أيلول/سبتمبر 12
   
 
ندرة المياه والأمن الغذائي وامكانيات تحقيقه
يرتبط الأمن الغذائي للدول بإمكانياتها لتوفير ما يلزم من الغذاء لشعوبها، سواءً عن طريق الزراعة فيها أو للحصول على ما لا يمكن توفيره داخليا عن طريق الاستيراد من الدول الأخرى لذا يشترط في هذه الحالة توفر الموارد المائية والموارد المالية الكافية لتحقيق هذا الهدف. ولهذا السبب تواجه الدول الفقيرة مشاكل كبيرة لتحقيق ذلك لتفادي خطر المجاعة وخاصة في حالة شحة مواردها المائية أو هدر تلك الموارد في حالة عدم استثمارها بالطرق الصحيحة. وهذا يعني اعتماد مثل تلك الدول على المساعدات الخارجية لتأمين قوت شعوبها سواءً من الدول الغنية أو المنظمات الدولية وبالتالي ارتهان قرارها السياسي بما تمليه عليها تلك القوى الخارجية.
 ولقد سبق بحث هذا الامر في العديد من المؤتمرات الدولية من أجل المساهمة بوضع حلول مستدامة لهذه  المعضلة ، ولعل ما طرحه الباحث البريطاني توني ألن  (Toney Allan) الأستاذ في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن في مؤتمر وزارة التنمية فيما وراء البحار البريطانية  الذي أقيم في ساوثمبتون في تموز 1992 تحت عنوان أولويات توزيع وإدارة الموارد المائية "Priorities for Water Resources Allocation and Management" ما يلقي الضوء على هذا الأمر وخاصةً في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يتخذها الباحث موضوعا للبحث(1).
ويمكن أن نذكر في هذا الصدد بعض من الدول في هذه المنطقة الغنية بمواردها المالية لكنها فقيرة بمواردها المائية مثل المملكة العربية السعودية مما يجعلها تنتج الحنطة بتكلفة تفوق أربعة الى ستة اضعاف سعرها في السوق العالمية ولا تشعر بالحرج من ذلك في الوقت الحاضر على الأقل طالما توفر لها فائض من مدخولات النفط والى حين تنضب موارد المياه الجوفية غير المتجددة المستخدمة في هذه الزراعة نتيجة السحب الجائر منها (2). وعلى العكس من ذلك فإن هناك دولا فقيرة  بمواردها المالية في ذات الوقت فقيرة بمواردها المائية أيضا مثل الأردن التي تجد نفسها مضطرة لطلب العون من الولايات المتحدة من أجل تعديل ميزان مدفوعاتها (3) (4)، ومن الدول الغنية بمواردها المائية نسبيا مصر التي سوف تكون عاجزة يوما بعد يوم عن ملاقاة تكلفة الغذاء اللازم لشعبها، فلن تستطيع الزراعة مواكبة حاجاتها الغذائية في المستقبل في ظل الزيادة السكانية الهائلة فيها خاصة إذا ما علمنا أن تعداد نفوسها سوف يبلغ 160 مليون نسمة في عام 2050 بعد أن وصل 107 مليون نسمة في نهاية 2022 (5) . لذا فإن خير ما يجب على مصر فعله إضافة إلى تقنين مواردها المائية وزيادة الرقعة الزراعية وزراعة المناطق الصحراوية بأن تعمل على تقوية قاعدتها الصناعية وخاصة في قطاع الطاقة النظيفة وإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي بدأت بالتوسع به(6) إضافة إلى التركيز على قطاع السياحة والخدمات من أجل تعظيم مواردها المالية وفي نظرة مستقبلية نرى أيضا أن هناك حاجة ماسة لممارستها "تجارة المياه الافتراضية" من أجل التنمية المستدامة فيها.
ان هذا يقودنا الى الكلام عن مفهوم "تجارة المياه الافتراضية" قبل ان نحاول  ان نتعرف على مدى إمكانية تطبيق هذا المفهوم على حالة مثل حالة العراق الذي سيعاني من شحة مزمنة  في موارده المائية وضمورا في مساحاته الزراعية مستقبلا، إضافة الى تخلفه في مضمار الصناعة وزيادة متصاعدة في عدد نفوسه يقابل كل ذلك عدم ضمان حصوله على الموارد المالية الكافية من صادرات نفطه في ظل تقلبات أسعار النفط العالمية والكساد الاقتصادي بسبب الأوبئة مثل ما حصل عند انتشار جائحة كورونا والحروب كما في حرب أوكرانيا والاهم من ذلك تخلي العالم في المستقبل المنظور عن استخدام الوقود الأحفوري لصالح مصادر الطاقة النظيفة كما تمليه سياسات الحكومات الحالية في تقليل الآثار السلبية على تغير المناخ العالمي.
                                   المياه الافتراضية وتجارتها
أن مفهوم الماء الافتراضي (virtual water) هو مفهوم حديث نسبيا، وعلى الرغم من أن الأدبيات الحالية تقدم تعاريف متباينة له إلا أن بأماكننا أن نلخص هذا المفهوم بأنه عبارة عن "الماء الكامن أو المتضمن في السلع الزراعية والصناعية أي أنه الماء الذي يتم استهلاكه في سلسلة العمليات التي تؤدي إلى إنتاج تلك السلع" (7) (8) (9) وبعبارة أخرى هو الماء الذي يتعامل معه الناس يوميا من خلال استهلاكهم مختلف المنتجات والسلع التي يدخل في انتاجها دون أن يفكروا أو يشعروا بوجوده. واستنادا إلى ذلك يمكن لنا أن نعتبر الماء ألافتراضي أيضا بأنه الماء (الكامن) في المنتجات والخدمات خاصةً بعد أن أصبح استعمال مصطلح "الماء الافتراضي" اليوم دارجا اقترانه مع ما يسمى "تجارة المياه الافتراضية".  أما الضد من الماء الافتراضي فهو بالطبع الماء المباشر وهو الماء الذي نراه ونشربه ونشعر به ونعرف ملمسه سواءً كان مصدره نهر أو جدول او من المطر وكذلك الماء الذي يصل منازلنا من خلال أنابيب الإسالة. وبمعنى أخر هو الماء اللازم لإشباع حاجات مباشرة معينة كالشرب أو الاغتسال أو لتنفيذ فعالية مثل توليد الكهرباء أو لسقي الحقول والمزروعات.  
مما تقدم يمكننا القول بأنه إذا ما قام بلد ما بتصدير سلعة يتطلب إنتاجها مياه غزيرة إلى بلد آخر فإنه في واقع الأمر يُصّدر المياه الى ذلك البلد ولكن بشكل افتراضي، وبهذه الطريقة يتم دعم البلدان الأخرى في احتياجاتها من المياه. ويمكن للبلدان التي تعاني شحة في المياه أن تكون "تجارة المياه الافتراضية" هذه جاذبة لتحقيق الأمن المائي وبالتالي الأمن الغذائي فيها عن طريق استيرادها منتجات كثيفة الاستخدام للمياه بدلا من إنتاج جميع المنتجات المستهلكة للماء محليا. ويترتب على ذلك بأن يصبح تعبير “المياه الافتراضية” ذو معنى مفيد في "التجارة الافتراضية للمياه" كوسيلة لحل مشكلة ندرة المياه.                 
وفي موضوع تحقيق الأمن الغذائي يكون من المجدي للبلدان التي تعاني من ندرة المياه التركيز على تجارة المياه الافتراضية باستيراد المنتجات الغذائية النباتية والحيوانية الغنية بالمياه الافتراضية من البلدان التي لديها وفرة مائية على أن تسمح مواردها المالية بفعل ذلك.
أن تطوير مفهوم المياه الافتراضية وربطه "بتجارة المياه الافتراضية" وخاصة فيما يتعلق بالمنتجات الغذائية لابد أن يثير في ذهن القارئ أمرا مهما للغاية، ألا وهو الكيفية التي يتم بواسطتها احتساب الوفرة بالمياه التي تحققها الدول المستوردة او بمعنى اخر النقصان بالمياه من الدول المصّدرة وذلك من اجل التوصل الى ميزان الفائض والعجز في موارد المياه لهذه الدول . وهو ما يؤهل بعض الدول أن تكون مُصدرة المياه الافتراضية بينما تكون دول أخرى مستوردة نظرا لمحدودية مواردها المائية وتزايد حاجتها للمياه، سواء نتيجة للزيادة السكانية وزيادة استهلاكات الصناعة منها. فلقد وصل إجمالي تجارة المياه الافتراضية في العالم أرقاما عالية جدا خلال عام 2021 فعلى سبيل المثال هناك دولا تزيد فيها كمية المياه الافتراضية المُصدرة منها بدرجة كبيرة عن ما تستورده من تلك المياه من  الدول الأخرى .وتعتبر كل من الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل إضافة إلى الأرجنتين وكندا وأستراليا وفرنسا وألمانيا  وإيطاليا واندونيسيا في طليعة الدول التي تحقق فائضا في تجارة المياه الافتراضية على الرغم من أن البعض من هذه الدول مثل الولايات المتحدة واليابان والصين وإيطاليا والمكسيك وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة وهولندا هي في ذات الوقت تعمل على استيراد قسم من المياه الافتراضية. وفي حساب ميزان الوفرة والعجز نذكر بأن المكسيك مثلا نجحت في توفير ما يوازي ( 12 مليار م3 سنويا) من مواردها المائية عن طريق استيراد الذرة بدلا من انتاجها محليا كما ان بعض دول الشرق الأوسط عليها استيراد (85%) من احتياجاتها من المواد الغذائية بسبب ندرة المياه فيها، فنرى أن بعض دول الخليج العربي تستورد كامل احتياجاتها من الرز أي (100%) ، ومعظم احتياجها من الحبوب (93 %) واللحوم (62%) والخضراوات (56% ) (10).
ولغرض تقييس كميات المياه الداخلة في عملية استيراد او تصدير منتجات غذائية معينة فلابد في هذه الحالة من الرجوع الى المحتوى المائي الداخل أو "الكامن"  في كل منتوج من تلك المنتجات، وهو ما يقودنا إلى تعريف مفهوم جديد آخر هو البصمة المائية للمنتجات الغذائية (water footprint) التي تعني بشكل مبسط جدا الكمية الكلية الفعلية من المياه  المستهلكة في إنتاج سلعة او محصول على مدى العملية الإنتاجية سواء كان مصدرها الري السطحي أو المياه الجوفية أو مياه أمطار وأحيانا مياه مجاري مدورة وحتى مياه مالحة محلاة أو خليط من هذه المصادر. وهناك اتفاق في أدبيات إدارة الموارد المائية على تسمية مياه الري السطحية والمياه الجوفية  (بالمياه الزرقاء)  وتسمية مياه الأمطار التي تذهب للإرواء فعلا ولا تشمل مياه السيول (المياه الخضراء)، أما المياه الرمادية فهي المياه التي هناك حاجة لها من أجل خلطها بالمياه العادمة أو المالحة وجعلها تحقق المعيارية اللازمة لنوعية المياه المطلوبة للاستخدامات البيئية (11) (12) (13) المنصوص عليها في مواصفات الايزو ( ISO 14046) من حيث نوعية تلك المياه وخاصة نسب وانواع الاملاح والملوثات ومدى صلاحيتها للاستعمالات البلدية والزراعية (14).
و بطبيعة الأمر تختلف البصمة المائية من محصول إلى آخر وكذلك بحسب البلد الذي ينتج ويستورد ذلك المحصول ومناخه السائد،  فلو أخذنا مثلاً القمح الذي تستهلكه تركيا سنوياً فبحسب حسابات  سنة 2020 نجد ان البصمة المائية الكلية لهذا المحصول تساوي 47.9 مليار م3/ السنة: ومن هذه المياه، 38.9 مليار م3/ السنة هي مياه من داخل تركيا، اما الباقي فهي مياه افتراضية مستوردة من الخارج، وعليه تكون نسبة 81% من المياه المستعملة لإنتاج هذا المحصول قد استُهلكت من موارد المياه من داخل  تركيا، أما 19% المتبقية والبالغة 9.0 مليار م3/السنة  فهي مياه افتراضية مستوردة وفرتها تركيا عن طريق استيراد القمح بنسبة 93% من روسيا وكازاخستان وأوكرانيا والولايات المتحدة وليتوانيا والمكسيك وكندا، مع الملاحظة بأن 98% من هذه المياه المستوردة هي مياه خضراء (أي من المطر) (15). وعلى هذا الأساس تعتبر تركيا رابحة من وجهة نظر تجارة المياه الافتراضية طالما قد قامت بتوفير جزءً من مياهها الوطنية حيث ان بإمكانها ان تستخدمها لأغراض اخرى.
العراق وتجارة المياه الافتراضية في منظور الأمن الغذائي
لندرس الآن حالة مثل العراق وما يمكن ان يوفره من تجارة المياه الافتراضية، وهل في هذه التجارة حلاً كاملاً لمسألة شحة المياه المتوقعة وبالتالي موضوع الأمن الغذائي فيه مستقبلاً ؟ ام لابد من اعتبار هذا الأمر هو مجرد عنصر واحد فقط من مجموعة عناصر يجب ان تتضمنها خطة شاملة لإدارة الموارد المائية ؟
لقد غدا تطبيق أساليب تجارة المياه الافتراضية ومفهوم البصمة المائية اللازمة لإنتاج بعض المحاصيل الاستراتيجية مثل الحنطة والشعير والذرة من الأمور الملحة للعراق من أجل تأمين الأمن الغذائي للشعب العراقي مستقبلاً. ويعود ذلك الى الازمة المائية التي يشهدها القطر الآن والتي سوف تستفحل في المستقبل والناجمة عن نقص واردات مياه نهري دجلة والفرات بسبب سياسات دول الجوار المتشاطئة معه والمقترنة مع تأثيرات تغير المناخ العالمي التي كانت حصة العراق منها الجفاف المستفحل، يضاف إلى ذلك زيادة عدد النفوس المتوقعة مستقبلا حيث ان عدد النفوس الحالي (2022) البالغ  42,6 مليون نسمة سوف يُصبح 70,94 مليون في عام (2050) ليصل إلى 89,54 مليون نسمة عام (2070) (16)، وبذلك لن تكون كميات المياه المتاحة في المستقبل كافية لإنتاج معظم متطلبات الأمن الغذائي سواء كان ذلك من المنتجات الزراعية والحيوانية. وعلى هذا الأساس يتطلب أن تستند خطط إدارة الموارد المائية المستقبلية في العراق على دراسات علمية بصمة المياه الافتراضية للمحاصيل الغذائية المختلفة من أجل توفير أكبر كمية ممكنة من المياه الافتراضية وتلافي النقص الحاد في مياهه الوطنية من مياه الري السطحية والجوفية (المياه الزرقاء) ومياه الأمطار (المياه الخضراء)، إضافةً إلى العمل الجاد لتوفير أكبر كمية ممكنة من المياه المحلاة ومياه المجاري المكررة (المياه الرمادية).
وفي نفس السياق يتطلب من المعنيين بالتخطيط الزراعي استبعاد كافة المحاصيل ذات البصمة المائية العالية من خطط الزراعة في العراق والعمل على استيراد تلك المحاصيل من الدول الغنية بالمياه، وبالتالي توفير كميات كبيرة من المياه الافتراضية ومنع هدر مثل تلك الكميات من الموارد المائية الوطنية التي يمكن ان تُستغل في مجالات أخرى لتأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي المطلوب. ولعل في زراعة الرز في العراق أوضح دليل على ذلك، فقد بينت احدى الدراسات العلمية بأن البصمة المائية لمحصول الأرز في سبع محافظات عراقية عام 2017 بلغت ما مقداره (3072) متر مكعب مياه / طن مقارنة بالمعدل العالمي البالغ (1325) متر مكعب مياه / طن وذلك من أجل إنتاج ما مجموعة ( 265,852) طن أي ما يساوي 820 مليون متر مكعب من المياه (الزرقاء) بغياب مطلق للمياه (الخضراء) بسبب ان زراعة الرز في العراق هي من الزراعات الصيفية عندما لا يكون هناك سقوط مطري(17).  و بحساب بسيط فأن هذا يعني الحاجة الى 1,72  مليار متر مكعب من المياه (الزرقاء)  لإنتاج نفس الكمية من هذا المحصول في عام 2070 في ضوء زيادة السكان المتوقعة واستمرار نفس النمط الحالي لاستهلاك الرز من قبل السكان، وهذه الكمية من المياه لن تتوفر قطعا لأنتاج هذا المحصول بالذات في ضوء تضاؤل الموارد المائية للعراق مستقبلاً (18)، خصوصا أن التوقعات الحالية تشير بأن الإجهاد المائي في العراق سوف يزداد من 3.48 نقطة (اجهاد عالي ) في سنة القياس (2013) الى 4.66 نقطة (إجهاد مفرط) في عام (2040)  (19).  لذا يكون من الضروري والمنطقي تقليل او منع زراعة الرز في العراق تماما و استيراده من دول أخرى أو حتى شراء مزارع متخصصة بزراعة الأصناف العراقية في دول أخرى ، وكان للعراق مزارع للرز والشاي في وفيتنام وسريلانكا في أواخر القرن المنصرم (20). ومما يؤيد ضرورة هذا التوجه ما قدمته دراسة ثانية لمعدل البصمة المائية محسوبة للسنوات 2007- 2016 لخمس محاصيل زراعية رئيسية في خمسة عشر محافظة عراقية (21)، حيث يبين الجدول (1) من الدراسة المذكورة بأن معدل البصمة المائية لمحصول الرز بلغ ما مقداره 3694 متر مكعب مياه/ طن ، وهو ما يؤكد ما ذكرناه في أعلاه ، خاصة وأن كافة هذه المياه هي مياه (زرقاء) عدا 10 متر مكعب مياه/ طن منها من مياه الأمطار (خضراء)،  وهذا يشكل ضغطا شديدا على مياه الري في فصل الصيف. كما وتوصلت الدراسة إلى نتيجة  مماثلة لمحصول صيفي اخر وهو محصول الذرة، فقد ظهر أن ما يحتاجه هذا المحصول من مياه الري (الزرقاء) يساوي  2238 متر مكعب مياه /طن ولا يتجاوز استهلاكه من مياه الأمطار (الخضراء) سوى 69 متر مكعب ماء/ طن، وهذا يدفعنا الى معاملة هذا المحصول معاملة الرز و استيراده من دول أخرى يمكن أن تصدره للعراق وبالتالي توفير كمية المياه الافتراضية الخاصة للبلد.
 

البصمة المائية للحاصل                               م3/ طن

 

بصمة المائية للغلة

مليون م3/ سنة

استهلاك الغلة من المياه

م3 /هكتار

كمية الغلة المنتجة

 

المساحة المزروعة

 

نوع الحاصل

 

المجموع

 

زرقاء

 

 

 

 

خضراء

 

المجموع

 

زرقاء

 

خضراء

 

 

المجموع

 

زرقاء

 

خضراء

 

طن/ هكتار

 

طن/ سنة(

 

هكتار

 

 

1736

 

844

 

 

891

 

5,271,004,570

 

2,563,931,419

 

2,707,073,151

 

 

 

2438

 

1181

 

1257

 

1.700

 

3,036,882

 

1,786,235

 

 

الحنطة

 

 

1769

 

626

 

1143

 

1,475,299,267

 

522,128,613

 

953,170,654

 

2322

 

1119

 

1203

 

1.336

 

833,815

 

623,666

 

 

الشعير

 

 

3694

 

3684

 

10

 

997,223,641

 

994,531,633

 

2,692,008

 

13,199

 

13.127

 

717

 

3.918

 

269,970

 

68,897

 

 

الرز

 

2238

 

2169

 

69

 

820,236,976

 

794,944,139

 

25,292,837

 

9384

 

9.096

 

288

 

2.963

 

366,523

 

123,678

 

 

الذرة

 

 

 

 

 

8,563,764,454

 

4,875,535,804

 

3,688,228,650

 

27,343

 

23978

 

3465

 

 

 

2,602,476

 

 

المجموع

(الجدول 1) معدلات السنوات (2007- 2016) لخمسة محاصيل رئيسية في العراق يبين المساحات المزروعة وكمية الحاصل إضافة الى كميات مياه الري المستخدمة لكل من هذه المحاصيل مع البصمة المائية للإنتاج الكلي السنوي والبصمة المائية لكل محصول .
المصدر: عويد سالم وآخرون، "تخمين أثار تجارة محاصيل الحبوب على الامن الغذائي والأراضي في ألعراق" (باللغة الإنكليزية) (19).
 
وفي معرض التفاضل بين المحاصيل المختلفة ربما يكون من الأوفق التركيز على محاصيل استراتيجية تحقيق الأمن الغذائي بحده الأدنى لسد جزءً من الاحتياج لها، بحيث تبعد خطر المجاعة في حالات الحروب والاضطرابات السياسية وفي نفس الوقت لا ترهق موارد المياه الوطنية الشحيحة بسبب بصمتها المائية المعتدلة نسبيا لاحظ (الجدول 1) . وعلى هذا الأساس يتطلب تشجيع زراعة الحنطة والشعير على ان يتم ذلك وفقا لتقنيات الري الحديثة ونعني الري التكميلي باستخدام الري بالرش سواءً كان ذلك في المناطق الديمية شمال خط 200 ملم المطري او حتى في مناطق الوسط والجنوب إلى الأسفل من هذا الخط وان يتم استيراد ما يتبقى من هذا الاحتياج من الدول ذات البصمة المائية العالية، مثل كندا والولايات المتحدة وأوكرانيا واعتبار تجارة المياه الافتراضية ركنا أساسيا من سياسات إدارة الموارد المائية والتبادل التجاري لقطر. ومن نفس المنطلق يكون من الأفضل تشجيع زراعة محاصيل صيفية مثل الخضراوات ذات البصمات المائية الواطئة مثل الفاصولياء ( 543م3 مياه/ طن) والطماطم (171 م3 مياه/ طن) والبطاطا (314م3 مياه/ طن) وكذلك القرنبيط والباذنجان والبصل التي لا تتجاوز بصماتها المائية (100م3 مياه/طن) وتنطبق هذه المبادئ أيضا على المنتجات الغذائية الحيوانية فيلاحظ أن لحوم الماشية ومشتقات الألبان هي ذات بصمات مائية عالية جداً حيث تزيد بمعدل خمسة الى عشرين ضعفا عن البصمة المائية للمحاصيل الزراعية وذلك بسبب أن البصمة المائية للأعلاف مرتفعة نسبيا، فنرى أن البصمة المائية للحم البقر في الغالب تبلغ (13000 م3 مياه / طن) كما أن البصمة المائية  للأجبان تساوي (5000 م3 مياه/ طن) (22). وفي الولايات المتحدة الأمريكية نجد ان البصمة المائية للحم البقر هي بحدود (15000 م3 مياه/ طن) ولحم الخنزير (10000م3 مياه/طن أما الدواجن فهي بحدود (4000 م 3 مياه/طن ) (23).  وفي ذات الوقت تعتبر كافة أصناف الأسماك البحرية والنهرية ذات بصمة مائية تساوي صفر لعدم استهلاكها أي كمية من المياه ويستثنى من ذلك اسماك تربية الأحواض بسبب ما تسببه من فواقد مائية عالية جدا عن طريق التبخر.  وعلى هذا الأساس يمكن للعراق التقليل من مشاريع تربية وتسمين العجول وكذلك حصر تربية الأغنام في المناطق الرعوية الطبيعية والاستعاضة عن ذلك باستيراد جزءا كبيرا من احتياجه من اللحوم الحمراء من دول مثل البرازيل والأرجنتين والهند ونيوزيلندا، وفي ذات الوقت  التركيز على إنتاج لحوم الدواجن وعلى صناعة صيد الأسماك البحرية والنهرية وإلغاء كافة بحيرات الأسماك العشوائية الحالية ومنع إنشاء أي منها في المستقبل بسبب كونها تستنزف جزءا هائلا من موارد المياه عن طريق التبخر وأن هذه المياه هي غير مخصصة لها أصلا وتتجاوز على الحصص المائية لمشاريع زراعية مهمة .
مما تقدم نجد من الضروري التأكيد على أن تجارة المياه الافتراضية لا يمكن أن تكون حلا أساسيا وحيدا لمسألة الأمن الغذائي في العراق. كما يجب التأكيد أيضا على التخطيط السليم في هذه التجارة للموازنة بين ما يستورده العراق وما ينتجه من المواد الغذائية سواءً كانت نباتية أو حيوانية من أجل عدم ارتهان قراره السياسي بجعله معتمدا في غذائه على باقي الدول. وبالنظر لارتباط الأمن الغذائي والأمن المائي يجب أن يتم تبني استراتيجية مائية رشيدة يسيطر فيها العراق على كامل ثروته المائية المتاحة متجاوزا أي تفريط وتبذير إضافة الى تنمية هذه الثروة بزيادة الموارد المائية التقليدية بترشيد الاستهلاك والاستخدام الأمثل لها وكذلك العمل على الحصول على حصة عادلة من مياه نهري دجلة والفرات من جهة وتنمية مصادر المياه غير التقليدية من خلال حصاد مياه الأمطار وتحلية المياه المالحة وتكرير المياه العادمة من الجهة الأخرى.
الخلاصة والاستنتاجات
أولا. أن الأمن الغذائي للعراق مرتبط ارتباطاً مباشراً ووثيقا لا يقبل الانفصام عن أمنه المائي، لهذا يجب أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار في أية استراتيجية للتنمية المستدامة في القطر سواءً كان ذلك في المنظور القريب أو البعيد. ويمكن اعتماد "تجارة المياه الافتراضية" عنصرا مهما في هذه الإستراتيجيات كونها تساهم في تقليص الفارق بين ما هو متاح من الموارد المائية والحاجة الفعلية لإنتاج ما يستهلك من منتجات غذائية، وبالتالي إبعاد شبح المجاعة من جهة والاعتماد على الدول ومنظمات الإغاثة العالمية من الجهة الأخرى. ويستلزم الأمر بادئ ذي بدء تصنيف المنتجات الغذائية بحسب بصماتها المائية واعتماد المحاصيل والمنتجات ذات البصمات المعتدلة والواطئة واستبعاد تلك ذات البصمات العالية من الخطط الزراعية واستيرادها من الدول الأخرى وبالتالي التخطيط لاستيراد أكبر قدر ممكن من المياه الافتراضية واعتماد هذه السياسة نهجاً ثابتا في هذا السياق. 
ثانيا. لا يمكن أبدا اعتبار ما ورد أعلاه أمرا مخففا عن الحاجة الماسة والفعلية لقيام الدولة بكافة أجهزتها ببذل كل ما يتطلبه الموضوع من جهد لصيانة وتنمية الموارد المائية الوطنية ومنع استباحتها من قبل الدول المتشاطئة مع العراق في نهري دجلة والفرات ، أو تبديدها من خلال سياقات إدارة الموارد المائية البالية الحالية سواء بعدم كفاءة نظم الري من جهة أو من خلال لامبالاة المستفيدين منها من فلاحين في هدرها و من مؤسسات الدولة نفسها في تلوث تلك المياه وجعلها غير صالحة للاستعمالات البشرية والزراعية بعدم استخدامها الاستخدام الصحيح. وهنا نود ان نطرح اعتماد دبلوماسية (المياه مقابل الاقتصاد) مع دول الجوار المائي من أجل فرض حصص مائية مناسبة للعراق ، كذلك إعادة النظر في كافة نظم الري الحالية وتحديثها وفقا للمعايير الدولية الحديثة أضافةً الى سن القوانين الرادعة وتطبيقها بصرامة على كافة المسيئين في استخدامات المياه. كما يجب اعتبار المياه سلعة اقتصادية تدخل في عمليات الإنتاج باعتبارها مادة أولية لها سعرها المجزي وبالتالي تسعيرها وتقاضي الرسوم التصاعدية عنها وفقا لكمية الاستهلاك حالها حال الطاقة الكهربائية. وفي ذات الوقت تنمية الموارد المتاحة غير التقليدية الى اقصى حد ممكن من خلال تحلية المياه المالحة وتكرير المياه العادمة باستعمال الطاقة الشمسية اضافةً إلى التوسع في حصاد مياه الأمطار لتنمية مخزونات المياه الجوفية مع منع الاستخدام الجائر لها.
ثالثا. أن أي خطة استراتيجية للتنمية المستدامة في القطر يجب ان تكون شاملة بحيث لا تكتفي بتحسين الوضع في مجال الامن الغذائي المرتبط بالأمن المائي بل يكون من عناصرها الأخرى التنمية المجتمعية التي تؤثر مباشرة في الأمن الغذائي  ومن ذلك وضع السياسات للحد من الاستهلاك من خلال التقليل من الزيادة المضطردة في عدد السكان حيث بلغ معدل النمو السكاني للعراق 2.97%  سنوياً في الفترة 2012- 2021 وهو معدل عالي  مقارنة مع دول أخرى مثل الصين (0.49%) والهند (1.09%)  اللتين لجأتا إلى فرض سياسات تحديد النسل فيها من أجل منع المجاعات و توفير الغذاء لشعبيهما (24) وهو الإجراء السليم الذي يتطلب أتباعه في العراق،  وفي نفس المجال يجب بذل الجهود من أجل تغيير جذري في العادات الغذائية للأفراد والجماعات للحد من الإسراف المفرط الملحوظ في بعض طبقات المجتمع المرفهة مقارنةً مع الطبقات الأخرى الأقل حظا. كما يتطلب استعمال منتجات بديلة في الطعام، فعلى سبيل المثال وليس الحصر زيادة استهلاك البطاطا والتقليل من استهلاك الرز في الوجبات الغذائية وبالتالي الاحتفاظ بنفس مستوى السعرات الحرارية المطلوبة.                                                                                                                       رابعا . ولعل من أهم ما يمكن ان تعتمده أية تنمية اجتماعية هو التوعية الجماعية والإرشاد في كافة المجالات التي ذكرناها لكي يعلم الجميع بأن مسألة الأمن الغذائي وما يتفرع عنها هي مسألة وجودية تخص بقاء العراق كدولة وشعب وأن هذا الامر هو أيضا مسؤولية في اعناق المسؤولين تجاه الأجيال القادمة.
                                                                      
 
*نصرت آدمو،  مهندس استشاري وخبير بالموارد المائية
د. نضير الانصاري،  أكاديمي وخبير بالموارد المائية
فاروجان سيساكيان،  أكاديمي وخبير بالموارد المائية
 
 
الهوامش
 
 (1) Allen T. “Fortunately there are substitutes for water: otherwise, our hydro-political futures would be impossible”. Proceedings of the Conference on Priorities for Water Resources Allocation and Management. Southampton July 1992. https://www.ircwash.org/sites/default/files/210-93PR-11967.pdf
 (2) USGS. ”Earth View- Saudi Wheat Experiment Relied on Fossil Water”. December 2016. Accessed on December 28th , 2022. https://www.usgs.gov/news/science-snippet/earthview-saudi-wheat-experiment-relied-fossil-water
 (3 (CNN (Arabic). 
أمريكا تزيد المساعدات الاقتصادية للأردن بنسبة 57% في 2018
 (4) "المساعدات الامريكية للأردن"، 2 فبراير 2023 جريدة الغد الأردنية:
 (6) "مصر تتصدر العالم في انتاج الهيدروجين الأخضر للحفاظ علة البيئة"، جريدة اليوم السابع المصرية، 1 نوفمبر 2022.
 (7( Frontier economics. “The concept of ‘virtual water’- a critical review”. https://www.frontier-economics.com.au/documents/2014/06/concept-virtual-water-critical-review.pdf/
 (8) Horlemann L, Neubert S. “Virtual Water Trade -A realistic concept for resolving the water crisis?”. German Development Institute, December 2008. 
(9) Yang H, Zehnder A “Virtual water: An unfolding concept in integrated water resources management”. WATER RESOURCES RESEARCH, VOL. 43, W12301, doi: 10.1029/2007WR006048, 2007 “https://www.eqb.state.mn.us/sites/default/files/documents/VirtualWater2007WR006048.pdf
(10) Shanker M. “Virtual Water Trade”. Maithri Aquatech. Accessed in  December 28th2022.
 (11) Zhuo L., “Water Footprint”.  Scholarly Community Encyclopaedia. Accessed on the 28th December2022 https://encyclopedia.pub/item/revision/0ef372829524af16427676a0a0875baa
(12) Hoekstra, A.Y.; Mekonnen, M.M.; Chapagain, A.K.; Mathews, R.E. and Richter, B.D. “Global Monthly Water Scarcity: Blue Water Footprints versus Blue Water Availability”. Plos One  Published: February 29, 2012. Accessed: December 28, 2022. https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0032688
 )13) Hoekstra A Y, Chapagain A K, Aldaya M M, Mekonnen M M. “The Water Footprint Assessment Manual-Setting the Global Standard”. P2. Earthscan.2011. https://waterfootprint.org/media/downloads/TheWaterFootprintAssessmentManual_2.pdf
(14( ISO online browsing platform (IOB).“ISO 14046:2014”.  Accessed 23 December  2022.    https://www.iso.org/obp/ui/#iso:std:iso:14046:ed-1:v1:en
(15) Muratoglu A. “Assessment of wheat’s water footprint and virtual water trade: a case study for Turkey”. Ecologic Processes: 9, 13 (2020). Published: 06 March 2020.
 (16) UN (World Population Prospects 2019). “Population of Iraq”.23 August 2021. Accessed 20 December 2022.                                                  https://statisticstimes.com/demographics/country/iraq-population.php
(17) Ewaid S H, Abed S A, Chabuk A, al- Ansari N. “Water Footprint of Rice in Iraq”.1st International Virtual Conference of Environmental Science. IOP Conf. Series: Earth and Environmental Science 722 (2021) 012008 IOP Publishing https://iopscience.iop.org/article/10.1088/1755-1315/722/1/012008/pdf
(18) al- Ansari N. Ali A A, Knutsson S. “Present Conditions and Future Challenges of Water Resources Problems in Iraq”. Journal of Water Resource and Protection, 2014, 6, 1066-1098 https://www.diva-portal.org/smash/get/diva2:977582/FULLTEXT01.pdf
[19] Martens M. “Food and Water Security in the Middle East and North Africa”. NATO Special Parliamentary Assembly Special Report, table 4, page 7. 8 October 2017.
 (20) al- Baynna al- Jadeda. ”Ministry of trade reveals the Secretes of its Tea Plantations in Vietnam and its Factories Abroad”. (In Arabic), No. 26616 on 25 November 2020, accessed on 20 December 2022 https://albayyna-new.net/content.php?id=26616
 (21) Ewaid S H, Abed S A, al- Ansari N. “Assessment of Main Cereal Crop Trade Impacts on Water and Land Security in Iraq”. MDPI, Agronomy Journal.  2020. 10(1), 98. Published on 9 January 2020
(22) al- Babily D. “Virtual Water between Food Security and World Trade”. Agri2Day.com in Arabic. 10 August 2020. Cairo. Accessed on 22 December 2022. https://www.agri2day.com/2020/08/10/%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%8A-%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%A9/
(23) Smil V. “Water News: Bad, Good and Virtual”. American Scientist. September- October 2008. Volume  96. NUMBER 5. PAGE 399
 (24) World Data.info. “Population development in Iraq since 1960".Accessed: 23 December 2022.   https://www.worlddata.info/asia/iraq/populationgrowth.php