أيلول/سبتمبر 12
   
                                                                                                               
    مثّلت خطوة إصدار مجلة (ليلى) حالة متميزة في تاريخ المرأة العراقية، لأنها أول مجلة نسائية تصدر في العراق، وقد ظهرت الى النور بتاريخ 15 تشرين الأول 1923، صاحبة المجلة ورئيسة تحريرها السيدة بولينا حسون (1895-1969)، وهي موصلية عراقية الأصل من جهة الأب، ومن جهة الأم من فلسطين أو من الشام. عاشت في مقتبل حياتها في مصر وفلسطين قبل عودتها الى بلدها العراق مع أسرتها سنة 1923. وعملت في بداية قدومها الى بغداد نحو سنتين بدائرة التفتيش بوزارة المعارف. ومن ثم جرى تعيينها مطلع سنة 1925، مديرة مدرسة باب الشيخ الابتدائية. أشارت أكثر من مرة إلى ابن عمها سليم حسون (1871-1947) المدير المسؤول في جريدة (العالم العربي) البغدادية، وهو صحفي عراقي بارز، كما نوهت أيضاً بأن خالها هو العلامة الشاعر الشيخ إبراهيم الحوراني (1844-1916) ، الذي كان يعمل معلماً في الجامعة الأمريكية ببيروت.
   ذكرت بولينا حسون في مستهل العدد الأول، قائلة: "على أثر قدومي إلى بغداد، دعيت إلى إلقاء خطبة في الحفلة التي أقامها منتدى التهذيب بتاريخ 10 حزيران 1923، لتكريم الشاعر الكبير الأستاذ الزهاوي"، وهذا التصريح يوضح بشكل تقريبي تاريخ عودتها إلى بغداد، وقيامها بإصدار المجلة بعد ذلك بأشهر قليلة. أما سبب اختيار اسم (ليلى) للمجلة، فقد كتبت في العدد نفسه، ما يشير إلى: أنها سمعت الشاعر جميل صدقي الزهاوي يلقي قصيدة معنونه (في منتدى التهذيب)، وفيها بيت شعري يقول فيه:
                 إني بـ (ليلى) مغرم وهي (موطني)     
                                     وعليّ أقضي في غرامي بها نحبي
وظلت مواصلة حديثها حول المشاعر التي غمرتها أناء تلك اللحظة، قائلة: هبطت الكلمتان (ليلى والوطن) على قلبي هبوط الوحي، فاندفعت إلى تحلية المجلة باسم (ليلى)، وقد كان في فكري أن اسميها (فتاة العراق). وسنحاول في هذا المشوار البحثي الإحاطة على نحو موجز بعرض تفاصيل حول بعض المواد المنشورة في أعداد المجلة البالغة (20) عدداً التي صدرت خلال السنتين على مدى عمرها، لغرض تكوين فكرة وافية حول طبيعة خطاب المجلة، كُتابها، أهدافها، والتحديات التي واجهت هذه الخطوة الرائدة.
          و(ليلى) مجلة تبحث في العلم والأدب والاجتماع نسائية شهرية، صدرت بـ(48) صفحة من القطع المتوسط، وقد لاقت رواجاً بين المثقفين، مثلما وجدت لها طريقاً نحو الأوساط النسوية. والمجلة ذات طابع تربوي وعظي يحرض المرأة على المطالبة بحقوقها ونيل تعليمها، وعرفت المجلة عن نفسها بحسب ما جاء على غلاف عددها الأول السنة الأولى الصادر في 15 تشرين الأول 1923، بأنها صدرت: "في سبيل نهضة المرأة العراقية.. مجلة نسائية تبحث في كل مفيد وجديد فيما يتعلق بالعلم والفن والأدب والاجتماع وتدبير المنزل".
  ووقفت صاحبة المجلة بشجاعة أمام ظروف بالغة الصعوبة منذ بداية انطلاق هذا المشروع النهضوي، وواجهت التحديات بمعنويات عالية، طامحة الى استدامة تشكل هذا الحلم كحقيقة ملموسة على أرض الواقع، وكانت على معرفة تامة بأهمية وجود مجلة تهتم بشؤون المرأة، وتدرك ضرورة صدورها في تلك المرحلة من تاريخ العراق المعاصر، فكتبت في ذلك العدد، قائلة: "يفتكر بعضهم أن ظهور مجلة نسائية في العراق من الكماليات التي لا حاجة اليها الآن، وأن المناداة بنهضة المرأة في العراق نفخ في رماد. هؤلاء وأمثالهم معتادون على اطفاء الأرواح، ولعلهم من بقايا الوائدين، ولكن ما لنا ولفكرهم الرجعي، وأنى يسمع صوتهم الخافت رعود الأصوات الحية الداعية الى التجدد. لله أنتم أيها المنادون بالحياة والساعون الى خير البلاد، أنتم روح العراق أنتم قلب العراق، قلب العراق شاعر بأنه لن يشفى غليله ما لم تشمل النهضة فتياته، فيستوفين حقهن في التجدد الاجتماعي لتصلح أحوالهن وأحوال الأمة بهن".  وتضمن العدد نفسه مقالة تحمل عنوان (المرأة الحقيقية)، تطرقت فيها ملامح ظروف المرأة والواجب الذي يقع على عاتق المجتمع تجاهها من أجل تعزيز مكانتها بواسطة التهذيب والتعليم.
 كما تضمن العدد الأول قصائد خاصة بالمجلة للشعراء جميل صدقي الزهاوي، معروف الرصافي، كاظم الدجيلي، والشاعر المصري أحمد نسيم، كما حفل ذلك العدد أيضا بعدة مقالات، احدها جاءت في باب بعنوان (بوق الحق)، وأخرى لمحمد الهاشمي بعنوان (المرأة العربية)، وثالثة طبية معنونه (قانون صحة الحامل) للدكتور جورج حيقاري، ورابعة بعنوان (ليلى الأخيلية) ليوسف غنيمة، لها تتمة في العدد اللاحق، وأخريات منها مقالة بعنوان (نظرة في فن تربية الأطفال).
لقد تضمنت محتويات كافة أعداد مجلة (ليلى)، مجموعة من المقالات المترجمة المأخوذة من المجلات الأجنبية الصادرة في البلدان الغربية المختلفة، وأخريات مقتطفات من الصحف والمجلات المحلية والعربية، وقد حرصت المجلة على استدامة عدد من الأبواب الثابتة، منها: رنات الأوتار السحرية، بوق الحق، حديث ربات المنازل، حقائق، مقتطفات الصحف، لمعات الأفكار، فوائد صحية، وباب الأخبار المتنوعة الذي جاء تحت عنوان (أخبار الغرائب وغرائب الأخبار). ومن الأهمية بمكان التنبيه الى أن كافة الموضوعات المنشورة في أعداد المجلة (العشرين)، مرتبطة جميعها بالشؤون التي تمس قضايا المرأة من مختلف الوجوه والجوانب، ولكنها في الحقيقة لم تكن تجرؤ على الدعوة الى السفور علانية، خشية من المتربصين بها، بل اضطرت في أعداد لاحقة الى نفي هذا التوجه الذي خطر في أذهان البعض من المتشددين المناوئين. 
صدر العدد الثاني السنة الأولى في 15 تشرين الثاني 1923، وضم بين دفتيه عدد من المقالات، منها تتمة لمقالات جاءت في العدد السابق، وأخريات تناولت مواضيع جديدة، وكررت صاحبة المجلة في مقالة بعنوان (متى تحيا الأمة) دعوتها الى تحرير المرأة لأنها عنصراً مهماً من عناصر حياة الأمة وتطورها.
ودأبت المجلة، ومنذ عددها الأول على نشر القصائد الشعرية التي تقف الى جانب قضية المرأة، والداعية الى تحررها، والمعبرة عن مساندة النهضة النسوية، ولذلك فتحت صدرها لكثير من المقالات التي كتبها أنصار المرأة، وقد استقطبت عدداً من الكتاب والأدباء والأطباء العراقيين والعرب.
اهتمت المجلة بتناول قضية النهضة النسوية من وجوه مختلفة، الاجتماعية والتربوية والأخلاقية، وركزت على تسليط الضوء نحو أحوال المرأة ومعاناتها، وجاءت افتتاحية العدد الثالث السنة الأولى الصادر في 15 كانون الأول 1923، تحت عنوان (العادات الوبيلة في قضية الزواج)، منطلقة من أهمية العائلة بوصفها ركيزة المجتمع، وضرورة ترصين العلائق داخل الأسرة الواحدة.
وردت مقالة أخرى تحت باب (حديث ربات المنازل) بعنوان (حديث اليوم)، تطرقت الى الدعوة التي تبنتها مجلة (ليلى) بشأن مشروع تأسيس نادي نسوي في بغداد، التي تكللت بتأسيس (نادي النهضة النسائية) بتاريخ 24 تشرين الثاني 1923، وكان مقره في محلة الصابونجية في بغداد، وتألفت الهيئة الإدارية للنادي من: أسماء الزهاوي بمنصب رئيس النادي، والسيدة نعيمة السعيد نائبة الرئيس، والسيدة ماري عبد المسيح سكرتيرة، والسيدة فخرية العسكري أمينة للصندوق، وعضوية كل من: نعيمة سلطان حمودة وبولينا حسون.
قامت المجلة في عددها الرابع السنة الأولى الصادر في 15 كانون الثاني 1924، بنشر مقالة بعنوان (العادات المستهجنة في معاملة المرأة)، بالاتساق مع توجهاتها في الإصلاح الاجتماعي، حملت مضامينها انتقادات تجاه بعض القيم والعادات الاجتماعية التي تسود في تلك المرحلة، حيث تعامل المرأة بوصفها مخلوق واطئ، وتحط من قدرها وتهضم حقوقها وتبقيها في حالة التخلف، وتؤثر سلباً على نهوضها. وتلت تلك المقالة أبيات شعرية للزهاوي، بعنوان (بكت فلا تمنعوها)، جاءت منسجمة كل الانسجام مع توجهات المقالة الفكرية، يقول فيها:
ما للفضيلة تأتي       بها الفتاة رواج
                        اليوم للناس في خط    ـــبة الثراء لجاج
 تزوجت فأتاها          بما يسوء الزواج
                        بكت فلا تمنعوها      أن البكاء احتجاج
نقلت المجلة في العدد الخامس السنة الأولى الصادر في 15 شباط 1924، مقابلة صحفية مع الشاعرة التركية (نيكار خانم) التي تضمنت الإدلاء بمضامين رؤيتها حول تطور النهضة النسائية في تركيا، المنطوية على إيضاحات هامة حول تهذيب الإناث من مختلف النواحي، وخلصت المجلة الى طرح فكرة، مفادها: "لن تضام أمة، راقية نساؤها، ولن يسعد أبناء شعب إلا بتهذيب بناته."
اهتمت مجلة (ليلى) بالأحداث السياسية التي حفلت بها تلك المرحلة، ومنها تأسيس أول برلمان عراقي هو (المجلس التأسيسي العراقي)، إذ جرى انتخاب (100) مندوب للبرلمان، على مرحلتين: الأولى في 24 تشرين الاول 1922 والثانية في 25 شباط 1924، وانعقدت أولى جلساته في 27 آذار 1924. وقد قامت المجلة بتغطية هذا الحدث، وتناولت انعقاد الجلسة الافتتاحية للمجلس التأسيسي العراقي بعدة مقالات في أعداد متتالية، مبتعدة عن الخوض في غمار أجواء المقاطعة الشعبية التي سرت كالنار في الهشيم أثناء انتخابات المجلس آنذاك، وانصبت رؤية المجلة فيما طرحته من وجهات نظر نحو قضية غياب المرأة العراقية عن تأدية دورها السياسي، فطالبت بضرورة ردم تلك الهوة التشريعية لما لها من تأثيرات سلبية على تقدم المجتمع، وما ينجم عن تعطيل دور المرأة بوصفها أحد مكوناته الرئيسة، فقد جاءت افتتاحية المجلة إزاء ذلك كله في العدد السادس السنة الأولى الذي صدر في 15 آذار 1924، تحت عنوان: (لدى الحادث التاريخي العظيم).
ولم تعدل المجلة عن مسارها، بل واصلت التعبير عن توجهاتها بعبارات صريحة، إذ حملت افتتاحية العدد السابع السنة الأولى الذي صدر في 15 نيسان 1924، المشاعر المرتجاة إنجازها من قبل المجلس، والمنشورة تحت عنوان: (أنظار نوابنا! لكل عين نظرة)، وانتقلت بعد ذلك الى عرض مواقف رئيس المجلس وبعض النواب ممن التقتهم أو تعرفت على وجهة نظرهم، واستمرت تستنهض الهمم، وتذكرهم بالوعود التي قطعوها على أنفسهم في وجوب إصلاح حال المرأة العراقية.
وانطوى العدد الثامن السنة الأولى الذي صدر في 15 أيار 1924 على افتتاحية، جاءت تحت عنوان (النساء في برلمانات الغرب)، تضمنت إحصائية حول عدد النساء البرلمانيات في معظم الدول الأوروبية. وفي مختتم هذه المقالة المثيرة، حملت صاحبة المجلة هواجسها الاستفهامية حول نصيب المرأة العراقية في هذا المنحى الديمقراطي، متوجهة الى الأستاذ يوسف غنيمة عضو المجلس التأسيسي، مستنجدة بمقدرته البحثية البارعة، ولم يخب ظنها، إذ وافى المجلة بمقالة مطولة على نحو من التفصيل التاريخي الوافي، استعرض فيها حركة مطالبة المرأة في الغرب بحق الانتخاب والتمثيل في المجالس النيابية، وجاءت بعنوان (المرأة والانتخابات النيابية)، وتوقف في مباحثه عند المرأة الشرقية أيضاً، موضحاً في أواخرها كافة المعوقات التي تقف أمام المرأة العراقية، سيما انعكاسات الوضع الاجتماعي وأحوال التعليم في التأثير على وعي المرأة السياسي في تلك الآونة، الذي يأتي في مقدمة العوامل المؤدية الى صعوبة مشاركة المرأة بهذا المعترك، ناهيك عن المعضلة الأساسية المتمثلة في استبعادها بنصوص قانون انتخاب النواب الأول، حيث لم يأتِ على ذكر حقوق المرأة النيابية.
ومما يلفت النظر، أن القانون الأساسي العراقي (الدستور) الصادر بتاريخ 21 آذار 1925، لم يفرق بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية ولا في الحقوق المدنية. ولم يحرمْ المرأة العراقية من حق الانتخاب، وجاء في المادة الثامنة عشرة، بما يفيد ذلك، وبالنص: "العراقيون متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة...". ولكنه أشار في المادة السابعة والثلاثين إلى أن: "تعين طريقة انتخاب النواب بقانون خاص يراعى فيه أصول التصويت السري...". وقد أعتمد في تطبيق هذه المادة قانون انتخاب النواب الأول الذي سبق المصادقة عليه من قبل المجلس التأسيسي في سنة 1924، وتضمن عدة مبادئ، وهي: الانتخاب على درجتين، يعني انتخاب (غير مباشر)، مثلما حدد كون الناخبين هم الذكور فقط، أي استثنى المرأة واستبعدها. وهنا يقتضي بنا التنويه الى أن هذا المبدأ مخالف لأحكام الدستور، سواء المادة الثامنة عشر أو تعديلها. وبذلك حال مُشرع ذلك القانون دون ممارسة المرأة حقها السياسي، وأدى في المحصلة النهائية الى تغييب مبدأ المساواة ما بين الرجل والمرأة .
ودعونا نسلط الضوء بإيجاز نحو مقالة جاءت بعنوان (حرية نسائية في مصر) ضمن محتويات العدد التاسع السنة الأولى في 15 حزيران 1924، نقلت بعض الشواهد من مصر حول مظاهر لامعة مست قضية تحرير المرأة وشجونها، وانعكست على تطور الحياة الاجتماعية هناك، وبينت أن التمدن يتوجب الأخذ من الحياة الغربية لكل ما يسهم في ارتقاء واقع المرأة وتعزيز مكانتها، وأن تحقيق الإصلاح الاجتماعي يتطلب مواجهة نزعة المحافظة على القديم. وأشارت الى دور اتحاد النساء المصريات برئاسة هدى شعراوي في تحقيق بعض المكاسب للمرأة المصرية، على شاكلة قبول الحكومة المقترح الخاص بتعيين أدنى حد للسن في الزواج، بالإضافة الى تحقيق ما يتعلق في مجال حريتها وسط المجتمع، من حيث توفير ظروف مناسبة لممارسة كثير من الأنشطة على النطاق الاجتماعي والسياسي. وقد يكون من المفيد ان نشير الى أن دوافع نشر هكذا مقالة، إنما تنطوي على تحريك الرأي العام في العراق، واستثارة المرأة العراقية على وجه التحديد باتجاه المطالبة بحقوقها، فضلاً عن تبيان أهمية التنظيم النسائي وضرورة الانخراط في نشاطاته المعبرة عن آمال المرأة وطموحاتها.  
عانت مجلة (ليلى) الكثير من المصاعب منذ بدايتها، وهذا ما أوضحته صاحبتها في المقالة الافتتاحية المنشورة بالعدد العاشر السنة الأولى الصادر في 15 تموز 1924، بعنوان (وداع السنة الأولى لمجلة ليلى)، والتي تقول فيها: "لقد كابدت ليلى في سنتها الأولى ما كابدت، لأنه لم يكن بالأمر السهل أن تشخص على غفلة، وتنادي بأعلى صوتها: اتقوا الله وفكوا قيود المرأة، وأقيموها من حضيض الجهل والذل والخمول، فإنها مساوية لكم في الحقوق وإنكم بدونها لخاسرون، متأخرون، خائبون. ولم تسلم ليلى من ألسنة المخادعين الذين تنكروا بزي الأصدقاء المخلصين وتظاهروا بالعطف عليها بنصائح شتى لم يبغوا منها سوى وأدها وخنقها. من ذلك زعموا أن ليلى تكبد صاحبتها أتعاباً كثيرة، وخسائر جمة تذهب سدى، وأن مشروع ليلى سابق لأوانه. وأن الناس لا يرغبون في القراءة، وإن السيدات والأوانس لا يملن للمطالعة والتَنوّر... فإلى الخصوم ترسل اليوم (ليلى) العفو والغفران، والى المناصرين تسوق طيب الثناء، وعلى جميع القراء والقارئات تتلو آيات الحمد والشكر ".
وافتتح العدد الأول السنة الثانية في تشرين الثاني 1924، بمقالة معنونة (افتتاح السنة الثانية لليلى)، عبرت فيها صاحبة المجلة بولينا حسون عن مشاعر الفخر الاعتزاز التي تغمرها بسبب استمرارية صدور هذا المنجز، مشيرة الى أن المجلة لاقت تأييداً واسعاً من القراء وهم أساس استدامة صدورها، مثلما وقف آخرون بالضفة المناوئة، وعلى الضد من وجودها وتوجهاتها، وأكدت في حديثها، قائلة: "عادت ليلى وناظرها مرفوع وثغرها باسم، وعلى رأسها أكليل غار... وما كان سلاح ليلى سوى الصبر والثبات والمواظبة على نشر كلمة الحق...". وتضمن هذا العدد مقالة تاريخية بعنوان (المجلات النسائية في سوريا) وسوريا هنا المقصود بها الشام أي سوريا ولبنان، للأديب اللبناني جرجي نقولا باز وهو أحد مناصري قضية المرأة، استعرض فيها تاريخ الصحافة النسائية، وقدم فيها إحصائيات دقيقة شملت أعداد الصحفيات الشاميات والصحف والمجلات وسنوات صدورها، وقد عرج أيضاً على ذكر الصحفيات ممن مارسن العمل الصحفي خارج بلاد الشام، سواء في مصر أو بلدان المهجر المختلفة، بما في ذلك تحمل مسؤولية إصدار صحف ومجلات هناك. وضم هذا العدد في آخر صفحاته، مقالة إشادة بمجلة (ليلى) نشرتها جريدة الأحرار البيروتية بتاريخ 23 أيلول 1924، ونقتطف بعضاً مما جاء فيها: "هي مجلة نسائية تبحث في كل مفيد وجديد من العلم والفن والأدب والاجتماع وتدبير المنزل، أنشأتها في بغداد الآنسة بولينا حسون ابنة أخت العلامة الحوراني. أكملت عامها الأول بعشرة أجزاء في خمس مئة صفحة وستبدأ مجلدها الثاني بعد بضعة أيام. جميلة الأسلوب. حسنة الإنشاء. جريئة في الدفاع عن المرأة. متحمسة في إنهاضها من سباتها ودفعها الى الأمام... انكلوسكسونية المنهج. عربية المبدأ. عراقية الشعور. إنسانية الغاية. مجددة الرأي. إصلاحية. فما أنفعها للعراقيات والعربيات، كثر الله أمثالها."
وكان للشعر حظ وافر في العدد الثاني السنة الثانية في كانون الأول 1924، إذ احتوى على ثلاث قصائد: قصيدتين للزهاوي الأولى (ليلى تزورني) والثانية قصيدة (على قبري)، وقصيدة أخرى للشاعر اللبناني محمد علي الحوماني بعنوان (أو تجني العلا ولا تتجنى). كما يتجلى الاهتمام بقضية اجتماعية تأتي على نحو من التكرار على صفحات أعداد المجلة، إلا وهي موضوعة (الزواج)، حيث ضم هذا العدد عدة مقالات سلطت الضوء على قضايا الزواج من زوايا متعددة.
ونشرت المجلة في العدد الثالث السنة الثانية في كانون الثاني 1925، مقالة حول حاسة البصر بعنوان (سير النور غير المنظور)، تضمنت أبياتا شعرية للشاعر أبو العلاء المعري، مثلت نظرته الى الجسد بعد الفناء، كما بقي مسار المجلة في الاهتمام بقضايا الزواج على الوجهة نفسها، ولكن هذه المرة جرى عرضها من خلال التعبير بفن القول، عبر قصيدة للشاعر معروف الرصافي بعنوان (إن الزواج محبة)، وقصيدة أخرى للشاعر اللبناني نقولا رزق الله بعنوان (بعد زواج سعيد).
وافتتح العدد الرابع السنة الثانية في شباط 1925، بمقالة معنونة (صوت النصف الآخر)، حيث ولجت الى عالم السياسة من خلال توظيف المشكلة المثارة حول الحدود العراقية - التركية، المعروفة في تلك الآونة بقضية الموصل، منبهة الى أن التاريخ لن يعود للوراء، وسلطت الضوء على أحوال  الناس عامة في العهد العثماني، وركزت على وضع المرأة بشكل خاص، وأشارت الى وجود بعض المظاهر التي تبين التطورات الناشئة خلال الفترة القصيرة للحكم الوطني، والتي تمهد سبل النهضة النسائية في البلد. وعلى منحى قضية الموصل نفسها، جادت قريحة الشاعر محمد مهدي البصير بقصيدة منشورة في هذا العدد بعنوان (الجنس اللطيف يدافع عن الموصل)، وتحت باب (حديث ربات المنازل)، انضوت مقالة بعنوان (الرجل مرآة المرأة في الاجتماع)، بقلم حسنية فهمي، منقولة عن مجلة (المرأة الجديدة) المصرية.
مثلت الأجواء الغربية هنا وهناك في العدد الخامس السنة الثانية الصادر في 15 آذار 1925، بعدة مقالات ومقتطفات، منقولة ومترجمة من المجلات الأجنبية، كذلك كانت موضوعة (الحب) حاضرة في متون المجلة، إذ جاءت بهذا العنوان مقالة للأديب المصري ابراهيم اباظة منقولة عن مجلة (المرأة الجديدة) المصرية، تبعتها على نغمات الحب في وريقات أخرى قصيدة شعرية للشاعر اللبناني حليم دموس بعنوان (الحب بلسان أصحاب المهن)، انطوت على التعبير عن المشاعر والأحاسيس بحسب اهتمامات كل واحد منهم، بحيث يشرح حبه بلسان مهنته، ففاضت القصيدة برؤى الوجدان على صفحات هذا العدد والعددان الآخران اللذان تلياه، ونطقت بلسان كل من: الأستاذ، الصحافي، الشاعر، المحامي، الفلكي، المزارع، الطبيب، الصيدلي، القائد، طبيب العيون، القاضي ، الرسام، الساعاتي، الراعي، حكيم الأسنان، الحلاق، الكاتب، الرياضي، الطباع، الصياد، الطيار، السياسي، البحري، وبائع الخمور. فعلى سبيل المثال، دعونا ننصت الى قول المزارع:
(زرعت) تحية (فجنيت) حباً     بما في (حقل) قلبي حين مالا
فهل (زهرات) حبك (ثابتات)    إذا ريح النوى (عصفت شمالا)
ويقول الرسام:
(رسمت) جميع الكائنات (بريشتي)       فلا قبلها (شبه) ولا بعده (ند)
وإذا رمت (تصوير) الهوى عجزت يدي    فلا تعجبوا فالحب ليس له (حد)
أما الساعاتي، فلسانه يناغم صوت ضربات قلبه في قول:
(ساعة) الحب مضت (لذاتها)      شبه حلم طيب حلو المذاق
 كلما (دق) فؤادي شغفاً          صاحت (الساعة) قد حان الفراق
نشرت المجلة في مفتتح العدد السادس السنة الثانية الصادر في 15 نيسان 1925، رسالة مطولة بعنوان (النهضة الجامدة)، مرسلة من قبل قارئة متخفية تحت اسم مستعار هو (عارفة)، ويبدو واضحاً أنها بمثابة مقالة مكتوبة بقلم متمرس تحمل رؤية ناضجة، وفي الغالب من كتبها مطلع تماماً على مجريات الأوضاع في البلد، وبصرف النظر عن هوية كاتبها، إلا انها تكاد تكون منسجمة الى أبعد الحدود مع توجهات الآنسة بولينا حسون صاحبة المجلة، ومتطابقة في التعبير عن هواجسها الشخصية ومرامي المجلة وأهدافها، وقد تناولت الرسالة (المقالة) تفاصيل دقيقة حول أحوال المرأة العراقية، وتطرقت الى شؤون النهضة النسائية وشجونها، استنهضت أصحاب الشأن في البلد -بما في ذلك الملك والملكة- لأجل مناصرة مشروع مجلة (ليلى) المتبنية باندفاع قضية المرأة، والساعية الى الارتقاء بأوضاع فتيات العراق عبر محاربة الجهل والتخلف، والتركيز على التهذيب والتربية والتعليم. وحملت الكلمات المكتوبة ما بين سطورها انتقادات على نحو بائن مرة ومضمر مرة ثانية تجاه ضعف الإدارة وبطيء التطور وقلة العمران، سواء في العاصمة أو بقية حواضر البلاد. وفي سبيل الإحاطة بمضامين تلك الرسالة، نجتزأ منها المقطع الآتي: "إن الطبيعة والعصر والشرع والعرف والقانون، وكل حق، وكل عزيز، وكل مقدس يأمرهم ويحرضهم منادياً وقائلاً: انصفوا الأنثى، أعطوها حقها من المساواة، من الاحترام، من التهذيب، من الرقي. ضعوها في مركزها الحقيقي حتى تحيا حياتها الحقيقية، وحتى يجني منها المجتمع البشري الفوائد العظيمة الحقيقية التي بها وحدها ترتقي الامة".
جاءت افتتاحية العدد السابع السنة الثانية الصادر في 15 أيار 1925، بعنوان (التزاحم بين الجنسين)، وانطوت مضامينها على نقل تصور حول مكانة المرأة أمام الرجل في البلدان الغربية، ومرامي المقالة تحريضية بامتياز، يتضح ذلك من خلال القيام باستعراض عدة مناصب هامة تمكنت المرأة على تولي إدارتها بكفاءة، وتبيان عديد من مجالات العمل التي ولجتها المرأة واستطاعت أن تقدم مهارة على غرار ما يقدمه الرجل، بل وأزيد، وأشارت الى تفوق المرأة في مجال الإبداع الأدبي، فهناك مثلاً شاعرات وروائيات مشهورات، وهنالك أيضاً متفوقات على نطاق الاكتشافات العلمية، وفي مختتم المقالة الافتتاحية هذه يظهر الاستفهام على نحو من الاثارة، والمرتجى منه الاستنهاض، ومفاده: "فهل لبنات العراق أن يغرن عند قرائتهن (قراءتهن) أخبار أخواتهن في العالم الناهض -ليس الى منازعة الرجال والتفوق عليهم- ولكن الى طلب التهذيب وحب الشغل المجدي نفعاً وخيراً؟".
ونطالع في العدد الثامن السنة الثانية الصادر في 15 حزيران 1925، قصيدة رومانسية للشاعر اللبناني إلياس أبو شبكة بعنوان (مات حسونها)، يصف فيها فتاة تبكي على موت أليفها ومؤنسها الطائر ذو الصوت الجميل المعروف بـ (الحسون). وتلتها قصيدة مطولة حول بيتهوفن الموسيقار العالمي مبدع السيمفونيات الكلاسيكية، بعنوان (بيتوفن) (هكذا) للشاعر اللبناني منير الحسامي، مكتوبة أواسط عشرينيات القرن الماضي على نسق شعري مغاير لما هو سائد ومألوف آنذاك، لا يلتزم بأوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي، عرف بـ (الشعر المنثور) والقصيدة مأخوذة من ديوانه (عرش الحب والجمال)، كما نشرت المجلة في عددها التالي (التاسع) قصيدة ثانية لهذا الشاعر من الشعر المنثور أيضاً بعنوان (أحب أن أبكي فمن يبكي معي!.)
جاءت المقالة الافتتاحية للعدد التاسع السنة الثانية الصادر في 15 تموز 1925، تحت عنوان لافت، ينطوي على صرخة نابعة من أعماق صاحبة المجلة، إلا وهو (بمناسبة التئام البرلمان العراقي الأول.. هل لنا حصة في ذلك؟)، وأبتدأ النص بالآتي: "كلا، اننا لا نطلب حصة في الانتخاب والكراسي والوظائف... إنما نطلب من البرلمان العراقي الأول الذي افتتح منذ منتصف الشهر الحاضر، ولا يزال يوالي جلساته بالخير، حصة مشروعة، بل أمراً ضرورياً للوطن، بل مشروعاً هو أيضاً من المشروعات الحيوية التي لا نزال نسمع الجرائد المحلية تشيد بذكرها وتضج بترديد ذكرها، والمشروع هو توفير أسباب تعليم الفتاة العراقية وترقية تربيتها... إن المستقبل لا يبسم للأمة العراقية إلا متى كان نور التهذيب شارقاً على بناتها. فعجلوا يا ممثلي الأمة ومدبريها نشر هذا النور...". وكان افتتاح البرلمان حدثاً مثيراً لاهتمام المجلة، فقامت بنشر تغطية اخبارية حول حضور الملك فيصل الأول الجلسة الافتتاحية نهار يوم الخميس 16 تموز، ثم قيامه بإلقاء خطبة العرش، وبعد أن غادر المجلس، جرى أداء القسم من قبل أعضاء مجلسي الأعيان والنواب، ثم انتخب أعضاء كل مجلس رئيساً له، ففاز برئاسة الأعيان السيد يوسف السويدي، وبرئاسة النواب السيد رشيد عالي الكيلاني.
وتلت تلك المادة الإخبارية مباشرة، مقالة بعنوان (النظام البرلماني) بقلم (عارف)، تمثل محتواها في تقديم لمحة تاريخية وافية حول النظام البرلماني، اشتملت في البدء على توضيح مطالبة العراقيين لكي يكون للعراق حكومة ملكية دستورية ذات نظام برلماني وتشريع دستور للبلاد. ثم ذهب الكاتب الى توضيح معنى النظام البرلماني بتفصيل دقيق، واستكمل مباحثه باستعراض تاريخي حول نشأة النظام البرلماني في إنكلترا منذ القرن الثامن عشر وتبيان التطورات التي طرأت عليه بفعل التطبيق في بقية البلدان حتى مطلع القرن العشرين. كما حفل هذا العدد بمقالة معنونة (نوادر عن العظماء والعظيمات)، تناولت كل من الشخصيات الآتية: بطرس الأكبر، اسكندر الأكبر، السير ولتر والي، الملكة فكتوريا، الإمبراطور شرلمان (هكذا)، كانج هاي إمبراطور الصين.
نشرت مجلة (ليلى) بنهاية عامها الثاني، في العدد العاشر (الأخير) السنة الثانية الصادر في 15 أب 1925، مقالة افتتاحية حزينة بعنوان (ختام عام ليلى الثاني)، حملت بين سطورها هواجس صاحبة المجلة حول احتمالية توقفها عن الصدور، تحدثت بصراحة محملة بالعتاب حول الظروف الصعبة التي تواجه الصحافة في العراق عموماً، وركزت على وجه التحديد نحو ما كانت تعانيه مجلة (ليلى) من منغصات ومتاعب، بالإضافة الى المشاكل المالية التي واجهت هذا المشروع الناشئ. وجاء في مختتم هذه المقالة، الآتي: "أن ليلى لعلى يقين لا تضطر الى إبداء أدنى تشكك في عامها الثالث، وأنها ستلاقي أعواناً أقوياء يسعون الى إطالة عمرها وإسعاد حالها وتأييد مشروعها الوطني الذي يجب أن يَعْضُدَهُ كل ذي دماغ وقلب". ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السَفن، إذ توقفت المجلة بعد صدور هذا العدد، وجرى على المستوى الشخصي تعيين الآنسة بولينا حسون، مديرة لمدرسة باب الشيخ الابتدائية، وكان هذا التعيين بداية للحملة الشعواء التي تعرضت لها تلك الصحفية الرائدة، فضلاً عما تحملته من مشاكل أثناء مدة إصدار المجلة.
تجدر بنا الإشارة الى أن جريدة (المفيد)، صاحبها ومديرها المسؤول إبراهيم حلمي العمر، كانت في مقدمة الصحف التي هاجمت بولينا حسون بقسوة، في مقالة جاءت مذيلة بتوقيع (خبير بما هنالك)، وبالمقابل دافعت عنها جريدة (العالم العربي) في العدد: (118) بتاريخ 10 آب 1924، بنشر رد تحت عنوان (تكذيب مدعي الخبرة)، واستمرت المشادات تتوالى على صفحات عدد من الجرائد، ومن ثم بعد فترة قصيرة انبرى الصحفي رزوق غنام، صاحب جريدة (العراق) الى نشر مقالات تتهجم على صاحبة (ليلى) وتتهمها بعدم امتلاكها لأصول التربية والتعليم، وبعبارات تسيء اليها، ودخلت في صراع حاد، أخذ أبعاد المواجهة الشخصية، وفي آخر المطاف انتقل الى المحاكم، وكانت النتيجة النهائية لصالح بولينا حسون، وأغلب الظن أن عدائية رزوق غنام كانت تستبطن خلافات أسرية، وصراعات في مضمار المهنة الواحدة والتي تتجسد في ميدان الصحافة أكثر من بقية الميادين الأخرى. ومع ذلك كله، كانت المحصلة النهائية، أن صدر من مجلة (ليلى) خلال السنتين عشرون عدداً.
مهم أن نشير الى أن جذوة الأمل باستعادة الحلم في تلك الأثناء ظلت متقدة بدواخل بولينا حسون على الرغم من كل ما واجهته في الحملات الصحفية المقامة ضدها، فقد عبرت بعد انتهاء السنة الثانية عن رغبتها وإصرارها على معاودة إصدار مجلة (ليلى)، حين قامت بنشر إعلان في جريدة (العالم العربي) في العدد: (533) الصادر بتاريخ 15 كانون الأول 1925، يلفت أنظار القراء والقارئات الى أن العدد الأول للسنة الثالثة من مجلة (ليلى) سيصدر في الشهر القادم، ويبدو أن الضغوط الشديدة والحملات القاسية التي جابهتها سواء من المناوئين المتزمتين بالمحافظة على القديم أو من زملاء مهنة الصحافة كانت أقوى من إرادتها، هذا بالإضافة الى مزامنة تلك الأهوال مع صدور قرار بتنحيتها عن وظيفتها في إدارة المدرسة، ذلك كله، قد دفعها في نهاية المطاف الى اتخاذ قرار العدول عن الاستمرار في العمل الصحفي، وهكذا تكالبت الظروف القاسية على قمع تلك المجلة الرائدة المتميزة، مما اضطرها إلى الاستسلام بالأمر الواقع. فتوقفت المجلة عن الصدور وأغلقت نهائياً، وسافرت صاحبتها إلى خارج العراق.
لقد بقيت بولينا حسون في العراق تطارد حلمها طيلة سنتين، ولكنها عاشت في آخر المطاف صدوع حلم منقطع، وتركت ذاكرة ناطقة تحكي قصة ظلال قلم اقترن بالحلم.