحقوق المدنية على أساس فكرة أن الجميع متساوون. خذ على سبيل المثال، النَّسَوية والتكوين الشخصي دي بيلدونگ Bildung، هذه أيضا ثمرة لمُثُل التنوير.
دينيا: أدى التنوير إلى التجديد الديني، واستخدام العقل والإدراك بدلا من الإيمان المسبق.
فكريا: كانت إحدى النتائج المهمة لعصر التنوير ظهور فكرة "الفضاء العام"، (التي تبناها أيضا يورغن هابرماس). هذا الفضاء العام وفر مساحة للمناقشات العقلانية والمفتوحة والاجتماعية، ومن الأمثلة على ذلك، الصالونات الفرنسية، والمقاهي، والنوادي الأدبية وأشكال جديدة من التعليم.
وأُضيف أن أسئلتنا الحضارية حول التنوير ليس من الضروري أن تكون حول نفس قيم عصر التنوير، بل يجب ان نأخذ بعين الاعتبار خصوصية بلداننا، وبحسب ميشيل فوكو التنوير هو وعي الآنية.
تمثلات المثقف - المثقفة
ونصل إلى اشكالية المثقف. هناك ملاحظتان شدّتا انتباهي؛
الأولى، هو سؤال صحفي للفيلسوف والمؤرخ الثقافي الفرنسي فرانسوا دوس: هل مات المثقفون؟ وبعدها بأيام قرأت جملة استهلالية في كتاب للهولندية الأكاديمية والمثقفة النَّسَوية روزي بغايدوتيBraidotti بعنوان "أنا أفكر، إذا هي موجودة"(3)؛ تقول في بداية الفقرة الاستهلالية: لقد مات المثقفون! وتتبعها جملة ثانية أكثر إيجابية: عاش المثقفون! ومن هنا بدأت تساؤلاتي حول هذا التشكيك الذي يبدو وكأنه ظاهرة كونية.
إن مصطلح "المثقف" عُمِّد في نهاية القرن التاسع عشر من خلال رسالة إميل زولا، "إني أتهم"، الموجّه إلى رئيس الجمهورية فيليكس فور، والتي نشرت في مجلة "Aurore" في 23 يناير/ كانون الثاني عام 1898. كان الكاتب جورج كليمانصو (رئيس وزراء سابق 1841-1929) هو من استعمل هذا المصطلح في مقالة يثني فيها على هؤلاء المثقفين: "أليست هذه علامة فارقة، كل هؤلاء المثقفين الذين يأتون من كل مكان، يجتمعون على فكرة ويتمسكون بها بشكل لا يتزعزع". فلقد تطلب ذلك جرأة، لم يُسمع بها من قبل في تاريخ المثقفين، لإعلان أنفسهم وسطاء بين العام والكوني. وأطلق عليهم صفة دينية، المثقفون القساوسة.
فمن هو المثقف الفرنسي؟
في عام 1979، نشر المثقف الفرنسي ريجيس دوبريه كتابا، فيه وَصْفٌ ثاقب للحياة الثقافية الفرنسية عنوانه "المعلمون وكُتاب ومشاهير: مثقفو فرنسا الحديثة"(4).
يقول دوبريه في كتابه أن المثقفين البارسيين بين عام 1880 و1930 كانوا لاجئين علمانيين تحت ضغط من الكنيسة والبونابرتية؛ وكانوا مرتبطين في الغالب بالسوربون، حيث كان المثقف في المختبرات والمكتبات وغرف التدريس، محميا كأستاذ جامعي، وقادرا على تحقيق إنجازات مهمة في المعرفة. وبعد 1930، انتقل النفوذ الذي فقدته السوربون ببطء إلى دور نشر جديدة مثل "المجلة الفرنسية الجديدة"، التي كانت، وفقا لدوبريه، بمثابة "العائلة الروحية". لقد تبنت صفوة المثقفين والمحررين والمتعاملين معهم. وحتى عام 1960، على وجه التقريب، كان الكُتّاب من أمثال سارتر ودو بوفوار وكامو ومورياك وجيد ومالرو، حسب قوله، أعضاء تلك النخبة الذين حلّوا محلّ الأساتذة الجامعيين بفضل كتاباتهم ونشاطاتهم غير المقيدة، وإعلان إيمانهم بالحرية كعقيدة، وكان أسلوبهم في التعبير "يقع في المنتصف بين الوقار الكنسي الذي ولّى قبله والصخب الإعلاني الذي حلّ بعده"(5).
في عام 1968، هجر المثقفون إلى حد كبير جماعاتِهم من الناشرين المؤمنين بمثل معتقداتِهم، واندفعوا أفواجا إلى وسائل الإعلام الجماهيرية - كصحفيين، وضيوف برامج الحوارية ومضيفين لها، ومستشارين، ومديرين، وما شابه. ولم ينجحوا فقط في كسب حضور جماهيري ضخم، بل وأيضا صارت كل الأعمال التي قاموا بها في حياتهم كمثقفين تعتمد على مُشاهديهم.
وفي عهد سارتر، تكونت حول المثقف الفرنسي، هالة أشبه ما تكون بالتقديس، باعتباره معبرا عن تطلعات المجتمع المدني في مواجهة الدولة، وحاملا البديل مقابل ما هو قائم.
لكن كيف ينظر البريطانيون الى مثقفيهم والى المثقف الفرنسي؟
يبدو أن معارضة المثقف الفرنسي، في إنجلترا، لها امتداد في التاريخ. قبل فترة وجيزة من فوز توني بلير بالانتخابات، نشر النائب المحافظ ديفيد ويليتس كتابا صغيرا بعنوان "معلمي بليرBlair’s Gurus " (1996) (6) يعتبر ويليتس أحد أكفأ المترجمين الفوريين لحزب المحافظين وقد اختار هدفه جيدا؛ إنهم الأكاديميون والصحفيون الذين ناقشوا بإسهاب تجديد حزب العمال جنبا إلى جنب مع توني بلير والذين أصبحوا مستشاريه السياسيين. يشير استخدام كلمة "المعلم" بوضوح إلى النبرة الساخرة لويليتس، لكن النص يذهب إلى أبعد من ذلك. يقول المؤلف: "إن هؤلاء الأشخاص وأفكارهم معادية لبريطانيا. إنهم يتطلعون إلى تغيير إنجلترا. ما لا يعجبهم هو بالضبط ما جعلنا بريطانيين. هذه الحقيقة وحدها، علاوة على ذلك، هؤلاء الناس "بلا جذور". إنهم أبناء هؤلاء العظماء البريطانيين غريبي الأطوار الذين سافروا بعيدا، مرتدين الزي المحلي وعاشوا بين البدو، اعتنقوا قضية القومية اليونانية أو إنقاذ الأغاني الشعبية القديمة من القبائل المحتضِرة. فالرغبة في ألا يكونوا بريطانيين هي التي توجههم"(7). لكن ويليتس يؤكد هنا نقطة مهمة في تاريخ بريطانيا وفي تاريخ مؤسساتها، وهي أن المفكر ليس غريب الأطوار فحسب، بل هو أجنبي وغير بريطاني ومعاد لبريطانيا. فعندما دُعي إدوارد سعيد أستاذ اللغة الانجليزية والأدب المقارن المرموق في جامعة كولومبيا، من قبل هيئة الإذاعة البريطانية لتقديم محاضرات ريث Reith لعام 1993، تفاجأ ويليتس جدا بالموضوع الذي اختاره، "صُوَر المثقف"(8). فأثار، بذلك، عداءً صريحا ضد إدوارد سعيد، لاختياره "موضوعا غير إنكليزي".
علق المؤرخ والناقد نورمان ستون: "إن المثقف الشامل هو إحدى ويلات العالم الحديث (9) والمثال الثاني يأتي من دفاتر آلان بينيت (10)، كاتب ومؤلف مسرحي بارز. يقول إنه وصديق له كانا في الشارع عندما دفعهما أحد المارة وهو يزمجر: "اخرجوا، يا من يسمون أنفسهم بالمثقفين الذين يسدون الطريق اللعين". يعلق بينيت: "من الغريب أن يكون المثقف هو من يقف في الطريق، عندما لا يتم التعرف عليه أبدا على أنه أصيل، ولكن دائما على أنه زائف أو ما شابه ذلك. وبطبيعة الحال، فإن مصطلح "مثقف" فقط في إنكلترا يعتبر" إهانة"(11).
علاوة على ذلك، فقد لعب المثقفون دورا مهما في مناقشة المشكلات السياسية. ومع ذلك، فهو بلد، مَنعت فيه القوة الثقافية والتقاليد الدينية والفكرية إلى حد كبير ظهور "مثقف كوني" كما هو مألوف جدا في فرنسا. فُضلت الثقافة البريطانية النخبوية الاجتماعية على النخبوية الفكرية. يبدو أن مذهبها البروتستانتي حذر من الطوائف بما في ذلك العلمانية. في حين أن فلسفتها في التقاليد التجريبية دفعتها إلى توخي الحذر من كل النظريات (من المثقفين). لقد كانت هناك استثناءات لهذه القاعدة في القرن التاسع عشر، على سبيل المثال، كان الشاعر صمويل تايلر كولغيدج يحلم برجل دين مثقف يقود الأمة، أما الفيلسوف جون ستيوارت ميل حاول بناء نظام انتخابي من شأنه أن يقدم انتصارا سياسيا للثقافة. لكن غالبية المثقفين في إنجلترا اختاروا ممارسة السلطة الأخلاقية والثقافية بصفتهم علماء أخلاقيات عموميين، من خلال النظام السياسي وليس ضده. لقد كان هذا عن الصورة الذاتية ومفهوم الذات. لكن مع كل الكليشيهات والصور النمطية، هناك ذرة من الحقيقة حول رفض المثقف. كان مصطلح "مثقف" دائما محاطا بدلالة غير مواتية وكثيرا ما كان ذلك مرتبطا بشيء أجنبي. لكن بالرغم من ذلك كله، يُعتبر برتراند راسل (1872-1970) المثقف النموذجي الذي لا مثيل له تقريبا عند أتباعه. وسيحتفظ التاريخ بلا شك بمساهماته قبل كل شيء.
إن إنكلترا بلد رفض بحزم دور المثقفين وتكريسهم منذ أكثر من قرنين. وقد يُحتقر المثقفون الفرنسيون، فقط لكونهم يدعون التحدث باسم الإنسانية والضمير الكوني.
يركز أندري ج. بلانجيBélanger في كتابه "أخلاقيات المسيحية"(12) على التقاليد المتعارضة للفكر الفلسفي والسياسي. ويقول إن "الأدوار المختلفة جدا المخصصة للمثقفين في انجلترا وفرنسا تختزل جذورها في وجهات نظر مختلفة، خاصة، من وجهة نظر دينية". ويضيف إن الكاثوليكية هي التي تؤدي إلى تكريس المثقف. وان وجهة النظر الكاثوليكية في الأخلاق تتمسك حصريا بمسألة العقل.
يحتوي نقد جريمي بنثام(13) لإعلان حقوق الانسان والمواطن على ثلاث درجات على الأقل. أولا، كان الحديث عن الحقوق الطبيعية. ثانيا، كان بيان الحقوق هذا متناقضا وغامضا. ثالثا كان لمثل هذا البيان عواقب وخيمة، كالتمرد، الذي دفع ثمنه أبناء الثورة الفرنسية. لقد كان ازدراؤه موجها بالمِثل لكُتاب هذا البيان. وبحسبه، فإنه يرفض ادعاء الفلاسفة بفرض هذه المبادئ المجردة كقواعد خالدة لجميع أشكال المجتمع. والخلاصة، كما يقول، فهي كتلة غرور كبيرة وصخرة يستطيع العبقري نفسه أن ينزلق عليها.
يقول إدموند بوركَ، الذي يعتبر المؤسس للتيار المحافظ الحديث وصاحب كتاب "تأملات حول الثورة الفرنسية" (1757)؛ إذا كانت الحقوق المزعومة لهؤلاء المنظرين صحيحة ميتافيزيقيا، فهي خاطئة أخلاقيا وسياسيا. وكتب بورك، في عام 1870، أن النتيجة ستكون فوضى مدنية وسياسية. صحيح أن تأثير فكر بورك ما زال محسوسا حتى الآن لكن كاتب وناقد القرن التاسع عشر كاثيو أرنولد، وهو أحد الذين من خلال معارضته لما اعتبره الروح البرجوازية الإنكليزية والثقافة التجارية في عصره، ظل معجبا بالفكر الفرنسي. وبالتأكيد، فإن قضية درايفوس Dreyfus عززت موقف فرنسا كحامية للحضارة الأوروبية. على الرغم من كل شيء، فإن نشر الصورة النمطية للمفكر الفرنسي في التظاهرات البريطانية هي حقيقة لا يمكننا التغاضي عنها.
أما مارغريت تاتشر (1979-1990) فتستشهد ببوركَ، في الذكرى المئوية الثانية لوفاته، كونه معلمها الأيديولوجي وتروي انطباعاتها: "كانت الثورة الفرنسية محاولة طوباوية لزعزعة النظام التقليدي... باسم أفكار مجردة، صاغها عبث المثقفين الذين سقطوا ليس بالصدفة، بل بالضعف والانحراف في التطهير والمجازر الجماعية والحرب"(14).
وهناك أمثلة أخرى على الازدراء البريطاني، على سبيل المثال لا الحصر، السخرية من الفيلسوف والصحفي والمخرج الفرنسي ببرنارد هنري ليفي عندما صدر كتابه عن المثقفين بعنوان "مغامرات الحرية" عام 1991، وسخرية بول جونسون أيضا من سارتر وروسو وقد طالت سخريته أيضا ماركس، وإبسن، وتولستوي، وهمنغواي. أما روجر سكروتون، الذي كان يُدرِّس في الولايات المتحدة، فقد هاجم هابرماس، ولوكاش وغرامشي، وبحسب رأيه، فإن القلعة الأمريكية مهددة ٌمن طرف النسويات الراديكاليات والنشطاء المثليين ومن الذين يدعون تعدد الثقافات.
ويؤكد ريموند وليامز، في كتابه الموسوم "كلمات أساسية"، "أن الاستعمالات السلبية لمصطلحات مثل المثقفين، والنزعة الفكرية، والصفوة من المثقفين، ظلت سائدة في اللغة الإنكليزية حتى منتصف القرن العشرين، ومن الواضح أن التشبث بها ما زال مستمرا"(15).
لكن كيف ننظر، نحن، للمثقف العربي؟
في المجتمعات العربية التقليدية، كان وما زال للفقيه أو الشيخ او العالم الديني نفوذ وقبول عند عامة الناس. وقد يعتمد هؤلاء على نفوذهم لكي يستمدوا منه سلطتهم. وأحيانا يبحثون عن ضمان عيشهم عند الحاكم مقابل الاعتراف بشرعية هذا الأخير. بحسب ابن المقفع: "إما أن يكون مع الملوك مكرما، وإما مع النساك مبتلا". وهذا طبعا ليس بالمبرر المُقنع!
بحسب إدوارد سعيد فإن أهمية الناقد المثقف تكمن في طرح الأسئلة الديكارتية المبنية على إشكالية كل ما هو موجود قابل للشك وإعادة النظر والتفكير. فلا يقين إلا بعد الشك ولا جديد إلا بعد تحطيم قوالب الأنماط الثابتة والتعميمات الاختزالية التي تفرض قيودا شديدة على الفكر الإنساني وعلى التواصل مع البشر(16). ويتسع مفهوم الناقد، حسب منظومته الفكرية والتعددية لتشمل الناقد الثقافي بالمفهوم الواسع والشامل: المفكر والمثقف، والفيلسوف والاديب والمؤرخ والسياسي والأنثروبولوجي والأكاديمي الباحث في مجال العلوم الإنسانية(17).
وهذا المفهوم للمثقف يتجسد في دعوة الالتزام التي انطلقت بين الكتاب العرب، المتأثرين بسارتر، منذ أوائل الخمسينيات، وهي في الحقيقة تعبير عن شيئين: أولا أن للكاتب رسالة، وهي أن يكون شاهدا على عصره وأن يعمل على تغييره بالكتابة في اتجاه التحرر والعدالة والتقدم. وثانيا، أن للأفكار قدرة على تغيير الواقع، وهو ما يعني أن للكاتب سلطة معترفا بها، مستندا إلى قوة الرأي العام.
أما محمد عابد الجابري، فيعتبر أن المثقف العربي مزدوج الثقافة، ويخص بهذا مثقف الدول المغاربية بحكم المثاقفة والتأثير الثقافي الاستعماري. ويعود ذلك إلى تداخل الأزمنة الثقافية في فكر المثقف العربي على صعيدين، معرفي وايديولوجي. يجده يفكر بمرجعيتين ثقافيتين؛ تراثية ونهضوية في آن واحد. ويضيف بأن المثقف قد يهجر أو يرحل باستمرار موقفه إزاء قضايا عديدة؛ كقضية الوحدة والاشتراكية، الدمقرطة، الإسلام، العروبة، العلمانية. وهذه الظاهرة أسماها الجابري "ظاهرة المثقفين الرحل"، وذلك لأن المثقفين لا يرسون على موقف واحد.
بينما محمد أركون يرى أن المثقفين معزولون وواقعون بين فكي كماشة، إذا جاز التعبير. فمن جهة هناك النخب السياسية، ومن جهة أخرى يوجد الجمهور العام، الذي لم يتم تحضيره بالشكل اللازم والكافي من أجل استقبال النظريات الفكرية والعلمية الجديدة. ولذا فإنهم لا يستطيعون التحرر من خطاب الاتهامات المضادة أو الدفاع عن الذات أو الخطاب الانفعالي والارتجالي المتصنع. ويضيف إلى نخبوية المثقف، سببا يعتبر خطيرا على بنية المثقف العربي والمسلم؛ إنه انحصار تفكير المثقف داخل سياج دوغمائي مغلق على حد تعبير أركون. وهذا معناه أن التفكير ليس حرا، وأن المجال الذي يسبح فيه محدودا وضيقا. يتمثل هذا السياج الدوغمائي المغلق في العقائد السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية. وبما أن المثقف العربي والمسلم ينتمي إلى هذه العقائد، فإنه حتما متشبع بها. وهذا ما ينعكس على تفكيره. حيث يصبح تفكيره مكبلا بها لا يخرج عن نطاقها، وتصبح بذلك، "الساحة الثقافية التي يتاح فيها للعقل البشري حرية البحث هي دوغما طبقية مغلقة من قبل النظرية الإسلامية للوحي"(18).
صنف أركون المثقفين المسلمين إلى قسمين: التقليديون الملتحقون بالقيم الإسلامية، والتحديثيون المنفتحون على تأثيرات الحضارة الغربية أو الاشتراكية العلمانية. ويعد التحديثين مثقفين ليبراليين حاولوا نقل وتطبيق المناهج والمشاريع الغربية على مجتمعاتهم العربية، بالقليل أو الكثير من الاستيعاب والفهم. كما يرى أركون أن وعي المثقف الإسلامي قد ارتبط أساسا بالقرآن وعاش حالة تأويلية أثناء مرحلته التاريخية الأكثر ديناميكية وإنتاجا، وهو الآن يواجه التوترات والارتياب المتولدة عن المجابهة المباشرة وغير المباشرة بين التراث الحي والحداثة، بسبب انقطاعه عن أصوله وقربه من الغرب الحديث(19).
والواضح أن هذا كله مجرد دعوى تفترض أن هناك واقعا قد تهيأ بفعل تراكم النضال الثقافي الديمقراطي للاعتراف بحرية تداول الآراء، وحقها في الاختلاف، وفعاليتها في التأثير في الشأن السياسي العام؛ أي ما يؤسس سلطة المثقف. وهي سلطة لا تأتيه من مجرد كونه يمارس شيئا اسمه الثقافة، بل لا بد من وجود شروط؛ أولها، أن يجد المثقف نفسه بالمفهوم الحديث، أي الكاتب المعبر عن الحداثة والداعي إليها، والذي استقل عن نظام المجتمع القديم والفئة السلطوية التقليدية. وثانيا، وجود قاعدة واسعة من القراء بفضل انتشار التعليم وتطور وسائل النشر والاتصال. ولكن هذا في حد ذاته لا يكفي أيضا؛ إذ لا بد من وجود قوانين وممارسات وأعراف تضمن حرية الرأي وتبليغه. ووجود رأي عام فعال يمثل سلطة لها قوة الضغط والرقابة الحرة على مؤسسة السلطة. وهذا لا يتأتى إلا في المجتمعات الديمقراطية التي لا تترسخ إلا بعد ثورة ثقافية وتنمية اقتصادية واجتماعية ودمقرطة السياسة.
تدور في ذهني تساؤلات: هل يعتبر المثقف، الآن، عنصرا فعالا في التأثير في القرار السياسي وفي الرأي العام؟ وهل نعترف له بهذا الدور الحاسم في العملية الريادية في التغيير الاجتماعي والسياسي؟ أم ما زال يتجنب الأسئلة المحظورة ويرضخ للرقابة الذاتية ويحاول التطرق للمواضيع الحساسة أو التابوهات بحذر شديد؟ أم الشعوب غير مستعدة لتلقي النظريات والتفسيرات المبتكرة؟ هل المثقف فعلا في أزمة؟
صور المثقف - المثقفة
فمن هي أو من هو المثقف؟
تعرّف المثقفة النسوية الهولندية، روزي بريادوتي، المثقف، بالذي يفكر ويكتب ويتحدث عن العالم وعن أشياء تهم الجميع والتي قد تكمن في مجالات السياسة والثقافة والاقتصاد والحياة الاجتماعية. والمثقف، بحسبها، هو من يرى ويشعر بالروابط بين الخاص والعام وبين الكبير والصغير، وبين حياة الناس المادية ووعيهم، وبين الشخصي والسياسي.
ويقول أنطونيو غرامشي، كل الناس مثقفون. وكل شخص يفكر ويمكن أن يستخدم النشاط الفكري للتأثير وإقناع الآخرين، وأن كل تحليل فكري يتضمن بشكل أساسي فعلًا عمليًا؛ لا يوجد تمييز بين النظرية والممارسة. كل ما يهم حقًا هو العمل الفكري، وهذا يشمل الفلسفة. كل هذا يعني أن جميع الناس ليسوا فقط مثقفين، بالمعنى الواسع للكلمة، ولكن أيضًا فلاسفة، أي يمارسون نوعا من التفكير عن الذات أو عن العالم. ومهما كان هذا التفكير سطحيًا، هو فعل فلسفي يخترق هذا العالم، وتعبير عن الإرادة التي تشكل الواقع جزئيًا.
إن غرامشي الماركسي، والمناضل والصحافي والفيلسوف السياسي اللامع الذي سجنه موسوليني بين عام 1926 و1937، كتب في "دفاتر السجن" أن بإمكان المرء القول "أن كل الناس مثقفون، لكن لا يملكون كلهم القدرة لكي يؤدوا وظيفة المثقف في المجتمع." كما أن المثقفين لا يميزون أنفسهم بصفات معينة، ولكنهم يصنفون من خلال الوظيفة الاجتماعية والوظيفة الفكرية التي يؤدونها. فهناك المثقفون التقليديون مثل المعلمين ورجال الدين والإداريين، الذين يتوارثون نفس العمل من جيل إلى جيل. وهناك المثقفون العضويون الذين، بحسب غرامشي، يشاركون مشاركة إيجابية في النشاط الاجتماعي؛ بمعنى أنهم يناضلون دائما في سبيل تغيير الأفكار والآراء والبحث عن آفاق جديدة. ولذا يقول غرامشي عن المثقف العضوي: "إن منظم الأعمال الرأسمالية يخلق إلى جانبه التقني الصناعي والاختصاصي في الاقتصاد السياسي، ومسؤولين لإنشاء ثقافة جديدة أو نظام قانوني جديد، إلى ما هناك فالمثقف العضوي هو دائم التنقل، دائم التشكل على عكس المعلم والكاهن الباقي في مكانه يؤدي عمله ذاته عاما بعد عام"(20).
لقد تطرق إدوارد سعيد (1935-2003) أيضا، في سلسلة محاضرات "ريث" التي ألقاها عبر هيئة الإذاعة البريطانية عام 1993، لمدة ستة أسابيع، إلى تمثيلات أو صور المثقف وعن الحواجز التي تحول بينه وبين وظيفته في مقارعة السلطة وتمثيل العاجزين. والمثقف عند سعيد ليس ذلك الذي أهلته خبرته العلمية وكفاءته السياسية ولا ذلك القائد الذي يلهب الشعب لأغراض الهيمنة والنفوذ، بل ذلك الشخص الملتزم والواعي اجتماعيا بحيث يكون بمقدوره رؤية المجتمع والوقوف على مشاكله وخصائصه وملامحه وما يتبع ذلك من دور اجتماعي فعال من المفروض أن يقوم بتصحيح مسارات مجتمعية خاطئة.
ففي هذه المحاضرات، يوزع إدوارد سعيد صور المثقفين إلى المثقف المحترف والهاوي والمنفي. فالمثقف المحترف بالنسبة له هو المتخصص أو الخبير، هو الذي يزاول وظيفته كعمل يؤديه كسبا للعيش. كما أن الخبرة لا تعني المعرفة. والضغط الأكثر خطورة بالنسبة لسعيد هو الانجراف المحتوم لمعتنقي التخصص نحو السلطة وامتيازاتها.
أما شرط الهواية عند المثقف الهاوي، فهي المسافة التي يتخذها إزاء السلطة وإزاء التخصص. وهذه المسافة، التي يتمتع بها المثقف المنفي أيضا، تتيح له نسبة من الاستقلال الفكري يبصره بأدواره، كالتمرد والشجاعة والقبول بالمخاطرة والزهد فيما هو عائق عن قول الحقيقة. أما تجربة المثقف المنفي فهي تمثل برزخا بين عالمين، الوطن والوطن الجديد، فبمنطق المقارنة والجدل يفضي الأخذ بالتجربتين رأيا ثالثا قد يكون أكثر شمولية واتزانا.
وبالإضافة إلى هذه الصور، هناك صورة المثقف الملتزم الكوني لسارتر والذي يقول بأن لا يمكن للمثقف أن يكون يساريا، إلا بشرط أن يفهم هذا المصطلح بمعنى الرغبة الأخلاقية، وليس بالمعنى السياسي والحزبي البحت.
كان لا بد من اختراع نموذج آخر، وتعميده من قبل ميشيل فوكو تحت مصطلح مثقف مختص. ويخص بذلك عالم الاجتماع، بيير بورديو، ذاك الذي يعمل في فرع معين من فروع المعرفة لكنه قادر على استخدام حذاقته بأي طريقة كانت. يتدخل ليقول علانية ما تسمح له معرفته ويتجاوز اللوم الذي تفرضه السلطات من جميع الأنواع. فالمثقف يستمد الشرعية اللازمة لقول الحقيقة للسلطة، ليس من خطابه، بل من أخلاقياته الشخصية والتزامه بمبادئ معينة.
ونعود لغرامشي والهيمنة الثقافية
من بين أسئلة كثيرة كانت تشغل غرامشي، وقد تكون نقط البداية لدراسة ما؛ كيف يمكن تفسير أن ثورة تنجح وأخرى لا تنجح؟ على أي أساس يمكن لفلسفة معينة أو رؤية اجتماعية أن تهيمن على المجتمع؟ وما هو دور المفكرين في هذا؟ هذه الأسئلة التي واجهها غرامشي وهو في السجن، على وجه التحديد، وكان قد وجد نفسه في الجانب الخاسر. وفي انتظار محاكمته، وضع غرامشي مخططا. كان همُّه هو الدور الاجتماعي للمثقفين.
في آخر مذكرة من "مذكرات السجن"(21)، انكب غرامشي على ثيمة الثقافة، وأهميتها للوصول إلى الهيمنة. لقد عرفت إيطاليا تقاليد ثقافية. لكن بسبب توحدها الحديث عام 1870، كانت هناك فجوة عميقة بين النخبة والمجتمع، وبين السلطة والمواطن. هذا ما جعل غرامشي يفكر في دور المثقف، الذي كان منغلقا وسلبيا. بحيث لا يوجد رابط بين الأمة والشعب. كما أن تأثير الكتاب والمثقفين الفرنسيين كان كبيرا من خلال الترجمات. لذلك، كانت فكرته خلق ثقافة وطنية شعبية يمكنها أن تحدث تغييرا في الفن أيضا؛ لا لأنه فن ملتزم، بل لأن التعبير الجوهري الذي يخلقه عند الناس يكون بمثابة دفعة دينامية إنسانية.
كان هدف غرامشي أنسنة علمانية تتغلغل في كل طبقات المجتمع. وبهذه الطريقة، يخلق وعيا جماعيا متجانسا. فعلى المثقفين المهنيين أن يأخذوا بزمام الأمور، بالرغم من أن كل الناس مثقفون، لكن يحتاج الأمر إلى مهارات لقيادة جماهير مختلفة وتوجيهها، دون أن يكون هناك توجيه فوقي. ولذلك يفترض غرامشي الاهتمام بأشكال الثقافة المختلفة التي تحظى بشعبية عند الناس، مثلا أنواع الروايات الشعبية التي تمرر دائما رسائل سياسية. كذلك دعا إلى شكل من أشكال الصحافة المتكاملة التي لا تستجيب فقط للاحتياجات الحالية للجمهور، بل تطور أيضا تلك الاحتياجات في عملية ديناميكية وترفعها إلى مستوى أعلى من أي وقت مضى. ومع هذا كله، يقول غرامشي أن هذا التغيير الثقافي يستغرق وقتا ويتطور خطوة خطوة، دون صدمات كبرى التي تحدث مع الابتكارات التكنولوجية. ولهذا ما زال فكره آنيا.
إلى جانب ترجمة أربعة كتب، تناول غرامشي، في تسعة وثلاثين دفترا، الفلسفة والتاريخ والسياسة والأدب والدين والفنون الشعبية. وحول أسس السلطة، تُشكل ملاحظات غرامشي دراسة غنية ومتنوعة عن الرابحين والخاسرين، وأسباب السلطة وتأثيراتها من جميع جوانبها. وكان السؤال المركزي هو كيف يمكن تفسير السلطة وإضفاء الشرعية عليها. هل السلطة تهيمن فقط بالإكراه أم بالموافقة أيضًا؟ هل السلطة السياسية منفصلة عن القوة الاقتصادية؟ ما هو دور القوة الثقافية والاجتماعية؟ وكيف يمكن الحصول على السلطة والحفاظ عليها؟ كانت ملاحظاته، على شكل أسئلة تخص الثقافة في إيطاليا الموحدة (مرحلة بما يُسمى Risorgimento )، وتخص أيضا أهمية الادب الإيطالي ولغة البلد الرسمية والإصلاح الديني وغيرها(22).
البديل - الهيمنة الثقافية
بحسب قول غرامشي، إن اضمحلال الهيمنة القديمة خلق فراغا، أسماه فترة انتقالية(23). ولعدم توفر بديل في هذه الفترة برزت الفاشية. ومع ذلك، فإنه يرى في هذه الازمة التي طال أمدها، مجالا لظهور هيمنة جديدة. وذلك لأن الأيديولوجيات المهيمنة في الماضي قد اختفت، وأن جميع عناصر الثقافة (البنية الفوقية) أصبحت الآن محصورة في القضايا السياسية الاقتصادية. هذا يعني انه نشأ فراغ في المجال الثقافي، والذي سيتم ملؤه تلقائيا. وفقا لغرامشي، هناك فرصة للمادية التاريخية الماركسية لتأسيس هيمنة جديدة. ويميز غرامشي، من أجل توضيح كيفية عمل الهيمنة، بين المجتمع السياسي أي سلطة الدولة، التي تشكلها الحكومة والشرطة والمؤسسات القضائية، وما يسمى المجتمع المدني وهو مجموع الأنشطة والمؤسسات التي تقع خارج سيطرة سلطة الدولة، مثل النقابات والمنظمات الكنسية ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية. ومن خلال هذا المجال يمكن لمجموعة اجتماعية مُهيمنة أن تمارسَ هيمَنتها على أساس التوافقية، في حين أن المجتمع السياسي يحكمه بشكل أساسي الإكراه. ويخلص الى أن المجتمع البرجوازي هو الحقل الذي يمكن أن تنشأ فيه هيمنة جديدة.
وختاما، فمن أهم مهام المثقف هي بذل الجهد لتهشيم الآراء المقولبة والمقولات المؤدلجة، التي تحد كثيرا من الفكر الإنساني والاتصال الفكري.
الهوامش
1 - Michel Foucault, Dits et écrits, 1954-1988, Édition établie sous la direction de Daniel Defert et François Ewald, IV, 1980-1988, Paris, Gallimard, 1994. p.339.
*- In Berlinische Monatsschrift, décembre, vol., IV, pp. 481-491. (“Qu’est-ce que les lumières ?) » trad. Wismann. In Œuvres, Paris, Gallimard, coll. « Bibliothèque de la Pléiade », 1985, t. II.)
2 - Abdallah Laroui, L’Idéologie arabe contemporaine, essai critique, Paris, Maspero, 1977, pp.19-23.
3 - Rosi Braidotti, Ik denk, dus zij is, in Vrouwelijke intellectuelen in een historisch literatuur perspectief, Rosi Braidotti & Suzette Haakma (red). Kampen, Kok agora, 1994, p.7.
4 - Régis Debray, Teachers, Writers, Celebrities: The Intellectual of Modern France, trans. David Macey, London, New left Books, 1981, cité par Edward Said, pp.70-71
5 - Régis Debray, p.71.
6 - Jeremy Jennings, "L’anti-intellectualisme Britannique et l’image de l’intellectuel français"in "Mil neuf cents", Revue d’histoire intellectuelle (cahiers de George Sorel) Année 1997, 15, pp.109-125.
7 - David Willetts, "Blair’s Gurus: an examination of Labour’s rhetoric", Londres, center for Policy Studies, 1996. In : l’Anti- intellectualisme, p.109.
8 - Edward Said, Des intellectuels et du pouvoir, Paris, Seuil, 1996, in "L'Anti-intellectualisme britannique et l'image de l'intellectuel français", p. 110.
9 - Jennings, p. 110.
10 - Alan Bennet, Writing Home, Londres Faber, 1994, p.157. cité par Jennings, p. 110.
11- J. Jennings, p. 110.
12 - André J. Bélanger, The Ethics of Catholicism and the consecration of the intellectual, Montréal &Kingston, McGill- Queens’s University Press, 1997. p. 157.
13- Le texte de Jeremy Bentham, “Anarchical fallacies being an examination of the Declaration of Rights issued during the French Revolution", se trouve dans Jermy Waldom, "Nosense upon Stilts; Betham, Burke and Marx on the Rights of Man", Londres et New York, Methuen, 1987, p.46-69; cité par Jennings. pp. 114-115.
14- Margaret Thatcher, The downing Street years, Londres, Harper Collins, 1993, p. 753.
15 - Raymond Williams, Keywords. A Vocabulary of Culture and society", Oxford, Oxford University Press, 1985,
16- يحيى عمارة، "المثقف الكوني بين التاريخ والنظرية الأدبية"، جريدة القدس العربي، السنة 21، العدد 6257، 17-07-2009، ص 10.
17- حفناوي بعلي، مدخل في نظرية النقد الثقافي، الجزائر، منشورات الاختلاف، 2007، ص. 176.
18 - محمد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ترجمة هاشم صالح، بيروت، منشورات مركز الإنماء القومي، 1986، ص 91.
19- أحمد صلاح الدين الموصلي، جذور أزمة المثقف في الوطن العربي، دمشق، دار الفكر، 2002، ص 29 .
20 - Antonio Gramsci, Alle mensen zijn intellectuelen, Notities uit de gevangenis", Nijmegen, Ventilt, 2019, pp. 121-135.
21 - Ibid., p. 122.
22- Ibid., p.246.
23- Ibid,. pp. 242-251.