
مقدمة
ظل كتاب (الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس) للشاعر الكبير معروف الرصافي أسير الحفظ فترة زادت على الستين عاما. ولم يكن ظهوره إجابة شافية على الرحلة الغامضة التي دامت كل تلك الفترة، خاصة وأن الكتاب هو بحث موسوعي كبير لمواضيع حاذر معظم الكتاب والمفكرين من الاقتراب منها، خوفا من البحث في المقدس وفي المحرمات، ويعرف الجميع نتائج تلك المجازفة.
جاء الكتاب مناظرا بالحجم لكتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل عن حياة محمد، لكن بتنوع أكبر وتنـــــاول مباشر للأسئلة التي حيرت كثيرا من العلماء. ولعبت جرأة الكاتب وعدم الدوران حول الموضوع، واللغة السهلة في اختصار الطريق والخروج من هذا الجهد بنتيجة ذكية مقترنة بأفكار ظلت تراوده ردحا، وجعلته في حقل المنطق والمعقولية في كل مقاصـــده وتحليلاته، وأسهمت الخلفية الثقافية للشاعر، وسعة خزينه المعرفي، واللغوي، والديني في تسهيل مهمته، فهو عالم لغوي له مؤلفات عديدة (الآلة والأداة، دفع الهجنة في ارتضاح اللكنة، وكتب أخرى مثل تاريخ آداب اللغة العربية ...)، كما درس علوم القرآن على يد العلامة محمود شكري الآلوسي، وظل محافظا على فرائضه الدينية لغاية الثلاثين من العمر، وهي فترة أتاحت له الاطلاع على المواضيع التي عرضها الكتاب، ولعب حس الشاعر في منحه القدرة على الإحساس بالكلمة وتذوقها وفهم المعاني اللغوية القديمة، وبذلك يمكن القول أنه قد كتب باختصاصه.
عرف الكاتب من خلال تعمقه بقراءة النص وروحه النقدية بأن الأسلوب القرآني هو شكل مبتكر، لم يكن شعرا كشعر أمية بن أبي الصلت، ولا سجعا كهنوتيا، بل قرآن يقرأ ويحفظ، ويستوعب القصص والأحكام بآلية حرة وفضاء واسع لاستقبال المعاني الحديثة حينذاك، وظهر بصيغته الحالية قبوله للقوافي المختلفة، وإمكانية التبديل والاسترسال بالشرح، وسرد القصص بما لا يتوفر ذلك في الشعر ولا السجع، وظهر فيه كذلك المحكم من الآيات والمتشابه لاستيعاب ما استجد من حقائق، وإعطاء مجال كبير للتأويل والتفسير وفتح أبوابه على تفسيرات مختلفة قابلة لفهم المؤلف والمخالف.
إن إحدى نقاط قوة كتاب الشخصية المحمدية هو عدم كتابته لصالح حزب أو فكرة مسبقة، او مذهب معين، والكاتب قد تربى في المؤسسة الدينية ذاتها، ولم ينتم الى حزب أو تيار فكري من التيارات التي يمكن اتهامها بإيمانها، وأستعمل اللغة والأدوات التي يستعملها الفقيه الديني، وأجتهد في فهم النص، ولم يدّع الابتعاد عن الإسلام وهو القائل في وصيته التي نشرها الدكتور يوسف عز الدين في كتاب الرصافي يروي سيرة حياته [ أنا ـ ولله الحمد ـ مسلم مؤمن بالله وبرسوله محمد بن عبد الله إيمانا صادقا لا أرائي ولا اداجي الا اني خالفت المسلمين فيما اراهم عليه من أمور يرونها من الدين إلا جوهره الخالص، وغايته المطلوبة التي هي الوصول إلى شيء من السعادة في الحياة الدنيوية الاجتماعية، والحياة الأخروية ما أمكن الوصول إليه بترك الشرور وعمل الصالحات، وكل ماعدا ذلك من أمور الدين فهي وسيلة إليه، وواسطة له ليس الا" (ص 314).
مراجعة الموروث الديني
راجع الكاتب السيرة النبوية بشكل عقلاني موسع، وفسّر السيرة بشكل مختلف عن المألوف، ورتب مواضيعه بأسلوب يصدم القارئ ويجعله يهتم بما يلي ذلك من مواضيع، ويتوقف عند أمور مر بها الباحثون مرور الكرام، وحلل بدون تسرع وجزع من يريد الوصول الى النتيجة بشكل مباشر، بل قدم آراء من سبقه وناقشها بأناة، وذكر الروايات المتناقضة، وسلّ منها ما أُريد كتمه عمدا، فقد قام ابن هشام بتهذيب وتعديل وحذف الكثير من سيرة ابن إسحاق، مما اوصلها لنا ناقصة، وفعل الأتباع ومن جاء بعدهم نفس الفعل، مما ادى بها لهذا الاختلاف الشاسع. والتاريخ كان قد كتبه الغالب، والتجأ المغلوب إلى المبالغة لتعديل توازن الصورة، لذلك قال الرصافي في مقدمة الكتاب (أصبحت لا أقيم للتاريخ وزنا ولا احسب له حسابا لأني رأيته بيت الكذب ومناخ الضلالة ومتشجم أهواء الناس، إذا نظرت فيه كنت كأني منه في كثبان من رمال الأباطيل قد تغلغلت في ذرات ضئيلة من شذور الحقيقة) (ص15). إن قراءة الكتاب تجعلنا نفكر بالموروث الديني، وهي دعوة للمشتغلين في هذا المجال للرد وتقديم الإيضاحات على الأسئلة التي أثارها الكتاب، والصورة الغامضة والمبسطة المعروضة تصطدم مع العقل الصريح، فقد ذكر كتّاب السيرة النبوية قصة الحمامة التي باضت في باب غار ثور، وعبروا على قصة سراقة ابن مالك ومآلاتها، وذكروا ما فعله العنكبوت ولم يذكروا ما فعله العباس في إنجاح الدعوة، وذكروا قصة الشجرة التي جاءت تسعى وشقت الأرض لتقي الشمس عن النبي، ولم يدققوا بقصة تمثل الوحي بدحية الكلبي، وكان الانتقاء في كتابة الروايات واضحا بما يخدم هدف الكاتب .
لم يكن الرصافي أول من اقترب من الأمور الحساسة في العقيدة، بل سبقه آخرون كالرازي، وابن سينا، وابن عربي، والحلاج ومن بعدهم علي عبد الرازق، وطه حسين، لكن التناول لم يكن بهذه السعة والشمول والعمق والمباشرة. كما أن الخوف من الغوص معروف ومحذّر منه. فهذا طه حسين قد توصل الى بعض من تلك النتائج، واضطر لتغلفيها بأسلوب قصصي غير مباشر وغير تاريخي، كما ذكر في مقدمة كتابه على هامش السيرة، وتوصل الخطيب الدكتور أحمد الوائلي من بعده إلى نتائج مخالفة لقصة الخلق، ودحض العلامة ابو القاسم الخوئي جميع النواسخ التي ذكرت نصا بالقرآن في كتابه الكبير (البيان في تفسير القرآن).
لقد تناول الرصافي كل صغيرة وكبيرة من حياة النبي محمد، وأوصلها بخيط مستتر كان من نتائجه الإيمان بالعقل والكفر بالمعاجز والغيبيات، وتوصل إلى إن الغيبيات التي كتبها الرواة عن النبي ماهي الا إساءة له، مثل عدم معرفته بالقراءة والكتابة، وأنه لم يعرف شيئا من علوم عصره ولا يتقن المفاوضات، ولا الخطط العسكرية، وأنه أداة لتوصيل الإرادة الالهية ليس إلا (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)(النجم، 3).

نواقص بحثية
لم يكن الكتاب على نفس المستوى في التحليل وازالة الغامض واللا معقول من الروايات، فقد بالغ في بعضها كقضية أزواج النبي، وموقفه من الفرس، وأطلق في هذا المورد أحكاما مطلقة لا تتناسب مع البحث العلمي، انظر هذه الجملة (وإن تحققت خيانة بعضهم حصل الشك في الباقين وحامت الريبة حولهم أجمعين)(1)، أما موقفه العام من الشيعة فإني لم احصل على اشارات طائفية، لكن من يقرأ هذا الكتاب وكتاب الرسالة العراقية يخرج بنتيجة لغير صالح الشيعة، وذلك يمثل الثقافة السائدة منذ دراسته الدينية وفترة مكوثه في الاستانة، وقد تطرف في نعتهم بنعوت تصطدم مع العقل مثل (لا ريب أن كل من يمت بنسبة إلى الفرس لا يسعه أن يكون علوي النزعة في تحزبه السياسي)(2)، علما أن ايران كانت سنية لغاية القرن السادس عشر الميلادي، وقد ذكر في كتابه الرسالة العراقية الذي ألفه في الفلوجة وكتب مقدمته عام 1940 (فلو سألني سائل ما أعجب ما رأيت في هذه الحياة الدنيا؟ لاجبته فورا من دون تردد أو تلعثم إن اعجب ما رأيته في الدنيا شيعي يدعي أنه عربي، لأن بين التشيع وبين العروبة تناقضا لا يخفى على اسخف العقول. فإن كان هذا الشيعي عربيا صريحا كما يدعي فقد مسخه مذهب التشيع حتى صار بمنزلة الحيوان الأعجم الذي لا يدرك ما هو فيه..) (3)، وهو لا يبتعد في موقفه من موقف أستاذه محمود شكري الالوسي (1924) من الشيعة، وموقف الوزير ساطع الحصري (1968)، وكان هذا الوزير متمتعا بالسلطة السياسية والتنفيذية، اما موقف الرصافي فانه موقف فكري لم يتسرب الى علاقاته الشخصية مع اصدقائه من الشيعة مثل الشاعر محمد مهدي الجواهري. والمقام هنا لا يسمح بالتفصيل ولنا في ذلك مقالة اخرى.
أهمية تحقيق الكتاب وكشف نواقصه
من الاهمية بمكان تحقيق هذا الكتاب وكشف نواقصه لغرض استكمال الصورة الاصلية التي تبيح للقارئ والباحث مشاهدته على حقيقته، كما إن محاولة معرفة حيثيات طباعة الكتاب تعيدنا إلى ما كتبناه في المقدمة، من أن ظهور الكتاب لم يكن إجابة شافية على الرحلة الغامضة التي دامت سبعة عقود، والكتاب تحوم عليه الشكوك حول مصداقية محتواه، نظرا لعدم تحقيق الكتاب ومقارنته مع النسخ المختلفة، كما أن مصادر الكتاب تضيف عليه شكا آخر، فهي من وضع الناشر الذي اخفى تاريخ طباعة مصادره، وهي ليست من وضع المؤلف، ويشمل هذا حواشي الكتاب، فقد ذكر الناشر في صفحة المصادر تاريخ طبع أحد المصادر وهو الكشاف للزمخشري المطبوع عام 1966!!، كما طبع اعجاز القرآن للباقلاني الطبعة الاولى عام 1954، والرصافي توفي عام 1945، وتوجد مصادر أخرى طبعت بعد وفاته لا يعقل اعتماد الرصافي عليها، ويجيب الرصافي نفسه على هذا التناقض قائلا "إذا كان عملي ناقصا فسببه قلة المصادر التي لدي من امهات المصادر سوى اربعة وهي : السيرة الحلبية، وسيرة ابن هشام، والتفسير للزمخشري، ومعجم البلدان، وهذه الكتب ايضا ليست ملكي، إنما استعرتها من السيد مصطفى علي(4)"، لذلك لا يصح فيما استشهد بهذه المصادر ولا يصح ما عداها، علما أن المصادر المذكورة في نهاية الكتاب هي 30 مصدرا.
كما توجد أرقام في داخل النص المطبوع لم يجر توضيحها بشكل صريح، ويبدو انها ارقام الصفحات الموجودة في النص المصور.
ولعل تاريخ تأليف الكتاب هو أحد الأخطاء التي ذكرها الناشر، فلا يعقل أن المؤلف قد ألف هكذا كتاب في سنة واحدة كما ذكر ذلك الناشر، فقد قال (له العديد من المخطوطات التي لم تطبع ومنها هذا الكتاب الذي أنجزه عام 1933، في الفلوجة بالعراق) (ص 4)، وأحيل القارئ الى حديث الرصافي يوم 29 أيلول 1944 حيث قال ( قررت أن أهجر بغداد لسببين الأول أن راتبي لا يكفيني في بغداد - 12 دينارا، والثاني أردت أن اشتغل اشتغالات فكرية بعيدة عن صخب العاصمة فقررت الذهاب الى الفلوجة، فذهبت هناك سنة 1933 أو سنة 1932، وبقيت اشتغل بكتابي الشخصية المحمدية حتى سنة 1941، ولما وقعت الحرب بين العراق وانكلترا اضطررت إلى العودة الى بغداد5))، ولمزيد من التوضيح قال الرصافي في نفس المقابلة :
ـ هل أكملتم كتابكم المذكور؟
ـ لم نكمل هذا الكتاب، لأن الكتاب كما تعلمون هو عبارة عن ملاحظات كنت أدونها كلما خطر لي خاطر حول الموضوع.
إن هذا يقودنا الى سؤال آخر عن النسخة الاصلية المكتوبة بخط الرصافي، والناشر يوهمنا في الإيضاح المذكور في ص 13 هو إيضاح عن النسخة الأصلية لذلك صدّر الكتاب بها، وهو فوق ذلك بدون تاريخ، وقد حذف منه جملا عديدة بقصد سوف أوضحه، والإجازة كتبت كما يأتي:
ـ إجازة الرصافي في النقل ـ
أطلعت على هذه النسخة ...... (النقاط ليست مني) من كتابي (الشخصية المحمدية) فرأيتها صحيحة كاملة خالية من الأغلاط في النسخ، فلذا أجيز ........ روايتها والنقل عنها ...... ، كتبت هذا أعلاما بذلك ـ انتهى ـ .
وهذه الإجازة لا تخص النسخة المكتوبة بخط الرصافي المودعة عند المرحوم محمود السنوي، بل أنـــها كتبت إجازة لنسخة استنسخها الأستاذ كامل الجادرجي في 15 آب 1944، وقد ذكر د. وليد محمود خالص نصها نقلا عن الاستاذ المدقق ميخائيل عواد وهي (اطلعت على هذه النسخة التي استنـــــــسخها صديقي الفاضل كامل الخيام ـ الجادرجي ـ على النسخة التي كتبتها بيدي عن كتاب الشخصية المحمدية، فرأيتــها صحيحة خالية من الأغلاط في النسخ، فلذا أجيز له روايتها، والنقل عنها والاعتماد على ما هو مكـــتوب فيها قبل طبع نسخة الكتاب الأصلية، ونشرها، وبما اني اثق بثقافة كامل الخيام، و بصدقه واخلاصه في مسائل العلم والأدب، كتبت هذا إعلاما بذلك). والنص هذا مثبت في كتاب مخطوطات المجمع العلمي العراقي .
إن عدم ذكر اسم الأستاذ المرحوم كامل الجادرجي معناه أن النسخة التي اعتمدت عليها دار النشر هي أيضا ليست نسخة الأستاذ الجادرجي !!! وإن النسخة التي استنسخها المرحوم الجادرجي موجودة عند الأستاذ نصير الجادرجي ولم تعتمد عليها دار النشر، أو ربما حذف الناشر اسم الجادرجي نظرا لعدم رغبة المرحوم رفعت الجادرجي في تثبيت اسم العائلة على هذه الطبعة، والابتعاد عن مسؤوليته عنها حسب رأي الدكتور سيار الجميل المذكور في موقعه، وهذا يقودنا الى توضيح آخر مع الإشارة الى نص الأستاذ قاسم علوان في نصوص عراقية ـ العدد 25 ـ وهو كالتالي:
1ـ أن النسخة الأصلية المكتوبة بخط الرصافي والمودعة عند المرحوم محمود السنوي هي لحد الآن مجهولة المصير.
2ـ كتب الأستاذ كامل الجادرجي نسخة بخطه في بداية عام 1944، وطابقها محام معروف، وكتب الرصافي في صدرها الإجازة المذكورة آنفا، والنسخة هذه موجودة عند الأستاذ نصير الجادرجي.
3ـ توجد نسخة أخرى كتبها الأستاذ مصطفى علي بخطه، وهي غير معروفة المصير.
4ـ قام الأستاذ كامل الجادرجي بتصوير صورة فوتوغرافية للنسخة التي كتبها بيده، وأهدى النسخة المصورة للمجمع العلمي العراقي.
5ـ قيل ان السفير العراقي باهر فائق قد استنسخ نسخا من الكتاب بحكم علاقته مع الرصافي، ولم ترد علاقته بالكتاب المطبوع في دار الجمل، وقد قيل إن أحد سفراء النظام البعثي أيام الحصار في تسعينيات القرن الماضي قام باستنساخ عدد من النسخ بأجهزة الاستنساخ الحديثة، على أساس الصور المودعة لدى المجمع العلمي العراقي، وباعها لمن يرغب، وقد ظهرت منذ ذلك الوقت نسخا منها بيعت في شارع المتنبي.
والنسخة التي اعتمدها الناشر ربما هي من مبيعات السفير المذكور، وهذا هو سر عدم نشر الإجازة كاملة. ودار النشر مطالبة بتوضيح ذلك.
6ـ ذكر الناشر في صفحة 5 من الكتاب (المجلدات المصورة ثمانية، وهي تحتوي على وثيقتين، وعلى بعض المستندات المتعلقة بها.) والوثيقتان هما الكتاب المتكون من 7 مجلدات، وصفحة واحدة هي وصـية الرصافي. وصفحة واحدة: تعريف بعنوان (وصية المرحوم الرصافي). وصفحة (فهرست كتاب الشخصية المحمدية). وصفحة (فهرست كتاب الشخصية المحمدية لمؤلفه معروف الرصافي). والمجلد الثامن: الفهرست بتنضيد موسع، وفي آخره صفحة غير مرقمة فيها خلاصة نصوص النظام الاجتماعي للدين اليهودي.
لم تطبع كل هذه المستندات ولا ندري لماذا؟ هل كانت الوصية هي بيت القصيد؟ أم إن سببا آخر منع دار النشر من طبع جزء من الكتاب كما جرى ذلك من قبل باقتطاع نصوص من الإجازة؟
إن ذكر وصية الرصافي يستوجب الإقرار بأحقية من أوصى لهم الرصافي من حصة بيع الكتاب، لأن الوصية نصت على ذلك. إن نص الوصية مذكور في كتاب د. يوسف عز الدين عن الرصافي وهي (كل ما عندي من الكتب المخطوطة التي كتبتها أن تباع لمن يرغب في شرائها على أن له حق الطبع والنشر، ولا يكون لي فيها سوى الاسم، ويدفع المال الحاصل من بيعها الى بنات عبد). (انظر ص 314).
ذكر الدكتور سيار الجميل في مدونته رواية أخرى عن طباعة الكتاب، هي أن المرحوم رفعت الجادرجي كان قد أرسل لأخيه رسالة يطلب فيها تصوير مخطوطة كتاب (الشخصية المحمدية) وارسالها له لغرض طباعتها، فعرضها على دار الساقي، ودار رياض الريس في لندن، وعلى غني مروة لنشرها فاعتذروا عن ذلك، نظرا لمخاطر هذا العمل، ثم وافق الشاعر خالد المعالي في نشرها في ألمانيا، كولونيا وهي النسخة موضوعة البحث(6).
بيع السجائر
لاحظت انتشار رواية بيع الرصافي للسجائر على أرصفة بغداد في أخريات حياته بسبب فقره المدقع، وتكرر ذلك في محاضرة الدكتورة لاهاي عبد الحسين في ندوة حوار التنوير في 5 آذار 2025، وذكره كذلك الدكتور رشيد الخيون في مقالته تحت عنوان (قراءة في المسألة العراقية) في موقع التيار السني في العراق في 5/ 8/ 2009 قائلا: (ولخصومته مع السلطات اضطر إلى بيع السجائر على الأرصفة، كما قلنا، حاله حال الصبيان المشردين). وكتب كذلك الاستاذ حسين الموزاني نفس الأمر في جريدة المستقبل وذكر في تأكيده أن الرصافي قال (ابيع السجائر ولا ابيع ضميري)(7) وأحب أن أذكر بهذا الصدد الحقائق الاتية:
1ـ لم يفصل الرصافي من أي عمل بسبب مواقفه العنيفة من الملك فيصل ومن الوصي عبد الاله، ولم يقطع راتبه التقاعدي (12 دينارا) .
2ـ خصص له نوري السعيد راتبا قدره 40 دينارا تدفع عن طريق محمود السنوي8)).
3ـ خصصت له أسرة آل عريم راتبا طيلة إقامته بالفلوجة (1933 ـ 1941 )(9).
4ـ له راتب من أسرة حكمت سليمان(10).
5ـ كان مظهر الشاوي يوليه بالعطايا الوافرة .
كانت هذه المبالغ كبيرة في ذلك الوقت، خاصة لو علمنا أن راتب الملكة زوج الملك فيصل كان 28 دينارا وراتب الأمير غازي كان 9 دنانير(11)، وهذا يعني ان الرصافي كان في بحبوحة مالية، لكن سوء تدبيره وكرمه الزائد، وتوكيله خادمه باستلام رواتبه جعلـه في ارباك وحاجة للمال. وهذا بالحقيقة لم يدفعه لبيع السجائر، بل قام صديقه المحامي أنور شاؤول الذي كان يعمل في شركة التبغ، بالاتفاق مع مدير مؤسسة التبغ يوسف عز الدين إبراهيم(12) الذي كان يعمل في شركة التبغ بتوسيع مصادر الرصافي المالية، وذلك بتخصيص كمية شهرية تباع مباشرة، ويقدم فرق أثمانها للشاعر دون أن يشارك أو يجهد في البيع، والتقط المحامي المذكور صــورة للشاعر مع السجائر دعاية للشركة ليس الا. لان الشاعر كسول ولا يحب العمل وهو في كل الأحوال كبير السن.
وأخيرا فإن تأخير طبع الكتاب كل هذه المدة، هو خسارة للبحث العلمي، نأمل من دار النشر ان تتـــــحفنا بطبعة ثانية منقحة، تأخذ بنظر الاعتبار الملاحظات المذكورة، ونقدر عاليا الجهد الذي بذلته في ذلك .
—------------------------
الهوامش
-
معروف الرصافي، الشخصية المحمدية، كولونيا، منشورات الجمل، ط1 2002، ص 762.
-
المصدر نفسه، ص 751
-
معروف الرصافي، الرسالة العراقية في السياسة والدين والاجتماع، منشورات الجمل، كولونيا، ط1 ، 2007، ص123.
-
يوسف عز الدين، كتاب الرصافي يروي سيرة حياته، دار المدى،1/ 11/ 2004، بغداد، ص 110.
-
المصدر نفسه، ص 244.
-
سيار الجميل، "ما قصة كتاب معروف الرصافي الشخصية المحمدية"، 6 تشرين الثاني 2022، منشورة في صحيفة الزمان بتاريخ 19/ 11/ 2022.
-
حسين الموزاني، "بيع السجائر ولا بيع الضمائر"، جريدة المستقبل، 23 / 8/ 2015 .
-
يوسف عز الدين، ص 288 .
-
معروف الرصافي، الرسالة العراقية في السياسة والدين والاجتماع، ص 8.
-
شكيب كاظم، بعنوان الشاعر الكبير ما باع السجائر على قارعة الطريق، جريدة الزمان، في 19/ 4/ 2015.
-
رواتب العائلة المالكة، مجلة دار السلام، العدد 154 لسنة 2002 .
-
خالد القشطيني، "لشاعر والسوق السوداء"، جريدة الشرق الأوسط، 4/ 5/ 2020.